نتيجة الحرب كانت انهياراً نفسياً كبيراً جداً...الشعور كان أن إسرائيل لم تعد كما كانت على الدوام: ليست متألقة ولا مفاجِئة ولا إبداعية... نُعد اليوم أكثر ضعفاً مما كنا عليه... فقدنا من قوتنا الردعية في نظر العرب... العالم وقف إلى جانبنا لأننا ضعفاء لا لأننا محقون». عبارات مقتطفة من شهادة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، شمعون بيريز، أمام لجنة فينوغراد التي تحقق في عدوان تموز، تختصر بكلمات قليلة رؤية الدولة العبرية لنتائج ما سمّته «حرب لبنان الثانية».فبعد أربعة أشهر ونصف على انعقاد جلستها الأولى، بدأت لجنة فينوغراد أمس بنشر محاضر الشهادات التي أدلى بها أمامها نحو سبعين مسؤولاً إسرائيلياً، عسكرياً وسياسياً، عن الحرب وملابسات الفترة التي سبقتها وتخللتها. وفيما شكلت شهادة كل من بيريز ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، عاموس مالكا، ورئيس هيئة اقتصاد الطوارئ، العميد أرنون بن عامي، باكورة المحاضر التي بدأ أمس نشرها، أعلنت اللجنة أن شهادة كل من رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عامير بيرتس، ورئيس الأركان المستقيل دان حالوتس، ستنشر قبل عيد الفصح اليهودي، أي قبل مطلع الشهر المقبل.
وفي انتظار نشر اللجنة تقريرها الأولي أواخر النصف الثاني من نيسان المقبل، فإن الفترة الفاصلة عن هذا الموعد يُتوقع أن تكون حافلة بمنسوب مرتفع من التوتر والزخم السياسي والإعلامي مع توالي نشر الشهادات التي ستشغل الرأي العام في إسرائيل، وقد تمهد برأي مراقبين لصدمة الاستنتاجات الشخصية التي يتضمّنها التقرير المزمع بحق أولمرت وبيرتس، كما كانت اللجنة قد أعلنت.
وقال بيريز، في شهادته التي نشرت أمس، وتقع في 16 صفحة حذفت منها الرقابة العسكرية مقاطع ذات حساسية أمنية، إنه لو كان الأمر متعلقاً به لما كان دخل هذه الحرب. وأوضح، منتقداً التوجيه السياسي للحرب، «لو كان الأمر يتعلق بي أيضاً لما كنت وضعت قائمة أهداف للحرب، فنحن ليس لدينا أي أهداف، لأننا لم نبادر إليها. لقد هوجمنا وينبغي أن نصد الهجوم. هذا كل شيء. إذا قلت إن الهدف الرئيسي هو تحرير المخطوفين، فإنك ترهن نفسك لإحسان العدو، لماذا تقول ذلك».
وأعرب بيريز عن اعتقاده بأن جيش الاحتلال لم يكن جاهزاً لهذه الحرب، موضحاً أن «الجيش الإسرائيلي، وكل جيش، مبني على قتال جيش آخر. الحرب على الإرهاب تشبه كثيراً الحرب على الإجرام. تقتل مجرماً ثم آخر، لكن من الصعب قتل الإجرام. ففي اليوم التالي يظهر انتحاري ويكون الأمر أكثر صعوبة عندما يتعلق بعدد من الانتحاريين، لأنه في اللحظة التي يستعد فيها الإنسان للتضحية بنفسه، يصعب جداً وقفه».
وعن نتائج الحرب، قال بيريز «لا أعتقد أنه كان هناك سقوط في الحرب، لكني أعتقد أنه كان هناك سقوط نفسي كبير جداً، والسبب هو أن حزب الله تألق بخطيب لا يفتقر إلى الكفاءة، (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، وعندنا هاجم الواحد فينا الآخر من دون توقف». وأضاف «ما حدث لديهم أنه كان عندهم متحدث واحد هو نصر الله، وهو يعرف المهنة. وما حدث لدينا أنه كان عندنا الكثير من المتحدثين، خليط كبير في التلفزيون، هناك ضباط ممتازون، لكنهم ليسوا خطباء كباراً. لا يعرفون كيف يشرحون الموضوع بالضبط.... لأنك تحتاج للتطرق الى الفلسفة. عندما تكون البلاد ممتلئة بأناس لم يخبروا الحروب، حينئذ الجميع يتحدث».
وتابع «كان هناك شعور بأن إسرائيل ليست كما كانت دوماً: لا متألقة ولا مفاجئة ولا إبداعية. لا يمكن القول إن هذه الحرب فشلت، لكن لا يمكن القول إنها نجحت. في كل الأحوال، المعركة مستمرة الآن، ويبدو أن حزب الله تحوّل نحو الشؤون الداخلية، وهو يريد لبنان إيرانياً».
وأضاف بيريز «نحن نعلم أن لبنان أرض غير خاضعة للسيطرة، ومزروعة بالألغام والمنظمات، والقتل فيها شيء يومي».
وتطرق بيريز، في شهادته، إلى تجند العالم لمصلحة إسرائيل خلال الحرب، فاعتبر أنه «وقف إلى جانبنا، لكن بشكل غير لطيف، لأننا ضعفاء لا لأننا محقون». ورأى في النهاية أن إسرائيل خسرت من قوتها الردعية الدولية جراء الحرب، و«نحن نُعد اليوم أكثر ضعفاً مما كنا عليه، وقد فقدنا من قوتنا الردعية في نظر العرب، ويظهر ذلك بمؤشرات نزع الشرعية عن وجود اسرائيل. قبل هذه الحرب، كان العالم العربي تقريباً يسلّم بإسرائيل، عدا (الرئيس الإيراني محمود) أحمدي نجاد، ولكن بعدها بدأ التقويض».
وبرغم أن بيريز قال أمام اللجنة إنه لا ينوي انتقاد رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقادة الجيش، إلا أن شهادته انطوت على نقد واضح لآلية صناعة القرار التي انتهجت بين قادة الجيش من جهة وأولمرت وبيرتس من جهة أخرى، وكذلك لكيفية اتخاذ القرارات من قبل الأخيرَين.
وقال إن «احدى المشاكل كانت أن الجيش لم يقدم اقتراحات مباشرة للمجلس الوزاري المصغر، وإنما قدمها لوزير الدفاع ولرئيس الحكومة، اللذين كان من الصعب جداً تغيير رأيهما بعد أن يتفقا على اقتراح الجيش».