رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس من حدة مواجهة الولايات المتحدة على خلفية نياتها الأخيرة نشر صواريخ مزعومة دفاعيّة في بولندا وتشيكيا «لاعتراض خطر الدول المارقة»، معلناً مقاطعة بلاده لحلف شمال الأطلسي، ومعيداً إحياء القومية الروسية. ولم يأخذ تهديد الرئيس الروسي بالانسحاب من «معاهدة القوّات التقليدية في أوروبا»، وقتاً طويلاً قبل أن يترجمه وزير خارجيّتة سيرغي لافروف، من خلال إبلاغ وزراء خارجيّة دول الحلف الـ26، خلال اجتماعهم في أوسلو أمس، أنّ بلاده قرّرت فعليّاً تعليق المعاهدة، حسبما أعلن الأمين العام للحلف ياب دي هوب شيفر.
وكان بوتين قد أكد، في خطابه السنوي عن حال الاتحاد أمام الجمعية الفيدرالية التي تضمّ مجلسي النوّاب (الدوما) والشيوخ (الفيدرالية) في موسكو أمس، أن «على روسيا تعليق تطبيق معاهدة القوّات التقليدية في أوروبا حتى تقوم الأطراف الأخرى في هذه المعاهدة بالمصادقة عليها».
ورأى بوتين أنّه يجب أن تأخذ موسكو بالاعتبار مسألة الانسحاب من هذه المعاهدة، التي تهدف إلى الحدّ من القوّات التقليدية في أوروبا، إذا لم تحرز المحادثات مع دول «الأطلسي» أي تقدّم ملموس في تطبيقها مستقبلاً، موضحاً أنّ روسيا لم توقعها وتصادق عليها فحسب، بل «وتقوم بتنفيذ جميع بنودها على أرض الواقع».
ويُذكر أنّ معاهدة القوّات التقليدية في أوروبا تلزم حلف شمال الأطلسي والاتحاد السوفياتي سابقاً، بنشر ما لا يزيد على 20 ألف دبابة و20 ألف قطعة مدفعية و30 ألف مدرّعة قتالية و6800 طائرة مقاتلة وألفي مروحية هجومية لكل منهما في المنطقة ما بين المحيط الأطلسي وجبال الأورال.
وأبدت واشنطن مخاوفها من الإجراء الروسي، وقالت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس، على هامش اجتماع أوسلو، إنّه على موسكو الالتزام بمضامين المعاهدة.
وكانت رايس قد تطرّقت في وقت سابق إلى الرفض الروسي لخطط نشر الدرع الصاروخية الأميركيّة في أوروبا الشرقيّة، واصفةً مخاوف موسكو منها بأنها «سخيفة تماماً» و«ليس لها أيّ معنى». وقالت، عقب محادثات مع وزير الخارجية النروجي يوناس جار شتور، إنّ واشنطن مستعدّة لإجراء حوار مع موسكو في هذا الشأن، لكن اشترطت أن تكون مبنية على «تقويم واقعيّ» للمخاطر.
وكان بوتين قد تطرق بشكل غير مباشر، في خطاب حال الاتحاد، إلى مسألة خلافته، ولمّح إلى إمكان بقائه في السلطة، قائلاً إنّ «الوقت لا يزال مبكراً لوضع وصيّتي السياسية»، ويجب أن أوضح في الوقت نفسه أنّ «الخطاب المقبل الى الأمّة سيلقيه رئيس جديد».
وأضاف بوتين أن «وحدة أمتنا الروحية وقيمها الأخلاقية التي توحدنا تمثل عاملاً مهماً في تطورنا وفي الحفاظ على استقرارنا السياسي والاقتصادي»، داعياً إلى بذل جهود أكبر للحفاظ على ثقافة روسيا ولغتها.
وبشأن مؤسّسات المجتمع المدني التي تغزو البلاد الأوروبيّة الشرقيّة ومدى ارتباطها بجداول أعمال سياسيّة غربيّة، أشار بوتين إلى «التزايد في تدفّق التمويلات من الخارج، التي يتمّ استخدامها للتدخّل في شؤوننا المحلية». وقال «دعونا نواجه الأمر، إن التطوّر المستمر والثابت للاقتصاد الروسي لا يروق للجميع».
وحذّر الرئيس الروسي من أن «البعض (من المتدخّلين) يستخدم العبارات الديموقراطية بهدف إرجاع روسيا إلى الماضي القريب الذي شهد نهب ثرواتها من دون عقاب، وسرقة الناس والدولة، وحرمان روسيا استقلاليتها الاقتصادية والسياسية». ووجّه إصبع الاتّهام نحو «مجموعات المصالح الخاصة التي تستخدم التقنية الدنيئة لتحريك النزاعات الإثنية والدينية الداخلية، وتستخدم بخبث عبارات الديموقراطية الزائفة لتقويض ثروتنا الوطنية أو حرمان البلاد الاستقلال الاقتصادي والسياسي».
(ا ب، ا ف ب، رويترز، يو بي آي، د ب ا)