توّج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الاحتفالات بذكرى الانتصار في عدوان تموز بإطلاق جملة مواقف عكست بعض المؤشّرات على ما يمكن أن يكون عليه مستقبل الأوضاع داخلياً وإقليمياً.فعلى المستوى الداخلي، عبّر نصر الله عن الرغبة في الوصول الى تسوية مع فريق الموالاة يكون مدخلها حكومة الشراكة الوطنية. وفي موازاة ذلك، شنّ «حرباً نفسية صادقة» على إسرائيل، واعداً إيّاها بـ«مفاجأة كبرى ستغيّر مصير الحرب ومصير المنطقة»، إذا ما شنّت أيّ عدوان جديد على لبنان. وتوجّه إلى الإسرائيليين قائلاً: «إذا فكّرتم بأن تعتدوا على لبنان وأن تشنّوا حرباً... أعدكم بالمفاجأة الكبرى التي يمكن أن تغيّر وجه المنطقة».
وأشار نصر الله، في الاحتفال المركزي بالانتصار الذي أقيم في ضاحية بيروت الجنوبية مساء أمس، الى «أن أي حرب مقبلة على لبنان ستكون أثمانها باهظة جداً». وقال: «إذا حصلت الحرب التي لا نريدها، أنصحهم هنا بأننا، مقاومة وجيشاً وشعباً، نرفض الذل ولا نخاف إلا الله وسننتصر». ولفت إلى أنه حين أشار أخيراً إلى قدرة المقاومة الصاروخية على ضرب أي منطقة في إسرائيل فإنه لم يعلن ذلك «لأستدرج حرباً بل لأمنع وقوع حرب».
وتناول نصر الله الأزمة الداخلية القائمة بين الموالاة والمعارضة، فقال: إن هناك خطين قياديين في الساحة اللبنانية: الأول «خط تصالحي وفاقي وحدوي يدعو الى مد الجسور والى تسوية داخلية والى تسويات داخلية في كل القضايا التي نختلف عليها، وخط تصادمي إلغائي تخويفي يستقوي بالأميركي وبالمجتمع الدولي، ويعتبر الشراكة الوطنية انتحاراً، ويعتبر التسوية الداخلية خيانة تستحق الإعدام». وأضاف:«نحن من دعاة الخط الأول، لكن المنهج التخويفي الذي تمارسه أميركا يضعنا في موضع المتهم الذي يجب دائماً أن يطمئن ويدافع عن نفسه»، معتبراً أنّه «إذا كان هناك طرف بحاجة الى تطمين فهو المقاومة وجمهورها لأنها مستهدفة بالقتل والتهجير الجماعي والتغيير الديموغرافي».
وكشف عن مبادرة جديدة سيطرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري «للخروج من الأزمة». وأكّد «تعاوننا وتأييدنا وتجاوبنا مع كل المبادرات المطروحة». واتهم الولايات المتحدة بأنها «تعمل بقوة على منحى التخويف والتقطيع وإثارة الشبهات بين القوى اللبنانية». وقال: «هم يتدخلون ليلاً ونهاراً لتعطيل أية تسوية داخلية مدخلها حكومة الشراكة».
المساعي والمبادرات
من جهة ثانية، لم يحصل أي تقدم ملموس في المساعي الجارية لإنهاء الأزمة بين الموالاة والمعارضة. وواصل بري تحضيراته واتصالاته في شأن المبادرة التي ينوي إطلاقها لتحقيق اتفاق على موضوعي حكومة الوحدة الوطنية وانتخابات رئاسة الجمهورية. وهو يحضر في هذا الصدد للقاء سيعقده قريباً مع البطريرك الماروني نصر الله صفير الذي سيلتقي النائب ميشال المر خلال أيام، على أن يعود الأخير الى الاجتماع ببري.
وقال المر اثر زيارته بري أمس: «إن شاء الله، خلال أسبوع، ينتظر دولته أجوبة، وأنا سأتابع اتصالاتي داخلياً، وسنعود لنلتقي مع دولته بعد توفير أجوبة معينة واتصالات أقوم بها مع بعض المسؤولين. وفي هذا الإطار، سأزور الديمان وسألتقي الجنرال عون حتى نستطيع إنضاج الحل إذا ما توافر طرح محدد».
وكان بري قد تلقى أمس اتصالاً من وزير الخارجية الاسباني ميغل أنخيل موراتينوس، تداولا خلاله المبادرة الفرنسية والاسبانية والمساعي المبذولة لمساعدة اللبنانيين على التوافق. كما التقى النائب بطرس حرب الذي أبلغه رسميّاً ترشّحه للرئاسة، ونيّته إعلان ترشّحه في الأسبوع الاخير من الشهر الجاري. ورأى حرب إنّ تحرك بري «قد يشكل انطلاقة صالحة لمواكبة الأحداث وتعقيدات المجريات لكي نصل الى مرحلة نستطيع فيها إيجاد بعض الحلول والمخارج، ولا سيما لمقاربة موضوع الاستحقاق الرئاسي الذي يشغل اللبنانيين بكاملهم».
وذكرت أوساط بري إزاء قضية نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية أنّ «هذه المسألة أصبحت وراءنا وحسمت ولم تعد ورقة تهويل يستخدمها البعض لهدف الابتزاز». وأكّدت أنّه «أياً كان من يملك أكثرية النصف زائداً واحداً فإن بري على مبدئه والتزامه الدستور لجهة نصاب الثلثين». ولاحظت الاوساط نفسها أن فريق الأكثرية «بدأ عقده بالانفراط، وستتبدى يوماً بعد يوم حقيقة أن طابخ السمّ آكله».
وأشارت مصادر المعارضة الى أن المواقف إزاء الاستحقاق الرئاسي لا تزال على ما هي عليه. فالمعارضة سترشح العماد ميشال عون، فيما الموالاة سترشح إحدى شخصياتها، اللهم إلا إذا تم الاتفاق على شخصية توافقية. لكنّ المصادر نفسها أشارت الى أنّ الفترة الممتدّة حتى 23 أيلول المقبل قد تشهد تطورات يمكن أن تسهل إنجاز الاستحقاق الرئاسي أو تعوقه، وأن هذا الامر مرهون بما ستؤول إليه المساعي الداخلية والخارجية الجارية.
بري والجيش
من جهة ثانية، انتقدت أوساط بري بشدة من سمّتهم «المتطاولين والمشككين بالجيش وقيادته»، وقالت «إن من يهاجمون الجيش، عليهم أن يعدوا الى العشرة»، مؤكدة «أن المؤسسة العسكرية هي أحد أبرز حصون الوحدة الوطنية في البلد». وأضافت الأوساط نفسها «إن هؤلاء يلحسون الكلام الذي لم يجفّ حبره، بعدما رموه في الجب وتركوه، وإن الذين يهجمون اليوم على الجيش هم الذين غطّسوه في نهر البارد». وقالت هذه الأوساط «إننا ندرك خلفيات هذه الحملة على أحد العناوين المضيئة للوحدة الوطنية ونعرف ممن أتى الأمر للهجوم على الجيش وقائده».
ولم توفّر أوساط بري في انتقادها «محاولات النيل من بعض الدول التي لها مساهمات ومبادرات خيّرة لجمع اللبنانيين، فيما الدول التي تحضّ على الفتنة والتباعد والتفرقة تقام لها الموائد ويُكال لها المديح».