strong>الوسطاء ينتظرون رداً على عرض المسلحين الانسحاب إلى العراق... وانفجار في عاليه يعقبه اعتداء على سوريين
تتسابق الاتصالات مع الاستعدادات السياسية والعسكرية قبل الوصول الى خلاصة واضحة في شأن مستقبل المواجهة في الشمال. وفيما بدا أن الحكومة وفريق 14 آذار يستعدان، بالتعاون مع قوى السلطة الفلسطينية الموالية للرئيس محمود عباس، وبتشجيع أميركي وفرنسي، لتوفير أساس سياسي محلي وعربي ودولي للقيام بعمل عسكري كبير من نوع اقتحام المخيم، إن على أيدي الجيش والقوى الأمنية، أو عبر تكليف قوات فلسطينية من حركة «فتح» القيام بهذه المواجهة، في مقابل جهود حثيثة تقوم بها قوى فلسطينية بهدف تأمين وقف للنار وسحب مسلحي «فتح الإسلام» وتسلم قيادة محلية الامور في المخيم، فيما يبقى الجيش عالقاً وسط هذه اللعبة التي تهدد بإراقة مزيد من الدماء.
وقد باشر الرئيس فؤاد السنيورة اتصالاته الخارجية وهو تلقّى وأجرى اتصالات هاتفية مع زعماء اليمن وقطر والكويت ونظرائه المغربي والتونسي والفلسطيني والايطالي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ووزيري خارجية إسبانيا وإيطاليا، وأعلن أن «الهدف في النهاية إنهاء ظاهرة فتح الإسلام».
وترافق ذلك مع تأكيد النائب سعد الحريري أنه ليس أمام عناصر «فتح الإسلام» سوى تسليم أنفسهم، وأن الجيش والقوى العسكرية «لن تسمح لهذه المجموعة من الارهابيين بأن تبقى، ويجب نبذها والتخلص منها». وجاء كلام الحريري اثر زيارته والنائب وليد جنبلاط على رأس وفد نيابي ووزاري كبير، وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد ميشال والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي.
أما المر فقال إن أمام عناصر «فتح الإسلام» خيارين: «إما الاستسلام وإما الحسم العسكري»، وإن «الجيش اللبناني لم يفاوض فتح الإسلام ولن يفاوضها»، ولم يستبعد قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع دخول الجيش المخيم بضوء أخضر من الحكومة وغطاء عربي ودولي. كذلك أعلن ممثل منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي تأييده «كل ما يتفق مع مصلحة لبنان العليا». وأكد أمين سر حركة «فتح» في لبنان سلطان أبو العينين أنه «لا هدنة في مخيم نهر البارد، وإنما هي فرصة للبنانيين والفلسطينيين من أجل إيجاد وسيلة لحل جذري لاجتثاث عصابة فتح الاسلام»، فيما حذّر ممثل حركة «حماس» في لبنان أسامة حمدان من «ان أي فصيل فلسطيني يسعى الى حسم الأمر بنفسه سيقود إلى مشكلة أكبر».
وكشف مصدر فلسطيني أن آخر عرض لحل سلمي نقله مرجع ديني شمالي من «فتح الإسلام» الى قائد الجيش يتضمن «استعداداً كاملاً لإخلاء مخيم نهر البارد والانسحاب بصورة كاملة الى الخارج، وإلقاء الأسلحة في مقابل عدم التعرض لهم وإفساح المجال أمام انتقالهم الى العراق».
وتردد أن عشرات من المقاتلين خرجوا من المخيم بين النازحين، وأن معظم من خرج هم من اللبنانيين، أما المقاتلون العرب فهم العقبة الأساس.
وقال مرجع أمني لـ«الأخبار» إن القرار النهائي «بإنهاء هذه المجموعات اتخذ على المستويين العسكري والسياسي وإن المعركة مستمرة حتى النهاية. وبات الجميع على يقين بحجم الأخطار التي تمثّلها هذه المجموعات، وبعد عملية الغدر التي نفّذت في حق الجيش على مداخل المخيم وفي مناطق أخرى، وهذه الجرائم لا أنصاف حلول بشأنها». وأشار المرجع الى «مخارج سريّة» يجري التفاهم عليها مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل أخرى، مشيراً الى أنه بعد عمليات الإخلاء للمدنيين من المخيم التي شملت أكثر من 17 ألف مقيم، ستعطى الفصائل مهلة ساعات للبحث في إمكان تنفيذ عملية فلسطينية ـــــ فلسطينية تنتهي بتسليم أمن المخيم إلى عناصر الكفاح المسلح، وذلك تحت تغطية عربية ودولية ومحلية واسعة لم تتوافر بعد لأية عملية مشابهة، وإلاّ فإن الجيش سيكمل مهمته بالقضاء على المجموعة مهما كان الثمن».
وكشف مصدر فلسطيني مطلع أن «قيادة فتح في لبنان تظهر حماسة كبيرة للقيام بعمل عسكري ضد فتح الإسلام وان اللواء أبو العينين الذي أشار الى الأمر وتراجع عنه تحت ضغط قوى اخرى، لم يوقف عملية تجهيز مئات المقاتلين، لهذه الغاية». وتحدث المصدر «عن مساعدة يتلقاها ابو العينين من قوى رسمية لبنانية».
عودة الى البداية
وكشف مرجع أمني رفيع لـ«الأخبار» أن القرار بمهاجمة مجموعة فتح ـــــ الإسلام في طرابلس ومخيم نهر البارد «لم يكن ابن ساعته وأن التحضيرات بدأت منذ قبل أكثر من شهرين، وأن النقاش كان يدور على أكثر من مستوى، وخصوصاً في ضوء المعلومات التي توافرت عن الحجم الذي بلغته المجموعة بسرعة مذهلة بفعل عمليات الانتساب التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة في بيئة دينية قابلة للتشدّد لأكثر من سبب».
وأضاف المرجع: «إن القرار شبه النهائي اتخذ قبل أربعة أسابيع، وكانت النقطة الصفر هي التي ستحدّد بدء العملية وخصوصاً للقضاء على شاغلي شقق سكنية في طرابلس بعدما تورطت هذه المجموعات في عمليات سطو منظمة شملت أحد المصارف في طرابلس ثم في الغازية وصيدا وعكار ومكتب لـ«وسترن يونيون»، وآخرها مصرف البحر المتوسط في أميون. وكشفت التحريات أن عمليات السلب هذه مترابطة إلى حد بعيد، وثبت أن السيارة التي يتجوّل فيها سكان المبنى في شارع المئتين في طرابلس هي التي استخدمت في كل عمليات السلب. وبعد عملية أميون تعقبنا السيارة التي لجأت إلى المبنى».
وقال المرجع: «عند الثالثة فجر الأحد الماضي بدأت العملية ونجحنا في إخلاء المبنى من المدنيين القاطنين فيه. وبعد أقل من نصف ساعة على بدء العملية بدأت مجموعات صغيرة منهم بالاعتداء على مواقع عسكرية، فهوجمت أولاً على طريق القلمون دورية لقوى الأمن الداخلي بالرصاص وأصيب أفرادها إصابات طفيفة، وبعدها بنصف ساعة هوجمت سيارة عسكرية للجيش على طريق القلمون وأخرى على طريق قلحات في الكورة. وجرى ذلك كله بالتزامن مع الهجوم على مركز الجيش على مدخل مخيم نهر البارد».
وعن قدرة هذه المجموعة على الهجوم المضاد في أكثر من نقطة في الوقت نفسه، قال المرجع الامني: «من الواضح، بحسب التحقيقات التي أجريت، أن هذه المجموعات كانت مستعدة لعملية أكبر من العملية التي قمنا بها، وأن قدراتهم ليست صغيرة بدليل استعدادهم لشن عمليات عنف سريعة وواسعة، وأن مشروعهم كان قد بدأ يتوسّع في صفوف أبناء المنطقة على خلفية حماية السنّة المظلومين على أيدي المذاهب الأخرى، وإن الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى هي على لائحة الأعداء. وهو منطق جمع العديد من مجرمي المنطقة ومن خارج لبنان فكان بينهم عرب من دول أخرى. وقد انتشلنا 12 جثة من مبنى المئتين وهم: 4 سعوديين، يمني، جزائري، سوريان وأربعة لبنانيين».
ميدانياً، شهد مخيّم نهر البارد هدوءاً لافتاً لم يعكّره سوى مناوشات خفيفة فشلت في كسر الهدنة التي أرسيت بين الطرفين منذ مساء أول من أمس، ما سمح لآلاف من أبناء المخيم من المدنيين بالخروج منه، الى مخيم البداوي. وكشف الهدوء عن حجم الدمار الذي أصاب المنازل والمحال التجارية والسيارات والمساجد فيه، إضافة إلى وجود عدد كبير من الجثث ما تزال مرمية في الشوارع.
انفجار عاليه على مسافة عشرات الأمتار من السرايا الحكومية المكتظة بالقوى الأمنية، ما أدّى إلى سقوط حوالى عشرة جرحى فضلا عن أضرار مادية طالت الأبنية السكنية والمحال التجارية. وفي معلومات أولية أن العبوة كانت داخل حقيبة عند مدخل درج أحد الأبنية قرب سنتر عفيف خداج في سوق عاليه. وفور وقوع الانفجار نزل الى المنطقة مئات من الشبان الغاضبين، رددوا هتافات مؤيّدة للنائب وليد جنبلاط وشتائم وزعت يميناً ويساراً، وتعرّض عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي بالضرب لعمال سوريين ولصحافيي محطات «الجديد » و «المنار » و «العالم »، فيما عمل النائب أكرم شهيب على التهدئة، طالباً إخلاء الساحة.