خلاصة المحادثات القانونية والسياسية التي شهدتها بيروت خلال اليومين الماضيين، قرار برسالة جديدة يوجّهها الرئيس فؤاد السنيورة الى الأمم المتحدة تطلب «مباشرة وبوضوح أن يعمد مجلس الأمن الى إقرار مشروع المحكمة الدولية وفق الآليات المناسبة بما فيها وفق الفصل السابع».وفي الوقت نفسه أقرت روسيا والمسؤول القانوني في الأمم المتحدة نيكولا ميشال بأن هناك فرصة إضافية لإقرار المشروع في لبنان وأن التعديلات التي يفترض تكريسها سوف تأخذ بجدية بما قدمه الرئيس إميل لحود والتي يحاول الطرف الدولي اعتبارها ملاحظات فريق المعارضة، علماً بأن حزب الله أبلغ ميشال رسمياً رفضه الحديث في الأمر خارج الأطر الدستورية اللبنانية.
وعلمت «الأخبار» أن نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف اعتبر أن ملاحظات لحود على نظام المحكمة هي جزء من ملاحظات المعارضة، لكنه أكد أن موسكو ستتعاطى على أنها ملاحظات رئيس الجمهورية لكونه صاحب الصلاحية الأولى في التفاوض لعقد المعاهدات الدولية حسبما ينص الدستور اللبناني.
ونقل عن سلطانوف قوله إن بلاده ستبني موقفها من المحكمة في ضوء نتائج محادثاته التي بدأها أمس في دمشق، وكذلك في ضوء المحادثات التي سيجريها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مع القيادة السورية في 24 و25 من الجاري. وأكد سلطانوف أن موسكو سيكون لها موقف من المحكمة الدولية على مرحلتين في مجلس الأمن، بحيث إنها ستنقل ملاحظات لحود و«النصائح السورية المرتقبة» وتدعو مجلس الأمن الى الأخذ بها وتعديل مشروع المحكمة في ضوئها،
وتوقع سلطانوف أن يصدر عن مجلس الأمن قبل منتصف أيار قرار في شأن المحكمة. وتحدث عن احتمال أن يكون القرار الاول ممهداً لقرار نهائي بحيث تتاح فرصة إعادته الى لبنان لإقراره في الأطر الدستورية بعد تلبية ملاحظات الرئيس لحود.

لقاءات ميشال ,/strong>

وفيما غادر سلطانوف الى دمشق ظهراً، كان ميشال يزور الرئيس لحود والعماد ميشال عون والوزراء الياس المر ومحمد فنيش وشارل رزق، وختم نهاره بعشاء عند النائب وليد جنبلاط في كليمنصو.
وعلمت «الأخبار» أن لحود قال لميشال خلال لقائهما الطويل «إن من يريد المحكمة هو الذي لا يعطل المحكمة وهو من له حق التوجس إذا كانت هناك ممارسات سياسية تحيط بهذه المحكمة، وإن من يريد محكمة عليه أن يأخذها في وضح النهار لا بالتهريب وفي الليالي الداكنة وأمكنة التآمر». وأضاف: «عندما تصبح المحكمة أداة في الصراع الداخلي تفقد دورها في كشف الحقيقة وإصدار الأحكام».
وسأل لحود ميشال: «قبل أن تطلب من الآخرين ملاحظاتهم على المحكمة، أريد أن أسألك كيف تعاملت مع ملاحظاتي؟»، وأضاف: «إن المحكمة التي تقدّمونها هي محكمة مسيسة يستعملها فريق ضد آخر في صراع سياسي بحت». ورأى أن على الأمم المتحدة أن تأخذ في الاعتبار وضع لبنان الحسّاس وأن تكون حريصة على أن تقر المحكمة بتوافق اللبنانيين وفي إطار المؤسسات الدستورية، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بوجود حكومة دستورية لأن الحكومة الحالية هي حكومة فاقدة للشرعية الدستورية بسبب خروج ممثلي طائفة كبرى منها.
أما ميشال فقدم عرضاً عن مهمته في لبنان، وتمنى مناقشة ما لدى الرئيس لحود من ملاحظات على المحكمة، وما أخذ منها وما لم يؤخذ، وأكد أن همّه الأساسي هو تأمين المخرج الذي يوفر ولادتها في أفضل الظروف، وإن تم ذلك عبر المؤسسات الدستورية في لبنان فهو أمر مرغوب فيه ومرحب به لدى الامم المتحدة، لأنه يوفر كثيراً من المتاعب.
وعلم أن ميشال سأل: «هل تفرض هذه الآلية قيامة حكومة جديدة؟» فأجابه لحود بالإيجاب. فرد ميشال بأن مثل هذا الشأن السياسي ليس من مسؤولياته وأن مهمته تمنعه من مناقشة قضايا سياسية لبنانية داخلية، لكنه سينقل وجهة النظر السياسية الى الأمم المتحدة.
وشدد ميشال على أن المحكمة قامت بناءً على طلب لبنان وأن الأمم المتحدة أخذت سابقاً بالملاحظات اللبنانية التي وصلت إليها، ومنها عدم اعتبار الجريمة «جريمة ضد الإنسانية»، وعدلت بنوداً أخرى تتصل «بفهمنا العميق للخصوصية اللبنانية».
إلا أن اللقاء بين ميشال والوزير المستقيل محمد فنيش شهد هو الآخر نقاشاً سياسياً وقانونياً في المحكمة والظروف الداخلية والخارجية المحيطة بها، وقال الموفد الدولي: «الاجتماع كان مفيداً جداً حيث تمكنّا من إجراء مناقشة شاملة لكثير من الأسئلة المطروحة مما أتاح لي فرصة فهم أفضل لموقف حزب الله».
وعلم أن ميشال حاول معرفة موقف الحزب من موضوعي «الرئيس والمرؤوس» و«الترابط بين الجرائم»، فأكد له فنيش «ملاحظاتنا هي أشمل من ذلك بكثير ونقاشها يتم في سياق الاتفاق على الآلية الدستورية». ورد ميشال بأن مهمة المحكمة محصورة بجريمة اغتيال الحريري وأن شمولها الجرائم الأربع عشرة الأخرى ليس ملزماً، وهذا الأمر يعود للقاضي إذا وجد أن ثمة ترابطاً ما بين جريمة 14 شباط وأيّ من الجرائم الاخرى. أما بالنسبة الى الرئيس والمرؤوس فهناك قواعد معمول بها دولياً وتحدد كيفية التعامل مع الرئيس إذا كانت له علاقة بالمرؤوس الذي ارتكب الجريمة أم لا.
وعندما طلب ميشال ملاحظات حزب الله على المحكمة رد فنيش: «إذا أعطيناك ملاحظاتنا فمن يقرر في شأنها؟ إذا كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن فلا تُتعب نفسك. هناك آليات دستورية داخلية يمكن أن تقر فيها المحكمة، دعونا نتفق على حكومة وعندها لن تكون هناك مشكلة في المحكمة». وإذ لمّح ميشال إلى أن عدم تقديم الملاحظات يمكن أن يدفع الى إقرار المحكمة في مجلس الأمن وأن الأفضل أن تقر بموجب اتفاق بين لبنان والأمم المتحدة، رد فنيش: «نحن لسنا مجموعة مستشارين قانونيين. ونسأل هل نحن شركاء في القرار أم لا؟ وقال: «الذي هرّب المحكمة في الحكومة كان في إمكانه أن ينتظر أسبوعاً أو أسبوعين لتقر بالإجماع، وها قد مضت عليه خمسة أشهر ولم تُنشأ المحكمة بعد».