الانشغال اللبناني بالملف الرئاسي المجمّد إلى حين، والتوتر الذي استؤنف على العلاقات السعودية ـــــ السورية، لم يحجب الاهتمام بالتأكيد الأميركي للغارة الجوية الإسرائيلية على مواقع في سوريا الأسبوع الماضي. وهو ما كانت «الأخبار» قد أشارت إليه قبل يومين. لكن الجديد الذي قد يُدخل المنطقة في توتر يتجاوز ما هو مقدّر، يتصل بطبيعة الرد السوري المتوقّع، وتوقيته، الذي يشغل بال المؤسسات الأمنية والسياسية والعسكرية في إسرائيل وفي دول أخرى عديدة.وبحسب مصادر واسعة الاطّلاع، فإن «الطيران الإسرائيلي استهدف مواقع غير معروفة في المناطق الشمالية من سوريا، لكن الهجوم جرى بطريقة لم تحقّق إصابات دقيقة، قبل أن تعطل المضادات الأرضية حركة المناورة لطيران العدو الذي سارع الى إجراءات منها تخفيف أحماله لتسهيل خروجه باتجاه تركيا ومنها عائداً إلى إسرائيل».وأضافت المصادر إن «سوريا تدرس الوضع بصورة دقيقة»، مشيرة إلى أن «القرار بالرد هو الأكثر رجحاناً والمداولات ستنحصر في شكله ومكانه». وهو ما يحاول الإسرائيليون التنبؤ به ويتحدثون عن «رد بالواسطة»، وعن أن القيادة السورية ستطلب من منظمات مقاومة القيام بأعمال في الجولان أو في المناطق الفلسطينية المحتلة، علماً بأن المصادر المطّلعة نفسها ترى أن هذا «الكلام لا يعبّر عن فهم حقيقي لما يجري. الرد السوري سيكون مباشراً ومن دون أقنعة».
ومع أن سوريا لم تصرّح بعد بتفاصيل ما جرى، إلا أن إشارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أنقرة الى إلقاء الطائرات الإسرائيلية ذخيرة حية، تلقّفه المراسلون الإسرائيليون، الذين يخضعون هذه الأيام لرقابة مشدّدة، واستخدموه في إطار سياسية «التلميح» المعتمدة الآن في الدولة العبرية حيال ما جرى، وسط توقّعات بألّا يتأخر الوقت حتى تعلن تل أبيب حقيقة ما قامت به.
وفي ظل هذا التعتيتم الإسرائيلي المشدّد على ما جرى، كان لافتاً صدور التأكيد في شأن «الغارة الجوية» من واشنطن، حيث نقلت وكالات الأنباء العالمية عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية قوله «لم تكن غارة كبيرة، كانت سريعة. لقد تعرضوا لنيران المضادات السورية وألقوا بذخائرهم وغادروا». ولم يحدّد المسؤول هدف الغارة التي شُنّت ليل الأربعاء ـــــ الخميس، لكنه قال إن «الإسرائيليين يحاولون القول للسوريين: لا تدعموا تعزيز حزب الله في لبنان»، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية «مسرورة».
وكانت شبكة «سي ان ان» الأميركية قد نقلت في وقت سابق أمس عن مصادر في الجيش والإدارة الأميركيين قولها إن إسرائيل شنت غارة جوية نادرة داخل سوريا الأسبوع الماضي مستهدفةً شحنة أسلحة. وقالت إن «الضربة الجوية قد تكون جرت بالتنسيق مع قوات برية إسرائيلية ويعتقد أنها استهدفت أسلحة كانت إمّا مرسلة الى سوريا أو تنقل من إيران إلى حزب الله».
وفي شروح متعددة لمراسلين ومحللين أمنيين في إسرائيل، كان البارز ما قاله محرر الشؤون الامنية والعسكرية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بروغمان، الذي لمّح في سياق كلامه، الى أن الصواريخ السورية المزودة بالرؤوس الكيميائية ليست بعيدة عن متناول الطائرات الاسرائيلية، وأنها موجودة في الشمال السوري. وأضاف بروغمان انه بحسب المعلومات المتوافرة، لم يهتم السوريون بالموضوع النووي لأن «لديهم حلولاً أخرى استراتيجية لما تملكه إسرائيل من سلاح، وهو السلاح الكيميائي»، ولديهم كميات كبيرة منه، وهذه «الاسلحة موجودة في الشمال». ولفت الى أن هناك أماكن يقوم السوريون فيها بإنتاج صواريخ «سكاد ـــــ سي» و«سكاد ـــــ بي»، فضلاً عن أنهم «حصلوا على صواريخ جاهزة من كوريا الشمالية، ثم أخذوا ينتجونها بأنفسهم بمساعدة من الإيرانيين».
هاجس الرد
وفي السياق، ذكرت صحيفة «هآرتس»، في تقرير لمراسلها العسكري عاموس هرئيل، أن «الجيش الاسرائيلي ينوي المحافظة على جهوزيته العالية في هضبة الجولان خلال فترة الأعياد» اليهودية، مؤكداً «إبقاء المؤسسة الامنية الاسرائيلية قوات نظامية على الحدود، رغم أنها لا تشخّص استعدادات سورية ممهدة للحرب».
وأشار هرئيل الى أن الجيش الاسرائيلي بحث في سيناريوهات الرد السوري على الخرق الجوي الإسرائيلي «ومن بينها أن تقوم منظمة تحرر درزية أو فلسطينية بمحاولة التحرش في هضبة الجولان ومهاجمة الجيش الاسرائيلي، إضافة الى إمكان تنفيذ عملية في المناطق الفلسطينية أو داخل الخط الأخضر، من قبل منظمة فلسطينية تعمل بتوجيه من دمشق».
وحذر المعلق العسكري في القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي ألون بن دافيد من إقدام سوريا على نقل الكرة الى الملعب الاسرائيلي، مشيراً الى أنهم «في إسرائيل لا يرون استعدادات سورية للمبادرة الى حرب، لكن الخشية تتركز على قيام سوريا برد موضعي محدد، مثل عملية في هضبة الجولان تستهدف دورية للجيش الاسرائيلي، على أن تعلن منظمة درزية مجهولة مسؤوليتها عنها، الأمر الذي ينقل الأزمة الى الجانب الاسرائيلي».