غابت الوساطات والمبادرات، أمس، وعلا صوت المعركة على أي صوت آخر، ليدخل المتن غداً معركة سياسية أكبر مما يقتضيه التنافس على مقعد نيابي شغر باستشهاد النائب والوزير بيار الجميل، وهو ما عبّر عنه رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في لقاء انتخابي بالقول «إن نتيجة انتخابات الأحد سترسم معالم المرحلة السياسية الجديدة وتحدد الصورة الحقيقية لتوجهات اللبنانيين في اختيار المسار السياسي المقبل الذي يريدونه». وإذ حجبت معركة المتن كل اهتمام بالانتخاب الفرعي في الدائرة الثانية من بيروت، فإن الطابع الذي تتسم به يستعيد معارك انتخابية مماثلة في حدتها، والانقسام المسبق الذي ترتب عليها، وكذلك الآثار التي سيفضي إليها. فما ينتظر المتنيين اليوم، سبق أن خبرته الغالبية المسيحية في دائرة جبل لبنان في أيلول 1943 عند المواجهة القاسية بين الزعيمين المارونيين إميل إده وبشارة الخوري. حينذاك ربح إده وأمسك بغالبية نيابية، إلا أن هذه انتخبت بفعل تدخل الخارج بشارة الخوري رئيساً للجمهورية في الشهر نفسه. ثم كانت سابقة ثانية في انتخابات نيسان 1968 بين «النهج» الشهابي و«الحلف الثلاثي» (شمعون والجميّل وإده) أفضت بدورها إلى إمساك «النهج» بالغالبية النيابية رغم سيطرة «الحلف الثلاثي» على مقاعد دوائر جبل لبنان الشمالي، إلا أن «النهج» خسر انتخابات رئاسة الجمهورية في آب 1970. ويأتي الانتخاب الفرعي في المتن ليستعيد الصراع المسيحي ـــــ المسيحي، واصطفاف توازن القوى وراء المرشحين على أبواب الاستحقاق الرئاسي، ويضع المتنيين خصوصاً في مواجهة انقسام في الخيارات الناشئة عن الحملات الانتخابية التي يقودها الزعيمان المارونيان أمين الجميل وميشال عون.والبارز أمس المهرجان الحاشد الذي أقامه تحالف «التيار الوطني الحر» وحزب «الطاشناق» والنائب ميشال المر في الضبية، في حضور المرشح كميل خوري، والذي قطع دابر الشائعات عن تردّد المر في دخول المعركة الى جانب عون، من جهة، وجعل مهمة الجميل أكثر صعوبة من جهة أخرى.
ووصف عون «الطرف الآخر» بـ«أولاد الشائعات (...) وطواحين كذب تملأ كل لبنان من أقصاه الى أقصاه، وتتخطى الحدود الى ألمانيا وفرنسا والدول العربية. لا يقدمون سوى الكذب والشائعات والبكاء والنحيب، ولا يعطون الأمل». وسأل عن برامجهم السياسية، وقال: «كيف يكون لديهم برنامج وهم في الحكم ولا يحققونه؟ ما هذا الكذب؟»، مؤكّداً الانتصار في المعركة.
وأوضح المر أنه «عندما وجدنا أن كل الحلول القضائية وكل محاولات المصالحة سقطت، وبما أننا متحالفون تحالفاً ثابتاً مع العماد ميشال عون وحزب الطاشناق، فعندما يخوض أحدنا المعركة، يكون الباقون إلى جنبه وأمامه». وقال: «أرادوها معركة فلتكن، فقد تعوّدنا على المعارك عام 2005 و2004، وستأتي النتائج مماثلة للسابق وسنلتقي مساء الأحد بمهرجان مماثل».
وقال ممثل حزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان: «أردنا التوافق فاختاروا المعركة، واليوم نخوض هذه المعركة بقناعة تامة وباستعداد تام»، داعياً المتنيين الى الانتخاب «بإيمان وصدق» للمرشح خوري.
وقال عون في حديث تلفزيوني الى محطة «أو تي في» إن غاية «الفريق الآخر» من المعركة الانتخابية في المتن هي «إسقاط المعادلة الجديدة التي تمنع الاقتتال في لبنان» والتي نشأت نتيجة التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وأشار الى أن الحزب «يخوض معركتنا للعودة الى الشراكة وهو يشعر بأنه يُقصى عن القرار». وعندما سُئل هل يتهم الحكومة بالوقوف وراء ما يحصل في مخيّم نهر البارد ، قال: «الغشيم خيّ ابن الحرام».
وفي المقابل، قال الجميل في مهرجان انتخابي في انطلياس: «بالأمس القريب، أوضحت بكركي الخيارات، وقال سيد بكركي إن التوافق هو الأفضل وهناك تقاليد وأصول يقتضي التمسك بها والالتفاف نحو مرشح الكتائب». وتوجه الى المتنيين قائلاً: «أنتم أدرى بمن يتحمّل مسؤولية توريط المسيحيين بتفاهمات وتحالفات غريبة عن تقاليدهم وثوابتهم التاريخية، وبمن ربطهم بأحلاف تبدأ بمدينة قم في إيران وتصل الى دويلة غزة في فلسطين مروراً بدمشق وغيرها».
وأظهر استطلاع أجراه «مكتب الإحصاء والتوثيق» حول الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي تأييد الناخبين لمرشح «التيار الوطني الحر» بنسبة 56 في المئة في مقابل 43 في المئة للجميل.
بري
الى ذلك، يستعد رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد انتهاء معمعة الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي وبيروت، لإجراء اتصالات بالمعنيين من كل الاتجاهات، لتأمين إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتوافق وعلى أساس نصاب الثلثين.
وحذّر بري أمام زواره من الاستمرار في سياسة الكيد والمكابرة، ونبّه من مغبّة جعل الانتخابات الرئاسية ورقة على طاولة الصراع بين المحاور المفتوحة في المنطقة وعليها. واتهم الموالاة بتكرارها الدعوة إلى الحوار بأنها «تستبطن الرغبة في إضاعة الوقت حتى حلول موعد الاستحقاق وتعذّر انتخاب الرئيس، ما يعني بكل بساطة انتقال صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة فؤاد السنيورة». وقال «إن فريق الأكثرية لا يمتلك قراره، وهو أصبح رهين السياسة الأميركية التي أعدّت الترتيبات المطلوبة لانتخاب رئيس جديد بنصاب النصف زائداً واحداً أو بمَن حضر كما قال أحد أعضاء فريق 14 آذار». وأثنى على الجهود التي يبذلها الفرنسيون لمساعدة اللبنانيين على تجاوز أزمتهم السياسية، وقال «إنهم أكثر حماسة وصدقاً في العمل والمثابرة من بعض العرب». وكشف أن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أبلغه أنه سيواصل مهمته وأنه مصرّ على النجاح حتى لو اضطر إلى البقاء في لبنان حتى إجراء الانتخابات الرئاسية.
نصر الله
وظهر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في مهرجان الانتصار في بعلبك، محاكماً، للمرة الاولى بتوسع، السياسة الاقتصادية والاجتماعية للسلطات اللبنانية المتعاقبة، مهاجماً «عقلية السلطة السياسية التي لا تعترف بالأطراف، وتكرّس كل اهتمامها للعاصمة وجبل لبنان»، وصولاً الى أنها أخيراً «باتت لا تهتم حتى بكل العاصمة والجبل بل بالشركات». وحمل بشدة على ما اعتبره إدارة البلاد بـ«عقل إدارة بنك، عقل شركات، عقل جباية...». وفنّد كل البنود الاقتصادية والاجتماعية التي لم تُنَفذ من اتفاق الطائف. واتهم «بعض الناس بأنهم لا يرون في اتفاق الطائف إلا نزع سلاح المقاومة وتطبيق اتفاقية الهدنة مع إسرائيل»، كما حمّل بعض المسؤولين حالياً مسؤولية السياسة الاقتصادية «خلال فترة ما يسمّونه الوصاية السورية». وأكد نصر الله أن لبنان هو خيار حزب الله، و«أننا نريد حكومة أمن قومي لبناني لا أميركي»، مؤكداً القبول بالحوار «حول سلاح المقاومة، لا الميليشيا، ضمن إطار استراتيجية دفاعية ولا نريد الاحتفاظ بهذه المسؤولية الى الأبد». واتهم «البعض بأنه يخجل من التحالف مع حزب المقاومة التي تقاتل إسرائيل، ولا يخجل ممن تحالفوا مع إسرائيل»، والحكومة بـ«التنصّل من معركة الدفاع عن لبنان، لكنها توفّر الأموال من أجل زجّ الجيش في معركة لا أحد معني بحسمها».
نهر البارد
وشهدت جبهة نهر البارد، أمس، اشتباكات عنيفة بين الجيش ومسلحي «فتح الإسلام»، الذين يتحصنون داخل مربع أمني في الجهة الجنوبية ـــــ الغربية من المخيم القديم، من غير أن تلوح في الأفق القريب بوادر على انتهاء المعارك بعد 76 يوماً على اندلاعها. وتابع الجيش تقدمه بحذر شديد، وواصل عملية القضم التدريجي للمربع الأمني، وتدعيم المواقع التي سيطر عليها، وتحصينها ضمن خطة يعتمدها منذ بدء المعارك، وهي تضييق الخناق والحصار على المسلحين حتى استسلامهم أو إنهائهم عسكرياً.
وتعرّضت محطة دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية لإطلاق صواريخ الكاتيوشا مجدداً أمس، ما عرقل إصلاح الأعطال في المحطة نتيجة سقوط صاروخي كاتيوشا عليها أول من أمس، وتوقفها بالتالي عن إنتاج الطاقة الكهربائية كلياً.
ونعت قيادة الجيش ـــــ مديرية التوجيه كلاً من النقيب غالب أحمد قلوط من بلدة الخيام ـــــ قضاء مرجعيون والرقيب بيار أمين بو ضلع من بلدة كفرحبو ـــــ الشمال والعريف راجح جميل ورده من بلدة عيات ـــــ عكار الذين استشهدوا أول من أمس، ليرتفع عدد شهداء الجيش في الأيام الثلاثة الماضية إلى ستة.

الأمم المتّحدة تطلب ترشيح قضاة المحكمة الدولية

وجّه المستشار القانوني في الأمم المتحدة نيكولا ميشال رسالة إلى الدول الأعضاء في المنظمة الدولية دعاها فيها إلى ترشيح قضاة بحلول 24 أيلول للمشاركة في المحكمة ذات الطابع الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وأعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فرحان الحق، أن نيكولا ميشال وجّه هذه الرسالة باسم بان داعياً الدول إلى «تقديم أسماء مرشحين لمناصب القضاة الدوليين». وأوضح أن بان سيعيّن القضاة «بناء على توصية من لجنة اختيار يتولى تشكيلها» وتتألف من قضاة لدى محاكم دولية، أو متقاعدين من محاكم دولية وممثل عنه. وأضاف انه سيصار إلى تأليف لجنة الاختيار «في الوقت المناسب».
وستتألف المحكمة من نائب عام أجنبي ومساعد له لبناني، ومن ثلاثة قضاة هم لبناني وأجنبيان. وستُنشأ محكمة استئناف مؤلفة من خمسة قضاة هم لبنانيان وثلاثة اجانب. ويتولّى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تعيين جميع القضاة غير اللبنانيين بعد التشاور مع مجلس الأمن.
(أ ف ب)