• فداء عيتاني

  • غالبية التنظيم عربية والفارّون بالعشرات والعناصر النائمة قرابة المئة والمطاردة مستمرّة

    انتهت المعارك في نهر البارد. لكن أبناء الشمال لا يزالون في مناخ المطاردة الأمنية الجارية دون توقف بحثاً عن فارين من مسلحي فتح الإسلام. ولم يعد بمقدور أحد حسم العدد النهائي لهؤلاء. لكنهم بالتأكيد أكثر من عشرة أشخاص كما قيل في اليوم الأول. فقد تبيّن عملياً من خلال الاعترافات المتراكمة أمام محققي مخابرات الجيش اللبناني، أن هذه العناصر تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وهي أتت من دول عربية عدة لأجل تلقّي التدريبات العسكرية التي تؤهلها للعمل العسكري في العراق أو فلسطين.
    وفيما كانت محاولات القوى السياسية الموالية تسعى إلى زج تنظيم فتح الإسلام في السياسة المحلية ووضعه في إطار العداء لسوريا، تبيّن أن سوريا نفسها شهدت مجموعة اعتقالات لمن ساعد وسهّل لفتح الإسلام العبور إلى لبنان، والانقلاب على فتح الانتفاضة. ومنذ أسبوع أعلنت قيادة الجيش أن التنظيم الذي تم تدميره يضم 300 مئة مقاتل تقريباً، لكنه رقم يناقض ما أعلنه الجيش عن اعتقال 202، و قتل 222، وأن هناك بعض المصابين ما زالوا في المخيم، إضافة إلى بضعة فارين. علماً بأن المتابعين يشيرون إلى أن العدد يتجاوز 600، وأن الفارين بالعشرات. ويتجاوز عدد العناصر النائمة من التنظيم المئة، بحسب أكثر التقديرات تفاؤلاً، وهي تنتشر في أكثر من بقعة في لبنان، وصولاً إلى بيروت وصيدا وغيرها من المناطق ذات الغالبية السنّية. وتتكوّن النسبة الأعلى من المقاتلين من سعوديين وصلوا بغالبيتهم عبر مطار بيروت، إضافة إلى آخرين من اليمن والسودان وسوريا وروسيا والشيشان، مقابل نسبة أقل من اللبنانيين والفلسطينيين، وإن كانت النسبة الفلسطينية التحقت بأغلبها من خارج مخيم نهر البارد، وبعضها أتى من غزة.
    على أن المجموعة اللبنانية تكوّنت بعد ملاحقة «جند الشام» في تعمير صيدا، وجرت عملية انتقال هؤلاء إلى نهر البارد بمواكبة عناصر أمنية رسمية. كذلك جرى إسناد المجموعة اللبنانية بوافدين جدد هربوا من حملة الاعتقالات التي نفذت في الشمال في شباط وآذار الماضيين، فيما لم تُظهر التحقيقات والمعطيات أن من بين أعضاء التنظيم من كان في إطار ما عُرف بمجموعة الضنية، ما عدا بلال المحمود المعروف بأبي جندل الذي قتله عناصر فرع المعلومات في أحد أحياء طرابلس.
    أما التسليح لهذه المجموعة فقد تبيّن أنه لم يتعد البنادق الآلية الخفيفة والرمّانات اليدوية والبنادق المتوسطة، إضافة إلى بعض الرشاشات الثقيلة التي لم تسمح شراسة المعركة وحدّة القصف المدفعي للجيش اللبناني باستخدامها بكثافة. ولم تلحظ التقارير الجدية أو الصور التي بُثّت لما تمت مصادرته وجود أي نوعية سلاح لدى فتح الإسلام مختلفة عن تلك التي تمتلكها الفصائل الفلسطينية في لبنان، خاصة السلاح الشرقي الصنع. كذلك فإن العديد من الفصائل التي طلب الجيش منها سحب عناصرها عزّلاً، كانت قد نبّهت إلى أن السلاح سيبقى في خدمة فتح الإسلام، وهو ما حصل، وما مكّن التنظيم من استخدام أسلحة لم يكن يملكها في وقت سابق على سحب الفصائل، مثل صواريخ الكاتيوشا التي ضُرب بها معمل دير عمار الكهربائي.
    ويصرّ بعض الأجهزة الأمنية، وخاصة فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي، على ربط هذه المجموعة بـ«القاعدة المزوّرة»، وهي نظرية سياسية تفيد أن ما نشهده في لبنان هو قاعدة تابعة للنظام السوري، وأن فتح الإسلام كانت «تقدم أوراق اعتمادها إلى تنظيم القاعدة». علماً بأن السعوديين الذين كانوا ضمن التنظيم، تبين أنهم أفراد من تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الحرمين»، وهو الاسم الذي أطلق حديثاً على تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. كذلك تشير كل المعلومات الموثّقة وتلك المسجلة والمتراكمة إلى أن الاتصالات بفتح الإسلام من أكثر من طرف لبناني أدت إلى فشل تصريف هذه القوة العسكرية في السياسة المحلية الداخلية، واجتذابها إلى جانب شعار «أهل السنّة مهددون في لبنان»، وحافظت فتح الإسلام على حياد سلبي في الصراع اللبناني، مولية أهمية قصوى لتدريب عناصرها الأجانب من عرب وباكستانيين وبنغاليين وجزائريين وتونسيين وغيرهم، قبل إعادة تصدير العشرات منهم إلى خارج البلاد. ولم تجرِ عملية أمنية على أي من مجموعات فتح الإسلام، داخل المخيم أو خارجه ولم يعثر على أيٍّ من الجثث إلا وكان أغلب القتلى والمعتقلين أو الجثث لمقاتلين عرب، إضافة إلى بعض اللبنانيين أو الفلسطينيين.
    وتظهر الأحداث الجارية ومعطيات جهات نافذة أن هناك من اتخذ قراراً بالإعدام الأمني لقادة فتح الإسلام، وكانت تصدر أنباء عن مقتل الشخصيات قبل التأكد من موتها، وأحياناً قبل أن تحصل الوفاة. كذلك كان قرار إعدام أبو هريرة الذي أكدت قناة «العربية» أنه اعتقل حيّاً من قبل قوى الأمن ثم ما لبث أن مات، يشير إلى الاتجاه نفسه، وهو ما أفقد المحققين مناجم من المعلومات، إضافة إلى عملية الاغتيال في وضح النهار التي جرت لأبو جندل، دون أي مبرر، وسط الشارع وفي وضح النهار.
    ويقول أحد الذين التقوا قادة في فتح الإسلام أنه كان يطالبهم بكشف حقيقتهم قبل أن تندثر الحقيقة في ركام السياسة المحلية التي توظفهم في هذا الجانب أو ذاك، إلا أن قادة فتح الإسلام كانوا يؤكدون له بالمقابل أن المعلومات موثّقة على أقراص مدمجة، وستظهر حين الحاجة من حيث لا يدري أحد.

    المطاردة

    إلى ذلك واصل الجيش ملاحقة الفارين في بلدات ببنين والعبدة ووادي الجاموس وقرى سهل عكار، ومجرى نهر البارد وبحيرة عيون السمك، وصولاً إلى جرود الضنية، إضافة إلى بحنين والمنية وصولاً إلى طرابس. واستخدم الجيش الطوافات العسكرية والزوارق البحرية إلى جانب القوات البرية. وسُجّل أول من أمس إلقاء القبض على مسلح فار يحمل الجنسية اليمنية يدعى ناصر الشيبا، لم يتجاوز عشرين عاماً من العمر، في حي النبي كزيبر في المنية، على الطريق المؤدية إلى بلدة مركبتا، بعدما استدل عليه عناصر من فرع المعلومات بمساعدة مواطنين من آل عامرية، وسلّموه لاحقاً إلى مخابرات الجيش، إضافة إلى قتل مسلّحَين اثنين واعتقال اثنين آخرين فجر أول من أمس السبت، هما السوريان محمد حمزه الشيخ عثمان وأحمد حسن اللبش، الذي أمسك به عدد من سكان ضهور بلدة بحنين، وسلّموه إلى فرع المعلومات في الشمال.
    على صعيد متصل، ضربت القوى الأمنية طوقاً حول بلدة الشيخ طابا في عكار بعد الاشتباه بشخص ذي لحية طويلة، داكن اللون، ويرتدي سترة عسكرية. وعلى الفور أُبلغت القوى الأمنية التي حضرت إلى المكان، وفرضت طوقاً عسكرياً، إلاّ أن هذا العنصر استطاع الفرار.
    وأوقفت دورية من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي 6 أشخاص للاشتباه في انتمائهم إلى تنظيمات أصولية، ذكرت معلومات أمنية أنها على صلة بـ«فتح الإسلام»، وذلك في منطقة الزهراني ومدينة صيدا. وذكرت المعلومات أن المداهمات أتت بناءً على اعترافات أدلى بها الموقوفون.