بدأت ملامح «فضيحة » تتكوّن في شأن الأدوية التي لا تزال مخزّنة بطريقة غير سليمة، ولأسباب مبهمة، في مرفأ بيروت، منذ حرب تموز في العام الماضي. فقد أقرّت الهيئة العليا للإغاثة أمس بوجود هذه الأدوية منذ آب من عام 2006 ، أي منذ حوالى سنة وشهرين.إلا أنّها، وعلى الرغم من إقرارها المتأخّر، أصرّت على التمهيد باتّهام «الأخبار »، من دون أن تسمّيها، بنشر، خبر رأت أنه «عارٍ من الصحة ومختلق جملة وتفصيلا والقصد منه التشويه والتحريض الرخيصان !»

وكانت «الأخبار » قد نشرت خبراً منذ يومين، مفاده «أنّ كميّات من الأدوية التي حصل عليها لبنان كمساعدات في حرب تمّوز، لا تزال موجودة في مستودعات مرفأ بيروت... وأنّ الرئيس فؤاد السنيورة أوعز بنقل هذه الأدوية إلى مستشفى بيروت الحكومي، ليجري فرز الصالح منها، من دون أن تتوضّح ملابسات بقاء هذه الكميات من الأدوية في المستودعات حتى اليوم... .»
هذا الخبر استدعى، في اليوم التالي من نشره، ردّاً من وزير الصحة العامة المستقيل محمد جواد خليفة، يقول فيه إنه اتصل بالرئيس السنيورة ,الذي لم يكن لديه أي علم بهذا الموضوع، كما جرى
استيضاح رئيس مجلس إدارة ومدير مستشفى الرئيس الشهيد رفيق الحريري الجامعي، الدكتور وسيم الوزان، وتبين أنه ليس لديه علم بهذا الموضوع، لا من قريب، ولا من بعيد .
إلا أن الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء يحيى رعد، أصدر بياناً أمس بهدف إضافة نفي آخر للخبر المنشور، وبالتالي تضليل الرأي العام، فإذا به يؤكده جملة وتفصيلا
، عن قصد أو عن غير قصد.
فأقرّ أوّلا بوجود كميات من الأدوية أرسلتها «لجنة إغاثة لبنان في هيوستن ،» ووصلت إلى مرفأ بيروت في 2006/8/14 ، وهي عبارة عن أربعة مستوعبات تحتوي على «معدات ولوازم طبية وكمية من الأدوية والمواد الغذائية وألعاب الأطفال »، وممنوحة إلى «مؤسسة عامل » و «غرين لاين .»
وقال إن هاتين الجهتين لم تتمكنا من إدخال المستوعبات إلى الأراضي
اللبنانية، «فبقيت محتوياتها في المستوعبات طوال عام، ما يفرض
عليهما تسديد الرسوم الجمركية ورسوم استخدام مستوعبات شركة
النقل للتخزين طوال هذه المدة .
وأقرّ رعد ثانياً بعلم الرئيس السنيورة بوجود هذه الأدوية، إذ، بحسب البيان، زار وفد من «لجنة إغاثة لبنان في هيوستن » وممثلون عن المؤسّستين الأهليتين، السنيورة، وطلبوا إليه مساعدتهم لإيجاد آلية تسمح بإدخال محتويات الهبة إلى لبنان، لأنهما لا تملكان الأموال اللازمة لدفع الرسوم الجمركية التي ينص عليها القانون، واقترحوا التنازل عن الهبة لمصلحة الهيئة العليا للإغاثة لتتولى إيصالها إلى حيث يمكن الاستفادة منها، ففكل الرئيس السنيورة الأمين العام للهيئة متابعة الموضوع.
وأقرّ رعد أيضاً بأن الهيئة، التي يرأسها السنيورة، طلبت «معونة تقنية من المستشفى الحكومي في بيروت للعمل على فرز محتويات الهبة داخل حرم الجمارك بغية تصنيف ما بقي صالحاً وإتلاف المواد الفاسدة .»
كل هذه الإقرارات التي تقدّم بها اللواء رعد في بيانه أمس، تدفع إلى التساؤل عن سبب مسارعة المعنيين إلى نفي الخبر المنشور في «الأخبار ،» إلا إذا كان هناك ما هو أكبر من الفضيحة المشار إليها، والتي يُراد التستر عليها، ولا سيما أن رعد، وعلى الرغم مما أورده، يصرّ في ختام بيانه على «أن الحكومة لم تكن على اطلاع على الهبة... وأن لا علاقة لها أو للهيئة العليا للإغاثة من قريب أو بعيد بكل ما نشرته وسائل الإعلام، وكل ما سيق في هذا المجال هو تركيب واختلاق .»
تجدر الإشارة إلى أن «الأخبار » اتصلت بكل من رئيس «عامل » الدكتور كامل مهنا، والمسؤولين في «غرين لاين » علي عاشور ونزار رمال، وقد أكدوا أنهم تخلوا عن هذه الهبة منذ شهور
عدّة لمصلحة الهيئة العليا للإغاثة، وذلك بموجب مراسلات رسميّة!