تطور استثنائي برز أمس في ملف المحكمة الدولية، يفتح الأبواب أمام تسوية تعززها أجواء التفاؤل السائدة في لبنان، تمثل في تبلغ جهات نافذة في فريق الاكثرية بأنه بات من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إقرار مشروعها في مجلس الامن الدولي من دون حصول توافق لبناني مسبق عليها، وترافق مع استمرار اللقاءات بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب سعد الحريري لمناقشة آلية لحل الأزمة، تعوقها الخلافات في وجهــات النظـر حول بعض الملفــــات واعتراضـــــــات داخــل فريــــق 14 آذار.وعلمت “الاخبار” أن محادثات بري والحريري راوحت مكانها في ما يتعلق بمبدأ “19 + 11”، وأن رئيس كتلة “المستقبل” أعطى إشارات متعددة الى أن قوى أساسية في فريق 14 آذار تعارضه وأنه يفضل توسيع دائرة التوافق لتشمل ملف رئاسة الجمهورية. أما رئيس المجلس فقد أكد له أن الثلث الضامن هو أساس أي بحث في ما خص ملف الحكومة وأن التعديلات الخاصة بالمحكمة يجب أن تتم ضمن لجنة مشتركة قبل عرضها على مجلس الوزراء، بعد إعادة تشكيله، وأنه لا مجال لأي تعديل في البيان الوزاري وخاصة الفقرة التي تؤكد على شرعية المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي.
وبحسب المصادر، فإن نسبة التفاؤل ظلت مرتفعة عند الرئيس بري، الذي تحدث هذه المرة عن ضمانات سعودية صريحة بشأن الاتفاق وحمايته من أي عرقلة لبنانية أو خارجية.
في هذا الوقت، كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يعطي الاتصالات دفعاً إيجابياً، من خلال دعوته الى مواصلة الحوار والتعامل معه بإيجابية، وتكراره أن المعارضة تريد المشاركة ولا تريد الحكم وحدها، وأنها تطالب بتسوية وتدفع باتجاهها، لكنها متمسكة باستمرار الاعتصام وبالتحرك في خطوات جديدة، إذا فشلت المساعي القائمة. وقال «إن المعارضة تنتظر، ونتمنى ألا تلجأ القوى الكبرى الى عرقلة الحل، ونتمنى على بعض القوى الداخلية المتهمة بالعرقلة ألا تعرقله».
لكن مناخاً من الإحباط ساد في فريق 14 آذار، حيث استمر صمت النائب وليد جنبلاط وأركان من الوزراء والنواب، بينما عقد قائد “القوات اللبنانية” سمير جعجع اجتماعاً عاجلاً لكوادره أبلغهم في خلاله بأنه “غير مرتاح الى طريقة التشاور القائمة مع النائب الحريري، رغم أنه في أجواء جانب من الاتصالات”. وأضاف أن “القوات” “لن تعارض من اليوم فصاعداً ما تراه بكركي مناسباً، وستترك السلطة وتتجه الى المعارضة إذا جاء أي اتفاق بخلاف مصلحتها”، مشيراً إلى أن “هذا الموقف لا يخصها وحدها”.
الفصل السابع
وقال مصدر دبلوماسي غربي، لـ“الأخبار” أمس، إن الموقف الأخير الذي صدر عن مجلس المطارنة الموارنة، والرافض إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن وفق الفصل السابع، لا ينمّ عن موقف فئوي، بل يأخذ في الاعتبار تلقيه معلومات من جهات غربية معنية بأن هناك صعوبات جدية في تنفيذ هذا الأمر من دون الحصول على توافق لبناني داخلي.
وأوضح المصدر نفسه أن فرنسا والولايات المتحدة وإيران وسوريا تبلغت من الجانب الروسي أن موسكو لن تؤيد أي قرار يخالف التوافق اللبناني ويؤدي إلى تفاقم المشكلة الداخلية اللبنانية ويكون مناسبة للتصعيد ضد سوريا.
وقد انعكس هذا الموقف، بحسب المصدر، على المحادثات الاخيرة التي أجراها الحريري في بلجيكا وفي فرنسا، وتردد أنه تبلغ هذا الأمر من الرئيس جاك شيراك نفسه، مشيراً إلى أن التطور المتعلق بالمحكمة الدولية أرخى بظله على الموقف الداخلي.
بري الحريري
وقد استقبل الرئيس بري مجدداً امس النائب الحريري. ومازح رئيس المجلس الصحافيين في بداية اللقاء قائلاً “بدنا نتعبكم، تعودوا كل يوم تجوا لهون”. فابتسم الحريري وقال للصحافيين “يوم بعد يوم”.
وكان زوار رئيس المجلس قالوا إنه متفائل ويرى أن هناك مناخاً عربياً وإقليمياً ملائماً لتحقيق تسوية، وان الحريري أبدى انفتاحاً وليونة وإيجابية عامة وجهوزية للحل، لكنه ابدى رغبة في إعداد مسوّدة مشروع حل بعد التشاور مع حلفائه، مشيراً الى أنه لم يتسنّ له أن يلتقي بهم جميعاً منذ عودته من الخارج. كما سمع الزوار أن السعودية ترغب بشدة في إنجاز الطرفين المتنازعين التسوية بينهما قبل حلول موعد القمة العربية في 28 الشهر الجاري في الرياض.
وكان قد صدر عن بري والحريري أمس بيان مشترك عن لقاء الخميس فيه: “إن اللقاء تميز بأجواء من الإيجابية والصراحة، أظهرت توافقاً على ضرورة معالجة الأزمة والوصول الى مخارج عملية تضمن إعادة الحياة الطبيعية الى الوطن وإطلاق عجلة الاقتصاد الوطني وإزالة الاحتقان السياسي. وقد ظهر وجود عدد من نقاط الالتقاء في وجهات النظر وأخرى تحتاج الى مزيد من التشاور والنقاش الإيجابي بين الطرفين”.
السنيورة والقمة العربية
ونقل زوار الرئيس فؤاد السنيورة أيضاً عنه تفاؤله وأنه يرى أن “الجهود التي تبذل، وخصوصاً من الإخوة العرب، ستتكلل بالنجاح، لكن هناك حاجة لفترة من الزمن كي يستطيعوا حل بعض المشاكل المعقدة”.
لكن إيجابية السنيورة بدّدتها دعوته إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم، قبل أن يتراجع عنها مساءً ويؤجلها الى الثلاثاء المقبل، وهي جلسة مخصصة للبحث في تشكيل وفد لبنان الى القمة العربية.
وقد اعتبرت مصادر قيادية في المعارضة دعوة السنيورة هذه بـ“مثابة تشويش ومشاغبة وإطلاق نار على الإيجابيات التي أشاعها اللقاء بين بري والحريري”.
وقد أجرى الرئيس إميل لحود سلسلة من الاتصالات لتعطيل الجلسة وإلغائها، باعتبارها خطوة سلبية للغاية، وعلى قاعدة أنه لا يحق للسنيورة التدخل في هذا الأمر لأن الدعوة وجهت الى رئيس الجمهورية شخصياً وبإمكانه المشاركة وحده فيها إذا شاء ذلك. وترجم لحود موقفه برسالة رفعتها الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة رأى فيها هذه الجلسة غير دستورية وأن جميع القرارات والنتائج المترتبة عنها باطلة لصدورها عن هيئة فقدت مقوّمات السلطة منذ 11/11/2006.
كما عبّر بري عن استيائه البالغ من الخطوة ورأى أن تصرف السنيورة من شأنه وضع حد سريع لنتائج لقاء عين التينة، وأبلغ موقفه الى أكثر من طرف داعياً الى إلغاء الجلسة اليوم قبل غد وإلا فإن «الوضع سيسوء ولا مصلحة لأحد في هذه الخطوة السلبية في شكلها ومضمونها وتوقيتها».
المساعدة الأميركية للجيش
إلى ذلك، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الياس المر، بعد محادثات أجراها مع نظيره الاميركي روبرت غيتس في واشنطن أمس، أن «الادارة الاميركية وافقت على تقديم المساعدات المطلوبة للجيش اللبناني على مراحل، وأن المرحلة الاولى فورية وسريعة وتبلغ قيمتها 320 مليون دولار لعام 2007، على أن تليها مساعدات اخرى لاحقاً». وكشف عن أن «الحكومة الاميركية تزود الجيش اللبناني بآليات عسكرية حديثة وتجهيزات ومعدات متطورة بناءً على لوائح قدمتها قيادة الجيش وأركانه».