تتجه الأنظار اليوم الى القمة العربية في الرياض لمعرفة ما سيكون عليه الموقف اللبناني نتيجة حضور وفدين لبنانيين فيها، الأول رسمي برئاسة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود والثاني برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، الذي دُعي الى حضور القمة بصفة “ضيف”، وسط مخاوف عبّرت عنها الاوساط السياسية من أن يتكرر المشهد اللبناني الذي كانت قمة الخرطوم قد شهدته في العام الماضي نتيجة الخلاف بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء حول مضمون مشروع قرار التضامن مع لبنان.وفيما سيجلس لحود في مقعد لبنان الى جانب بقية الملوك والرؤساء والامراء العرب في القمة، أوردت “الوكالة الوطنية للإعلام” أن السنيورة سيجلس في الجلسة الافتتاحية للقمة “في المكان المخصص لكبار الشخصيات، أما في الجلسة المغلقة فسيجلس إلى جانب الملك عبد الله وأمامه يجلس الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى”.
وكان لافتاً أن الملك عبدالله لم يكن في استقبال الرئيس لحود لدى وصوله الى الرياض كبقية الرؤساء، إذ استقبله نائب أمير الرياض، الامير سطام بن عبد العزيز، في الصالة الملكية المخصصة لرؤساء الوفود المشاركة في القمة، وهو نفسه الذي استقبل السنيورة. ونقلت “فرانس برس” عن مصدر حكومي لبناني قوله إن السنيورة “لم يفاجأ بأنه لم يُستقبل كرئيس وفد، فهو في الواقع ليس رئيس الوفد اللبناني، ولو استقبله السعوديون بهذه الصفة لكان هناك تكريس لدولتين في لبنان... في الواقع لا يمكننا أن نطلب المستحيل”.
لقاءات واتصالات لتلافي المواجهة
وأُجريت اتصالات مع الرئيس لحود بُعيد وصوله الى الرياض لتفادي حصول مواجهة لبنانية ـــــ لبنانية اليوم. وقالت مصادر قريبة من لحود إنه آت الى القمة لإنجاحها لا لخوض مواجهات مع احد، وإن الآخرين هم الذين حاولوا تفخيخ القمة بما طرحوه.
والتقى لحود لهذه الغاية معاوني الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى وجرى البحث في التعديلات على الورقة التي قدمها الوزير طارق متري. وتم الاتفاق على تصور أولي لبعض النقاط ومنها موضوع المحكمة الدولية والاتصالات التي تجريها الجامعة العربية لحل الأزمة اللبنانية. وسيعقد لحود اليوم اجتماعاً آخر للغاية نفسها مع موسى ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.
وعلمت “الأخبار” أنه لا تزال هناك خلافات حول استبدال كلمة حكومة بكلمة دولة في مشروع قرار التضامن مع لبنان. وذكرت مصادر لحود أن اجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد ساده تفاهم تام على وجوب إنجاح القمة والحفاظ على الثوابت الأساسية في ما خص التضامن العربي والموقف من الحقوق العربية. وأكدت أن المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 لن تتعرض لتعديلات.
وقبيل منتصف الليل، التقى الملك عبد الله السنيورة في حضور الوزيرين طارق متري وسامي حداد المرافقين له، وتركز البحث على مشروع القرار اللبناني وسبل إنهاء الخلاف الدائر حوله، وذلك في إطار الاتصالات الهادفة الى تفادي المواجهة بين الوفدين اللبنانيين. وقبيل اللقاء، قال متري إن مشروع القرار حول لبنان سيتضمن إشادة بما قام به موسى والتأكيد على دور رئاسة القمة والامانة العامة لجامعة الدول العربية “لمتابعة المساعي الطيبة من أجل إخراج لبنان من الأزمة الراهنة”.
أما وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط فقال من جهته إن هناك خلافات بين لحود والسنيورة حول مشروع القرار الخاص بلبنان الذي ستتبناه القمة العربية، ونفى إمكان حل الخلافات بين الفرقاء اللبنانيين قريباً. واضاف “إن بعض النقاط في مشروع القرار الذي ستتبناه القمة في شأن لبنان، تحتاج الى الاتفاق اللبناني الداخلي”. وأكد “وجود بعض الشد والجذب” بين لحود والسنيورة حول هذا المشروع. وتابع “لا أستطيع القول إن هناك ملامح انفراجية عاجلة”.
وفي هذا السياق، قال النائب وليد جنبلاط، بعد استقباله السفير المصري حسين ضرار، إن قوى 14 آذار هي “الشرعية الحقيقية في ما يتعلق بموضوع التمثيل في القمة العربية”. وأضاف إن الرئيس لحود “حاول أن يشطب كلمة حكومة من المذكرة، فاستطعنا أن نثبتها وأن نؤكد شرعية هذه الحكومة”. ورأى أنه “إذا ما تراجعنا اليوم في هذه المعركة المفصلية المبدئية، وبعد أن خطف مجلس النواب، فهذا يعني أننا أمام مأزق كبير لاحقاً في الانتخابات الرئاسية، فمعركة رئاسة الجمهورية ابتدأت، وإذا ما بقي المجلس مخطوفاً من رئيس المجلس ومعطلاً فهذا يعني أننا دخلنا في ازمة كبيرة”.

“الاعتصام التذكيري”
وكان جنبلاط قد شارك امس في “الاعتصام التذكيري” الذي نفذه نواب 14 آذار في مقر المجلس النيابي مطالبين بعقد جلسة نيابية. وأطلقوا، خلال هذا الاعتصام، مواقف سلبية من المعارضة والرئيس بري، رد عليها نواب من كتلتي “الوفاء للمقاومة” و“التنمية والتحرير” كانوا موجودين في المجلس. وكان لافتاً موقف نائب رئيس المجلس فريد مكاري الذي أقر بعدم أحقيته القانونية والدستورية لترؤس مثل هذه الجلسة.
وقال النائب مكاري إن “الدستور واضح في هذا الشأن وينص على أن الرئيس يدعو إلى جلسة ويدعو نائب رئيس المجلس في حال غيابه أو في حال تعذر عليه ذلك. والواقع أن رئيس المجلس الآن غير غائب أما موضوع تعذره، فإن شاء الله يبقى في صحته وعافيته”.
أما النائب جنبلاط فقال من جهته “كل ما نتمناه من المملكة العربية السعودية أن تنجح في جهودها وأن تنجح القمة العربية من أجل أن تكون هناك دولة في لبنان. ولاحقاً تكون الدولة مسؤولة عن حصرية السلاح. فهم يتحدثون مجدداً، في إطار الحروب الاستباقية، أنه إذا ما تعرضت إيران للضغط فستكون هناك حرب شوارع أو بعض التوترات في لبنان. فما دخلنا نحن ولماذا تصفية الحسابات على أرض لبنان، هل لأن لبنان هو للبعض مساحة جغرافية عسكرية وليس دولة. هذه هي رسالتي اليوم في ما يتعلق بهذا الاجتماع”.
ورد حزب الله على كلام جنبلاط بالقول إن الأخير، بعد عودته من واشنطن، “لم ينتظر كثيراً لينضم مجدداً الى الحملة الاميركية المعادية لحزب الله مستعجلاً تسديد فواتير سياسية في إطار التزاماته لحكام البيت الابيض الأكثر عداءً لقضايا العرب والمسلمين، وهو يذكرنا اليوم بدوره في التحريض على المقاومة قبل عدوان تموز وخلاله وبعده، سراً وعلانية، وكان آخرها استجداءه التدخل العسكري الأميركي ضد أبناء بلده”. واتهم الحزب فريق السلطة باستهداف مجلس النواب “تمهيداً لوضع اليد عليه موغلاً في انتهاك الدستور وميثاق الطائف واستباحة كل ما بقي خارج سيطرة الوصاية الأجنبية التى ترعاه”. وأكد “أن المراهنات الجديدة لهذا الفريق على تطورات قد تحصل في المنطقة، لن تكون إلا على شاكلة مراهناتهم الخائبة السابقة”.
إلى ذلك، وفي أول موقف علني له منذ توقف اللقاءات الحوارية بينه وبين الرئيس نبيه بري، قال النائب سعد الحريري أمام زواره أمس إنه سيكمل الحوار “لأنه لا بديل لنا منه في لبنان”. وأضاف “لنكن واقعيين، أمامنا مشكلتان، المحكمة والحكومة، ونحن نشدد على أننا لن نساوم لا على المحكمة ولا على الحكومة؛ فالمحكمة آتية في نهاية المطاف، ليس بهدف الانتقام والثأر، وإنما لحماية لبنان واللبنانيين من جرائم الاغتيال والقتل السياسي”.