كاد التصعيد الذي أقدم عليه فريق السلطة على جبهتي المحكمة والحكومة أن يحجب الأنظار أمس عن محادثات الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي غاصت هي الاخرى في هذين الملفين، الى جانب الوضع في الجنوب ودور القوات الدولية والقرار 1701 والخرق الاسرائيلي المتمادي للسيادة اللبنانية.هذا التصعيد السلطوي طرح في الأوساط السياسية احتمالين: إما أنه يؤسس لجولة مواجهة سياسية جديدة بين السلطة والمعارضة، وإما أنه يهدف الى رفع سقف شروطها في تسوية ترى الاكثرية أنها باتت قريبة، وخصوصاً أن المواقف التي أعلنها النائب سعد الحريري أمس حفلت بالتناقضات، ففي وقت تحدث فيه عن “حل سياسي قريب”، هدد باستخدام سلاح الاكثرية لعقد جلسة لمجلس النواب بغية إقرار المحكمة الدولية ومشاريع أُخرى، فيما توافرت معلومات مفادها أن الحريري طلب من نائب رئيس المجلس فريد مكاري أن يدعو هيئة مكتب المجلس الى الاجتماع لتحديد جدول أعمال لجلسات نيابية، داعياً الجميع، بدءاً بنفسه، للنزول الى المجلس الثلاثاء المقبل لعقد جلسة لإقرار المحكمة.
ورأى الحريري أثناء استضافته «الندوة الاقتصادية» الى غداء في قريطم، أن صيغة 19-11 «انتحار سياسي وتكملة لمشروع قتل رفيق الحريري». ولفت الى «أن الأكثرية ستمارس حقها من خلال الدستور كغالبية إذا استمرت الأمور على ما هي عليه (...) لأن الدستور الى جانبنا وعلى الطرف الآخر ألا يظن أننا لا نستطيع أن نعقد جلسة لمجلس الوزراء أو لمجلس النواب». وأضاف: «يجب علينا بعد اليوم ألا نمارس السياسة من باب تدوير الزوايا، وقد اتخذنا قراراً بهذا الشأن في قوى الرابع عشر من آذار».
وكان التصعيد الأكثري قد بدأ بإقدام الرئيس السنيورة، قبيل محادثاته مع بان كي مون، على إيفاد الوزير خالد قباني الى مجلس النواب حاملاً مشروع المحكمة، وأفاد مكتبه الإعلامي ان قباني لم يجد أحداً من الموظفين في المجلس لتسليمه المشروع، وأن الدوائر المختصة في رئاسة الحكومة أرسلته مجدداً الى المجلس «وفقاً لما هو معتمد في إيداع البريد العادي، إلا أن المراسل لم يتمكن من دخول مبنى المجلس لتسليم البريد». ورد المكتب الإعلامي للرئيس بري مستغرباً «صيام رئاسة الحكومة شهوراً لكي تختار يوم الجمعة، وعلى الأرجح بعد الساعة الحادية عشرة، لتزعم أنها أرسلت، ومع وزير، مشروع قانون المحكمة الدولية الى مجلس النواب، وإذا كان إرساله مقصوداً يوم زيارة الامين العام للأمم المتحدة للبنان، فمن غير المفهوم أو المعقول تحويل وزير نقدر ونحترم كالوزير خالد قباني الى ساعي بريد»، وأضاف: «نسيت رئاسة الحكومة أو تناست أن المجلس لا يستقبل أي مشروع قانون الا اذا كان مرسلاً من رئيس الجمهورية» وانتهى الى أن «الخطة مكشوفة وهي القفز لاستعمال الأمم المتحدة وليس اللجوء إليها».
ووجد مرجع سياسي في تصعيد الاكثرية «بدايات لحرب اهلية لا أحد يعرف الى اين ستصل بالبلاد»، وقال إن هذا التصعيد هو «طعنة للمملكة العربية السعودية وللآمال التي يعلقها عليها اللبنانيون والعرب بعد نجاح القمة العربية».
ولم يستبعد المرجع ان تعاود لقاءات الحوار بين بري والحريري مطلع الاسبوع المقبل، مشيراً الى ان السفير السعودي عبد العزيز خوجة سيعود خلال يومين الى بيروت ليطلع بري على حصيلة المحادثات التي جرت في شأن الازمة اللبنانية في كواليس القمة. وسيتصل خوجة بأفرقاء آخرين ناقلاً رغبة السعودية في استئناف حوار عين التينة من النقطة التي كان قد انتهى إليها، وهي عقدة حكومة الـ19+11 بعدما تم التفاهم على كل الإجراءات والآليات المتعلقة بالمحكمة الدولية والضمانات المطلوبة من أجل التعديل او التغيير الحكومي. وأكد المرجع أن الرياض كانت ولا تزال تعتبر الحوار بين بري والحريري الاطار المناسب للتفاهم بين اللبنانيين.
وأشار الى ان المعلومات التي تلقتها مراجع مسؤولة بعد انتهاء القمة، تفيد أن السعودية ستضع لبنان في رأس أولوياتها بصفتها رئيسة الدورة الحالية للقمة العربية، وستدعم بقوة تحرك الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي عُلم أنه لن يأتي الى بيروت إلا بعد أن تنضج التسوية ليلبسها «الطربوش العربي».
بان كي مون
وكان الامين العام للأمم المتحدة شدد خلال نهاره اللبناني الطويل (التفاصيل ص4) على الحوار “طريقاً أوحد لحل الازمة” بين اللبنانيين، وعلى أهمية إنجاز قانون المحكمة ذات الطابع الدولي وفق الإجراءات الدستورية، معتبراً أن من السابق لأوانه البحث في إقرارها تحت الفصل السابع. وشدد على اهمية تطبيق قرار مجلس الأمن 1701. وشملت لقاءاته الرؤساء بري والسنيورة وأمين الجميل والعماد ميشال عون والنائبين الحريري ووليد جنبلاط وآخرين من قادة الاكثرية. وختم لقاءاته بلقاء وفد من “حزب الله” برئاسة الوزير المستقيل محمد فنيش. كما حضر اجتماعاً لمجلس الأمن المركزي وآخر حول المحكمة الدولية في السرايا الحكومية.
وفي اجتماع مجلس الأمن المركزي تعهد السنيورة بإطلاع مجلس الأمن على أي جديد في ما يخص إدخال السلاح الى لبنان، فيما أكد وزير الدفاع الياس المر أن الحديث عن إدخال السلاح الى لبنان لم تؤكده أي تقارير أمنية لبنانية.
وحضر لقاء بان مع «حزب الله» الوزير فنيش ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي ومسؤول التنسيق والارتباط وفيق صفا. وقال مصدر انه كان واضحاً لبان ان هذا اللقاء لم يكن مع وزير مستقيل بل مع وفد رسمي يمثل الحزب، ووصف الاجواء بـ“الايجابية”، مشيراً الى ان المحادثات تناولت أربعة عناوين هي الجنوب والمحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية وملف الاسرى. وأكد الحزب موقفه الايجابي من مهمة قوات اليونيفيل في الجنوب، لافتاً الأمين العام الى ان المشكلة هي مع إسرائيل التي تواصل انتهاكاتها براً وبحراً وجواً للسيادة اللبنانية. وطلب الحزب دعم الأمم المتحدة للدولة اللبنانية لا لحكومة فقدت شرعيتها ودستوريتها بعد استقالة 6 من وزرائها. وسأل الوفد الامين العام كيف يمكن ان تمرر حكومة كهذه مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي من دون اعتبار لهواجس شريحة واسعة من اللبنانيين تحرص على ان تكون المحكمة وسيلة لتحقيق العدالة لا ان تستغل للانتقام السياسي، مشيراً الى توقيف الضباط الاربعة من دون اي اتهام.