الوردة: بيضاء كنصاعة كفّه. الريشة: حمراء بلون الخط الذي كان يلاعبه كلّ يوم، فوق الصفحة الأولى من جريدة “الأخبار”. والورقة المرفقة، مطويّة بعناية على مقتطفات بخطّ يده من الافتتاحيّة الأولى التي رسم فيها أسس مشروعنا الطموح، المبحر عكس تيّار الشرق الأوسط الجديد: سياسيّاً “رفض الهيمنة”، ومهنيّاً “الحرص على التعدّديّة والديموقراطيّة والموضوعيّة والحداثة والثقافة الإبداعيّة”. افتتاحيّة سرعان ما أدمنها عبر العالم آلاف القراء النهمين إلى موقف يجمع بين الجرأة والاتزان، وإلى كتابة سجاليّة مدعّمة بالحجج والقرائن، قادرة على التعبير عن أوجاعهم وغضبهم وتطلّعاتهم إلى غد عربيّ أفضل.بهذا السلاح الماضي الذي كان أمس في كلّ يد، ودّع لبنان أحد ألمع صحافيّيه، جوزف سماحة مؤسس “الأخبار” ورئيس تحريرها حتّى فجر الأحد 25 شباط (فبراير) 2007، يوم توقف قلبه المتعب عن الخفقان في لندن، وهو في عزّ الرقاد. من كل الاتجاهات السياسيّة جاؤوا. أمّوا مطرانيّة أبرشيّة بيروت للروم الملكيين الكاثوليك، للمشاركة في “اللقاء الأخير”.
وقلّد الوزير المستقيل يعقوب الصراف الراحل سماحة وسام الاستحقاق اللبناني الفضي باسم رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. ثم شيّع جثمان جوزف، وسط الدموع والتصفيق، إلى مثواه الأخير، في مدافن رأس النبع للروم الكاثوليك. وانغلقت رخامة القبر على التابوت، وقد نقشت عليها عبارة لابن عربي: “كلُّ شَوقٍ يَسْكنُ باللقاءِ لا يُعَوّل عليه”.