زياد الرحباني
في الأقليات (3):

لقد تَمَّ، في المقال السابق بعنوان الأقليات (2)، التركيز على الكاثوليك من بين الأقليات الأخرى في لبنان، لكونها الأقلية الأكبر، خاصة إذا أضفنا "اللاتين" عليها. وقد أشرنا إلى ذلك في حينه، فليس فيه أبداً إمعانٌ في الإجحاف أو التجاهل الإضافي بحق هذه الأقليات. بالعكس، فإن مستوى التأزم الشديد الذي وصلت إليه البلاد، وتوقفت شبه كلياً عنده، لا ناقة للأقليات فيه ولا جَمَل، فقد اصطادتها الطوائف العظمى الجارفة في أول رحلة صيدٍ مشتركة لها، وجعلت الأقليات دوماً، أول المعانين وآخر الشافين. في إمكان البروتستانت مثلاً أو الانجيليين ألاّ يُعَوِّلوا كثيراً على مناصب حالية ولا مستقبلية، وأن يتفاخروا في المقابل بأنِّهم يديرون العالم بأسره في هذا العقد من الزمن ضمن حالةٍ مستعصيةٍ من الدفاع عن النفس الأنجلوساكسونية. وهم أبرياء من دماء كل هذه "العربان" وبني عبس وأهل الجزيرة والصِدِّيقين. لا بل أن القوى الأمنية في لبنان وعلى مر سِني الحرب والسلم الأعور كانت دوماً ترعى أمنهم رعايةً خاصةً. إنَّ مؤسساتهم متعددة العناوين ومراكزهم "الروحانية-التنظيمية" لا بل التبشيرية، كانت على الدوام مُطَوَقةً من قبل القوات السورية قبل غيرها لتعيش بأمان وهدوء. فلا يَتَصَرَفَنَّ إمرؤٌ، صَدق أنهم "قوى الشر المطلق" على هذا الأساس. إنَّ معظمهم يعيش في "ولاية متحدة"، جغرافياً في رأس بيروت، إدارياً في شمال الأطلسي. هم هادئون وديمقراطيون مع أن معظمهم جمهوري، وقد صَوَّتوا لبوش من هنا! أمّا السريان فمُهمَلون، لا بل مجهولون وقد دَرَجوا على الإندماج بأحياء وأوكار الموارنة كونهم نافذين ولو محبطين. فلبنان لهم ونصف قداسهم اليومي بالسريانية. إن لغة السر المقدس بين المؤمنين وربهم، سريانية. حتى أطفال الموارنة لا يفهمونها قبل أن يبلغوا فينضجوا لاستقبال الرب الواحد.
إنَّ من يشعر بالغربة الفعلية، هم الكلدان والأشوريون، فغالبية اللبنانيين لا يعلمون أنهم معهم في الوطن، إنهم غرباء متروكون مجهولو التقاليد، واللبناني الفَطِن عدو ما يجهله طبعاً. وقد تعاطى الكلدان والأشوريون مع مؤتمر الطائف على أنه مهرجان صيفي لبناني احتفالاً بانتهاء التقاتل المسيحي-المسيحي، لا "تومبولا" ولا جوائز للأقليات. سَيُخَيَّرُ هؤلاء بين أن يكونوا "روّاد الرافدين" في الشرق الأوسط الجديد، او أن يُعيدوا الإنتماء إلى حزب البعث العربي الاشتراكي المحظور والمغامرة بالانتهاء أمّا في "أبو غريب" وأمَّا في "غوانتانامو"، لعنة الله على حظهم.
أمّا الأقباط، فَمَهما ساعدوا على ترحيل العمال المصريين والمنتهية إقاماتهم أو المقيمين لا شرعياً في لبنان ومهما ابتلوا بمعاصٍ واستتروا فمصر أُمُهم وأم الدنيا "وكدا كُلِّ الفلِّ وعالِ العال". العلويون بدورهم الذي سيفقدونه تماماً، سيعودون إلى بلاد الشام بحثاً عن الأمان وعن مكانهم الطبيعي، فالجو القادم مع الجمهورية B- صفر لن يكون طبيعياً أبداً. فَسيُجاهرُ بالانتماء الديني ويُسأل عنه على الحواجز العسكرية وبالتالي فإن كل بطاقات الهوية المُمَغنطة المُمَوهة للأشخاص سوف تُلغى وتُعاد. سَيُنكل بكل وافد على منطقة ما مهما تأصَّلَ فيها وتَجَذَّر. سيكون العداء لأديان الأخرين من البديهيات، من حقوقهم المدنية!! وستتجلى حينها حرية المعتقد والتعبير بأبهى ما فيها. وكُلُّ على دينه الله سيعينه.

غدا: ملاحظات