القاهرة ــ نقولا ناصيف
كوسران إلى دمشق وموسى يخشى لبنان آخر بعد 24 تشرين الثاني


تتعامل الدبلوماسية المصرية بواقعية مع انتخابات الرئاسة انطلاقاً من بعدين: إدراكها حدود دورها في لبنان الذي يجعل تأثيرها محدوداً، واهتمامها بضرورة ضمان استقراره وتجنيبه التجاذبات الإقليمية. وبسبب ذلك وضعت مهمة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في بيروت في إطار المعطيات الآتية:
1ـــــ أنها زيارته الأولى منذ حرب تموز 2006، فيما تصاعد حجم الاهتمام الدولي بلبنان. ولا تنظر القاهرة إلى هذا الغياب على أساس أنه «نقيصة» لأن وزراء خارجية دول عربية أخرى موازية بأهميتها (كالسعودية) لم يقصدوا لبنان منذ ذلك الحين. وليس من شأن هذا الغياب أن يقلل من اهتمام الدبلوماسية المصرية بالصعاب التي يواجهها لبنان. وبعدما كان اقترح على أبو الغيط الانضمام إلى وفد وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث، فضّل انتظار نتائج التحرّك الأوروبي وتحقيق زيارته لاحقاً استناداً إلى مبادئ رئيسية ثلاثة: انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تفادي أي فتنة سنية ـــــ شيعية، عدم حصول تدخل خارجي في الاستحقاق الرئاسي وفي الشؤون الداخلية للبنان.
2ـــــ تصرّ القاهرة على تأكيد أنها لا تريد الخوض في أسماء المرشحين للرئاسة، وليست معنية بوصول أي منهم بالتحديد ما خلا مَن يُنتخب بتوافق الأفرقاء اللبنانيين. وهي معنية بالتوافق أكثر من اسم المرشح، الأمر الذي يحمل المسؤولين المصريين على دحض شائعات تأييدهم مرشحاً دون آخر.
تبعاً لذلك تشير الى أن زيارة قائد الجيش العماد ميشال سليمان حُمّلت أكثر مما ينبغي. فهي زيارة عسكرية كانت مقررة سابقاً وتأخرت، والاستقبال كان عسكرياً صرفاً غاب عنه أي موظف في الخارجية المصرية التي أحيطت علماً بزيارة سليمان بعد وصوله إلى القاهرة، واللقاءات التي عقدها تركزت على اجتماعات مع وزير الدفاع المصري ورئيس الأركان ورئيس المخابرات العامة. أما استقبال الرئيس حسني مبارك له فتقرّر في أثناء الزيارة ولم يكن مدرجاً في جدول أعمالها، وكان بمثابة مجاملة وتكريم للعماد سليمان، عدا عن محور الزيارة نفسها، وهو إشادة الجيش المصري بنظيره اللبناني، وبقائده خصوصاً، بعد أحداث مخيّم نهر البارد.
3ـــــ ترسم القاهرة ملامح سياستها حيال انتخابات الرئاسة اللبنانية بالقول إنها لا تفاضل بين الأفرقاء اللبنانيين، ولا تتبنى شرعيات وتنبذ أخرى. وإذ تتعاطف «بحبة زيادة» مع قوى 14 آذار، تدرك في المقابل أن هذه القوى لا تستطيع انتخاب رئيس بنصاب لا يوفر التوافق الداخلي، أي نصاب النصف زائداً واحداً. وهي لم تشترك في السجال الدائر حول النصاب، ولا تريد في المقابل رئيساً لصيقاً بسوريا على غرار تجارب حكم السنوات المنصرمة. كذلك تسجّل القاهرة مآخذ على طريقة مقاربة واشنطن الوضع اللبناني وتلاحظ أنها تتصرّف معه أحياناً بسوء تقدير يفضي إلى أخطاء مكلفة. وتملك الدبلوماسية المصرية معلومات وفيرة عن المرشحين المتداولة أسماؤهم وعن مواقفهم وخياراتهم السياسية وعلاقاتهم المحلية والخارجية، وحدود علاقة كل منهم بدمشق، وبين هؤلاء مَن يتردّد من حين إلى آخر على العاصمة المصرية للاجتماع بعدد من المسؤولين النافذين. إلا أنها تأمل، من أجل استقرار لبنان، انتخاب رئيس لا يستعيد التجربة السابقة.
4ـــــ رغم مآخذ القاهرة على دمشق، فإن الاتصالات بين البلدين لم تنقطع. إلا أنها لا تبلغ مستوى تمثيلياً رفيعاً، الأمر الذي يجعل مصر، خلافاً للسعودية، لا تؤيّد القطيعة الكاملة مع سوريا. ولا يحجب ذلك حجم الاستياء من دمشق لعدم تنفيذها وعوداً كانت قد قطعتها. مع ذلك تجري اتصالات مصرية سورية لتنسيق الموقف من المؤتمر الدولي المعتزم عقده في الولايات المتحدة في ظل تلاق غير مباشر بين التحفظين المصري والسعودي (عدم التأكد من توصله إلى النجاح) والتحفظ السوري (عن إدراج موضوع الجولان فيه) عن المشاركة. مع ذلك تلاحظ القاهرة أن العلاقات السعودية السورية أضحت أسوأ مما كانت عليه منذ قمة الرياض في آذار الفائت، بعدما ضاعف الطرفان شروطهما.

موسى

على صعيد آخر، قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في حديث إلى «الأخبار» إن عدم توصل الأفرقاء اللبنانيين إلى انتخاب رئيس جديد حتى 24 تشرين الثاني سيلقي بلبنان في الفراغ وسيكون هناك لبنان آخر، وأنه لا يسع أحداً من القادة تحمّل مسؤولية كهذه «لأن الوقت يمر بسرعة». وإذ أشاد بالحوار بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري والحوار الذي ترعاه بكركي، رأى عدم التدخّل فيهما، داعياً اللبنانيين إلى «لائحة مصغرة» للمرشحين بمثابة خطوة أولى للاستحقاق ستسهّل الاتصالات بالدول العربية المعنية لإزالة العقبات. وكشف أنه في صدد زيارة قريبة لدمشق، فيما علمت «الأخبار» أن موفد وزير الخارجية الفرنسي جان كلود كوسران سيتوجه قريباً الى العاصمة السورية أيضاً.
من جهة أخرى قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية حسام زكي إن أبو الغيط سيجري «اتصالات عاجلة» مع وزراء خارجية فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، إلى التنسيق المستمر مع نظيره السعودي وموسى بخصوص الوضع في لبنان، وإنه تلقى اتصالاً من وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس، وهو سيلتقي وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأسبوع المقبل على هامش اجتماعات دول الجوار العراقي في اسطنبول.
أما داخلياً، ففي وقت غادر فيه الحريري إلى جدة لإجراء محادثات تتصل بنتائج المسعى المصري، على أن يعود مطلع الأسبوع ليعاود مشاوراته مع بري والبطريرك نصر الله صفير، تراجعت الأجواء الإيجابية التي سادت سابقاً في اجتماعات اللجنة المارونية الرباعية. ونقل زوار المطران سمير مظلوم عنه أنه بات حذراً، مشيراً الى أنه «إذا لم يبذل الحاضرون جهوداً جدية وتنازلات، فقد يكون من الصعب التوصل إلى نتيجة إيجابية». فيما نقل عن بري قوله إنه إذا لم تتوصل بكركي إلى قرار «فسأبادر لمنع الفراغ».
وكانت اللجنة قد توصلت في اجتماعها مساء أمس إلى اتفاق على عقد اجتماعها النهائي قبل ظهر اليوم لترفع في نهايته توصيتها إلى البطريرك. وقال أحد أعضاء اللجنة لـ«الأخبار» إن العقدة التي تواجه عملها تتعلق بطريقة طرح أسماء المرشحين الرئاسيين وعددهم، مشيراً إلى أنه لم يحسم بعد ما إذا كانت اللائحة مختصرة أم فضفاضة.

فيلتمان

في غضون ذلك، واصل السفير الأميركي جيفري فيلتمان إطلاق المواقف من الاستحقاق، مشفوعة بتأكيدات بعدم التدخل الأميركي في هذا الشأن. وعبّر فيلتمان، في حفلة استقبال في السفارة مساء أول من أمس، عن «رفض بلاده لبقاء رئيس الجمهورية العماد إميل لحود في بعبدا، بعد انتهاء ولايته»، مشدداً على الموقف الاميركي المتمسك بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهل الدستورية.
إلا أن زواراً لفيلتمان نقلوا عنه أمس خشيته من تراجع حظوظ انتخاب رئيس «أكثري» بالنصف زائداً واحداً «لأن كل الذين أعلنوا رفضهم للنصف زائداً واحداً مصرون على مواقفهم»، ومن عدم قدرة «الأكثرية» على جمع هذا النصاب في ظل هذه المواقف، وبالتالي عدم التوصل الى انتخاب رئيس.

رئيس أكثري أو حرب إقليمية

وفي نيويورك أبلغ دبلوماسيون مراسل «الأخبار» نزار عبود أن احتمالات اندلاع حرب إقليمية تمتد من لبنان إلى إيران «باتت واردة بنسبة أعلى من أي وقت مضى»، لافتين الى تحريك مزيد من القطع الحربية الأميركية عبر قناة السويس. وأبدى هؤلاء خشيتهم من أن الاستحقاق الرئاسي اللبناني «قد يلعب دور الصاعق المفجر لهذا الصراع»، معربين عن اعتقادهم بأن «المطلوب المجيء برئيس موال لفريق 14 آذار بأي ثمن لأن البديل سيؤسس لمرحلة جديدة من التصعيد لغير مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها».
وأضافت المصادر أن تقرير ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن الأخير الذي عدّله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بشكل كبير، تضمّن كثيراً من العناصر التي ترسم «خريطة الطريق» للمرحلة المقبلة. فالتقرير تطرّق، للمرة الأولى منذ صدور القرار 1559 في خريف 2004، إلى اتفاق القاهرة لعام 1969 الذي سمح للمقاومة الفلسطينية بالاحتفاظ بسلاح دفاعي في المخيمات. وربط بين القرارات 1559 و1608 و1701 بغرض التركيز على موضوع الميليشيات، ودمج الأمور بين التنظيمات الإرهابية والمنظمات الفلسطينية والمقاومة في رزمة مترابطة. وبذلك منح التقرير إسرائيل ذريعة لعدم تطبيق القرار 1701.
كذلك استخدم التقرير التعديلات الدستورية التي جرت منذ نهاية الحرب الأهلية للحديث عن فرصة جديدة لانتخاب رئيس وفق الدستور، في إشارة الى إمكان اللجوء الى تعديل مماثل يسمح بانتخاب الرئيس خارج المجلس النيابي أو حتى خارج لبنان.