باريس تستعدّ لـ«الأسوأ» وإدارة بوش تتّحد ضدّ إيران وتُعدّ لاستدراجها إلى المعركة... و«تراقب» سوريا
يبدو أن سماء المنطقة باتت ملبّدة بغيوم حرب، طبولها تُقرع في واشنطن، وصداها يتردد في باريس ولندن وتل أبيب، لتنذر بـ«الأسوأ» الآتي، وسط سيناريوهات باتت شبه جاهزة بانتظار قرار تنفيذها، الذي قد لا يتأخر كثيراً، ولا سيما أن مؤشرات العدوان تفيد بأنه قد لا يقتصر على إيران وحدها، وإنما قد يطال سوريا، التي كثرت الأنباء الأميركية عن نيتها الحصول على أسلحة دمار شامل، في حملة تحاكي تلك التي سبقت غزو العراق، وتأتي بعد أيام من الغارة الإسرائيلية على أراضيها (التفاصيل).
المؤشّر الأبرز لاقتراب المواجهة الشاملة خرج من باريس، التي دعا وزير خارجيتها برنار كوشنير إلى «توقع الأسوأ، الذي هو الحرب» في الأزمة الإيرانية، مشيراً إلى دخول فرنسا مباشرة في الاستعدادات لها. وقال «نستعد بالسعي أولاً إلى وضع خطط هي من مهمة قيادات الأركان، وهذا لن يكون للغد». وأضاف «إلا أننا نستعد أيضاً عبر القول: لن نقبل بصنع هذه القنبلة (النووية الايرانية). علقوا تخصيب اليورانيوم وسنثبت لكم أننا جادون»، قبل أن يقترح «إعداد عقوبات تكون أكثر فاعلية» من تلك التي فرضت حتى الآن على طهران.
إلا أن الوزير الفرنسي دعا مع ذلك إلى إعطاء فرصة للدبلوماسية، مشيراً إلى أنه «لا بد من التفاوض حتى النهاية». وقال إن حصول إيران على السلاح النووي سيكون «خطراً فعلياً على العالم أجمع»، معلناً أن الحكومة الفرنسية «طلبت» من بعض الشركات الفرنسية الكبيرة عدم الاستثمار في إيران بسبب الازمة القائمة حول الملف النووي الايراني. وأضاف «أعتقد أنه تم الالتزام بما قلناه، ولسنا وحدنا من قام بذلك»، مشيراً الى شركات مثل «توتال وغاز دي فرانس وشركات أخرى».
وتتطابق تصريحات كوشنير مع ما نقله مندوب «الأخبار» في باريس بسام طيارة عن مصادر فرنسية لجهة تأكيدها أن «الدبلوماسية الفرنسية باتت على اقتناع تام بعدم إمكان تجنّب ضربة توجه لإيران»، مشيرة إلى أن مصادر عديدة في وزارة الخارجية الفرنسية باتت مقتنعة «بأن إيران تصنع قنبلة نووية». وأضافت المصادر نفسها أن زيارة كوشنير إلى المنطقة والتشديد على «الخطوات الإيجابية التي تمثلها لقاءات (الرئيس الفلسطيني محمود) عباس و(رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود) أولمرت» تأتي في سياق «مساعدة الأنظمة المقربة من الغرب على استيعاب الضربة المقبلة تجاه شعوبها».
وترافقت التحذيرات الفرنسية أمس مع سيناريو للحرب نشرته صحيفة «صنداي تلغراف» البريطانية، التي أشارت إلى أن مسؤولين عسكريين وأمنيين أميركيين رفيعي المستوى يعتقدون أن رئيس بلادهم جورج بوش ودائرته الداخلية اتخذا خطوات لوضع الولايات المتحدة على طريق الحرب ضد إيران.
وقالت الصحيفة إن مخططي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) طوّروا لائحة تضم 2000 هدف لضربها في إيران. وأضافت «أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» والبنتاغون يعتقدان أن البيت الأبيض بدأ، بمنتهى الحرص، بتنفيذ برنامج تصعيدي يمكن أن يقود إلى مواجهة عسكرية مع إيران، كما تبيّن أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي كانت تضغط من أجل حل دبلوماسي مع إيران، باتت مستعدة الآن لتسوية خلافاتها مع نائب الرئيس ديك تشيني وتأييد العمل العسكري».
ونسبت الصحيفة إلى مصدر في وزارة الخارجية الأميركية وصفته بأنه «مطلع على نقاشات البيت الأبيض»، قوله «إن رايس تواجه ضغوطاً من كبار مسؤولي الحد من انتشار الأسلحة النووية لكي تقرّ بأن العمل العسكري قد يكون ضرورياً ضد إيران وتعمل الآن مع تشيني للبحث عن طريقة لتسوية خلافاتهما وتقديم موقف موحد أمام الرئيس بوش».
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولاً استخبارياً رفيع المستوى رسم سيناريو مرعباً للطريقة التي ستنطلق بها الحرب، وهي بداية بإدانة التدخل الإيراني في شؤون العراق واتهامها بتسليح وتدريب الميليشيات العراقية وتتوّج بشن غارات على معسكرات التدريب الإيرانية وقصف مصانع تطوير الأسلحة. وقالت الصحيفة إن «قاعدة الفجر، التي يديرها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في جنوب إيران، وتعتقد وكالات الاستخبارات الغربية أن العبوات الناسفة الخارقة للدروع التي تستخدم ضد القوات البريطانية والأميركية يجري تصنيعها هناك، ستكون هدفاً رئيسياً للقصف الأميركي». وأضافت «بحسب السيناريو الأميركي، يتوقع أن ترد إيران على هذه الهجمات ربما بقطع إمدادات النفط في الخليج، ما سيعطي الولايات المتحدة مبرراً لشن غارات جوية وبحرية وعمليات إنزال برمائي وعمليات خاصة داخل العمق الإيراني لمدة 21 يوماً، تستهدف نحو عشرين موقعاً نووياً في إيران، وشل قدرة إيران على الرد الانتقامي بقصف كل مواقع القيادة والتحكم والرادارات ومواقع الصواريخ ومخازن الأسلحة والذخيرة، والمطارات والسفن الحربية والقواعد العسكرية».
ونسبت «صنداي تلغراف» إلى المسؤول الاستخباري قوله «إن الضربة ستلي حتماً تصعيداً تدريجياً حيال إيران، وستقوم الولايات المتحدة في غضون الأسابيع والأشهر المقبلة ببناء التوتر وتقديم أدلة على النشاطات الإيرانية في العراق».
وفي السياق، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الرئيس الأميركي استغل مناسبة الجدال المركز خلال الأسبوع الحالي على مسألة عديد القوات الأميركية في العراق، لتشديد الضغط على إيران في خطابه الذي أشار إلى الحاجة لاحتواء طهران باعتبارها السبب الرئيسي لاستمرار الوجود الأميركي العسكري في العراق.
ورأت الصحيفة أن خطاب بوش أشار إلى أن وجهة النقاش حول إيران في الإدارة الأميركية مالت لمصلحة تشيني، من خلال قوله «إذا كنا سننقاد إلى خارج العراق، فستتعزز قوة المتطرفين من جميع الأنواع. ستستفيد إيران من الفوضى وتتشجّع على الاستمرار بجهودها لامتلاك أسلحة نووية والهيمنة على المنطقة».
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية قولهم إنه إلى «جانب البرنامج النووي، برزت إيران كمصدر متزايد للمشاكل بالنسبة لإدارة الرئيس بوش من خلال إلهاب التمرد في العراق وأفغانستان ولبنان وغزة، حيث توفر المساعدات العسكرية والمالية للمجموعات الإسلامية المقاتلة».
ورغم الأنباء المتزايدة عن الخيار العسكري، قال وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس أمس إن الدبلوماسية لا تزال «الخيار المفضل» بالنسبة إلى الولايات المتحدة، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى ان «كل الخيارات مطروحة».
وردّاً على سؤال في شأن أنباء عن تعاون بين كوريا الشمالية وسوريا، قال غيتس إنه «لن يتطرّق إلى أمور استخبارية، لكننا نراقب كوريا الشمالية وسوريا بدقة». وأضاف «إذا كان هذا التعاون قائماً بالفعل، فسيكون موضع قلق كبير، لأن الرئيس (جورج بوش) وضع محددات صارمة للقيادة الكورية في شأن أي جهود نووية في المستقبل». وتابع «من الواضح أن أي جهد من سوريا للحصول على أسلحة دمار شامل سيكون موضع قلق بالنسبة إلينا».