حال أمس اتفاق أمني ـــــ سياسي دون توسع المواجهات قرب مخيّم عين الحلوة بين الجيش ومسلحين من تنظيمات إسلامية. إلا أنّ التوتر بقي ملازماً الجبهة المفتوحة في محيط مخيم نهر البارد وداخله، وسط استمرار المراوحة في الوساطات السياسية، وارتفاع منسوب التوتر عند حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وقيادة الجيش. وكان البارز في هذا المجال إبلاغ قائد الجيش مجلس الوزراء أنه لا يلتزم بمهلة زمنية معينة لحسم الأمر في الشمال، وأن عملياته مستمرة، وسط جدل جرى التكتم عليه حول حجم الغطاء السياسي لعمليات الجيش، وخصوصاً أن مجلس الوزراء خرج ببيان لافت عند إشارته الى أنه يقف خلف قيادة الجيش، بدل أن يعلن أن الجيش ينفذ قراراً سياسياً اتخذه مجلس الوزراء.وعرض قائد الجيش بإسهاب الوقائع العسكرية والظروف التي أدت الى الوضع القائم. وشدد على أن الجيش مصمم على استعادة هيبته وكرامته ولن يتراجع قبل حسم الموقف، وأنه يفضل الحلول السياسية على العسكرية. وأكد سليمان أن العمليات العسكرية ستستمر كما نقدّرها نحن، الى ان تنتهي الى النتائج المرجوة.
كذلك قدم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي عرضاً مماثلاً شرح فيه المهمات التي قامت بها القوى الأمنية، وقال «أنا فخور بالمهمة التي قمنا بها لأنها كانت ضرورية وهامة» منوّهاً «بالتنسيق القائم بين الجيش وقوى الأمن الداخلي». وأضاف: «صحيح أننا بدأنا المعركة مع هؤلاء الإرهابيين لكن المهمة باتت في عهدة الجيش اللبناني ونحن على استعداد لأية مهمة تتطلبها الظروف، وأعتقد أن الجيش اقترب من مرحلة الحسم».
إلا أن النقاش الآخر انحصر في الغطاء السياسي الذي يحتاج إليه الجيش، إذ إن وزير الدفاع الياس المر بدا منفعلاً في بعض مراحل النقاش، وخصوصاً أن أوساطاً نافذة تتهمه بأنه هو من تعهد للرئيس فؤاد السنيورة وجهات أخرى بحسم الأمر خلال 48 ساعة، بينما يواجه الجيش صعوبات جمّة، وسط معلومات عن خسائر كبيرة في صفوف العسكريين.
وذكرت مصادر فلسطينية أن اتفاقاً تم أمس للمرة الأولى على تشكيل لجنة من قوى التحالف الفلسطينية وقوى منظمة التحرير تكون برئاسة ممثل المنظمة في بيروت عباس زكي وتضم ممثلين عن فتح والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وحماس والجهاد السلامي والجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة على أن تكون مهمتها بلورة موقف فلسطيني موحد من كل المسائل التي تعلق بوضع المخيمات في لبنان.
وقالت المصادر إن الاتصالات القائمة الآن تضغط باتجاه دور فلسطيني أكبر في معالجة الأزمة، وإن مصادر رسمية لبنانية أبلغت القيادات الفلسطينية بأن أمامها الساعات الـ48 المقبلة لإيجاد المخرج، وإلا فإن الجيش اللبناني سوف يقوم بعملية عسكرية واسعة، تسانده قوة من حركة فتح من داخل المخيم وخارجه للقضاء نهائياً على فتح الإسلام. وأبدت المصادر حذرها من هذه الخطوة، برغم التعزيزات الإضافية الكبيرة من جانب الجيش ونقل مقاتلين من فتح الى الشمال. وقالت إن الجميع يبدي خشية من احتمال عدم نجاح هذه العملية، وأثر ذلك على الوضع في جميع مخيمات لبنان.
الوساطات السياسية
في هذه الأثناء، تواصلت المساعي السياسية من قبل وسطاء من القوى الإسلامية الفلسطينية. وقام رجال دين بالتواصل مجدداً مع قياديين في فتح الإسلام على قاعدة مبادرة تقول بنقل من هم من غير اللبنانيين الى خارج لبنان وإخضاع المتورطين في العمليات العسكرية لمحاكمة بإشراف ومتابعة من لجان عربية. وكانت ردود المنظمة المسلحة سلبية حيال فكرة تسليم أي مسلح، مقابل تمسك الجيش باستسلام الجميع.
وأدى التصلب في بعض المواقف الى طلب تدخل الجماعة الاسلامية التي تربطها علاقات جيدة بالوسطاء من جهة وبالرئيس السنيورة من جهة ثانية، علماً بأن مرجعاً بارزاً في الجماعة قال لـ«الأخبار» إنه «لا مبادرة بل مساع حميدة نقوم بها بناءً على طلب رابطة علماء فلسطين التي زارت رئيس المكتب السياسي للجماعة علي الشيخ عمار». وأوضح أن المساعي «تتركز على الحصول على وعد قاطع من الحكومة بقيام محكمة عادلة للنظر في قضية فتح الإسلام في حال قبول عناصرها المطلوبين للعدالة بتسليم أنفسهم».
وذكر المرجع «أن وفد الجماعة بحث في الأمر امس مع السنيورة ووجد تجاوباً لديه مع ما جرى طرحه، وقد عبّر عن ذلك بوضوح رئيس الوفد حيث أعلن بعد اللقاء أن هناك ضمانة من رئيس الحكومة والحكومة بأن يعامل الموقوفون معاملة إنسانية لائقة وأن يكون هناك شهود من الدول العربية ومن المجتمع الدولي على هذه الإجراءات الإنسانية اللائقة».
وفيما أكد المصدر عدم وجود أي اتصال مباشر بين الجماعة و«فتح الإسلام»، لفت إلى ان هذه المهمة ستتم بالتعاون مع حركتي «الجهاد الإسلامي» و«حماس» ورابطة علماء فلسطين والقوى الإسلامية داخل المخيم التي ستطرح الأمر على جماعة «فتح الإسلام» وتتلقى ردها حوله.
الوضع الميداني
إلى ذلك شاب الهدوء الحذر يوم أمس مخيم نهر البارد، مقارنة بالاشتباكات العنيفة التي دارت في الأيام الثلاثة الماضية. وأشارت مصادر أمنية الى أن فترة الهدوء النسبي هذه، سمحت للجيش بتعزيز مواقعه وتحصيناته العسكرية، وخصوصاً عند المدخل الشرقي للمخيم من ناحية بلدة المحمرة، واستقدامه قوات ومعدات عسكرية إضافية الى المنطقة التي شهدت في بعض فترات بعد ظهر أمس معارك عنيفة، وإن بتقطع، وتحديداً في محيط مشاتل البقاعي. وأشارت معلومات الى قيام وحدات من فوج الهندسة، تؤازرها عناصر من فوج المغاوير، بعملية إزالة للفخاخ والعبوات التي كانت عناصر «فتح الإسلام» قد نصبتها مع بدء العمليات العسكرية في محيط المخيم.
عين الحلوة وتمكنت لجنة المتابعة المنبثقة عن قوى التحالف الفلسطينية من صياغة اتفاق نقلته على شكل مبادرة إلى قيادة الجيش في الجنوب والنائبين بهية الحريري وأسامة سعد، قبل الاعلان عن اتفاق بتكليف قوى أمنية من «عصبة الأنصار» وحركة «أنصار الله» و«الحركة الإسلامية المجاهدة» الانتشار لمنع أي اعتداء على الجيش، إضافة الى ضبط عناصر «جند الشام». كذلك عززت حركة «فتح» و«الكفاح المسلح» من انتشارهما في شوارع المخيم الرئيسية، فيما الجيش اللبناني على تدابيره الأمنية وتعزيزاته على طول المنطقة المحاذية للتعمير وعند مداخل المخيم.
واستعادت أمس ساحة مبنى بلدية صيدا جزءاً من صورتها خلال عدوان تموز إذ نزحت مئات الأسر من محلة التعمير ولا سيما منطقة خط السكة ومن داخل مخيّم عين الحلوة. وأعلن رئيس بلدية صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري أن البلدية استضافت أعداداً كبيرة من النازحين حيث بلغ عدد العائلات التي باتت ليلتها في حرم البلدية 220 عائلة بينما بات آخرون ليلتهم عند أقارب في المدينة.