وأخيراً، صدر تقرير «مجموعة الدراسات حول العراق»، ليلقي على الادراة الأميركية توصيات، بلغ عددها 79، تشخِّص المشلكة وتقدم حلولاً تقريبية لخروج واشنطن من المأزق العراقي، وتصوّب في مجملها نحو الصراع العربي ــ الإسرائيلي، الذي يرى معدو التقرير أن حله بات واجباً من خلال مفاوضات تضم جميع الأطراف المتنازعة، وعلى ضرورة إجراء حوار مع سوريا وإيران. (التفاصيل) «تقويم قاس». بهذه العبارة وصف الرئيس الأميركي جورج بوش التقرير، الذي تسلمه أمس، معتبراً أنه «تقرير يحمل بعض المقترحات المهمة بحق وسنتعاطى مع كل من المقترحات بجدية شديدة وسنتحرك بسرعة» لكن من دون ان يضمن تطبيق أي من توصياته غير الملزمة. وحث التقرير، الذي كانت قد سبقته تسريبات وتحليلات رسمت أطره العامة، بوش على التحرك لمعالجة الوضع «الخطير والمتدهور» في العراق، حيث أعلن أمس مقتل 10 جنود أميركيين، وذلك بإجراء محادثات مع إيران وسوريا والشروع في سحب الوحدات المقاتلة من هذا البلد مطلع العام 2008.
وحذرت مجموعة الدراسات، التي يرأسها وزير الخارجية الاميركي الأسبق جيمس بيكر والسيناتور الديموقراطي السابق لي هاملتون، في التقرير الصادر بعنوان «الطريق الى الأمام: مقاربة جديدة»، أن «الانزلاق نحو الفوضى يمكن أن يؤدّي الى انهيار الحكومة العراقية وحدوث كارثة انسانية ويمكن ان يؤدي الى تدخل الدول المجاورة».
وقدّم التقرير توصيتين رئيسيتين: الأولى تدعو الى بذل جهود دبلوماسية وسياسية جديدة ومحسنة في العراق والمنطقة، بينما تدعو الثانية الى تغيير في المهمة الأساسية للقوات الأميركية في العراق، ما سيمكن الولايات المتحدة من بدء تحريك قواتها المقاتلة الى خارج هذا البلد بشكل مسؤول.
ودعت المجموعة واشنطن الى «إطلاق حملة دبلوماسية، على الفور، من أجل بناء إجماع عالمي على الاستقرار في العراق والمنطقة»، مشيرة الى أنه «يجب على جيران العراق والدول الأساسية في المنطقة وخارجها تأسيس مجموعة دعم لتعزيز الأمن والمصالحة الوطنية في داخل العراق، اللذين لا يمكن للعراق تحقيق أيّ منهما بمفرده».
ورأى التقرير أنه «في ضوء قدرة إيران وسوريا على التأثيرعلى الأحداث في العراق ومصلحتهما في تفادي الفوضى فيه، على الولايات المتحدة أن تحاول إشراكهما بشكل بنّاء»، مشيراً الى أنه «من أجل التأثير على تصرّف هذين البلدين، تملك الولايات المتحدة إجراءات رادعة وأخرى تحفيزية».
وأكدت مجموعة الدراسات أنه «لا يمكن للولايات المتحدة ان تحقق أهدافها في الشرق الاوسط ما لم تتعامل مباشرة مع الصراع العربي ــ الاسرائيلي وعدم الاستقرار الاقليمي»، معتبرة أنه «يجب ان يكون هناك التزام متجدد ومستدام من قبل الولايات المتحدة للتوصل الى سلام عربي ــ إسرائيلي شامل على كل الجبهات: لبنان وسوريا، والالتزام الذي قطعه الرئيس بوش في حزيران 2002 حول حل الدولتين، اسرائيل وفلسطين». وأضافت أن «هذا الالتزام يجب أن يتضمّن محادثات مباشرة مع، من قبل، وبين كل من اسرائيل ولبنان والفلسطينيين (أولئك الذين يقبلون بحق إسرائيل في الوجود) وسوريا».
وقال التقرير إن «التعامل مع سوريا وإيران مثير للجدل. لكن رغم ذلك، نرى أن الدبلوماسية تتيح للأمة التعامل مع أعدائها وخصومها لمحاولة حل صراعات تؤثّر على مصالحها. وبناءً على ذلك، فإن على مجموعة الدعم إشراك سوريا وإيران عملياً في الحوار الدبلوماسي من دون شروط مسبقة».
واعتبر أن «العلاقات الأميركية مع سوريا وإيران تتضمّن قضايا صعبة يجب حلّها. المحادثات الدبلوماسية يجب أن تكون موسّعة وجوهرية، وذلك يتطلب موازنة في المصالح». وأضاف انه «أمام الولايات المتحدة عقبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية تواجه التقارب مع سوريا وإيران. لكن على الولايات المتحدة التفكير بحوافز لمحاولة إشراكهم بشكل بنّاء، كما نجحت في ذلك مع ليبيا».
وقال بيكر، خلال مؤتمر صحافي لدى عرض مضمون التقرير، «ليس هناك صيغة سحرية تحل مشكلات العراق». وأوضح «يجب ان يكون تركيز السياسة الاميركية أوسع من الاستراتيجية العسكرية ومن العراق وحده حتى توفر للحكومة العراقية فرصة للنجاح»، داعياً المسؤولين الاميركيين الى السعي لحث «كل الحكومات التي لها مصلحة في تجنب الفوضى في العراق ــ بما فيها دول جوار العراق ــ الى التزام ناشط وبناء».
وأعلن بيان رسمي أمس ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي استمع من بيكر وهاملتون الى «إيجاز» لتقريرهما من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة. وأوضح البيان ان «الإيجاز تضمّن أربع قضايا أساسية هي دعم حكومة الوحدة الوطنية والدعوة الى تحرك دبلوماسي إقليمي ورفض فكرة المؤتمر الدولي وتغيير مهمة القوات المتعددة الجنسيات لتكون قوات مساندة للقوات العراقية، الى جانب قيامها بعملية تسريع وتجهيز وتدريب هذه القوات».
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، لوكالة «فرانس برس» أمس، ان «هذا التقرير مقلق لإسرائيل، وخصوصاً أنه يذكر للمرة الاولى مسألة «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين.
أما المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة فرأى أن «التقرير شخص الأمور بدقة وان حل الموضوع الفلسطيني هو بداية لحل كل القضايا في الشرق الأوسط بأسرها». وأضاف «من دون حل القضية الفلسطينية لن تحلّ أي قضية أخرى وستبقى أمور المنطقة معقدة وان بداية حلول مشاكل المنطقة ونهايتها هو حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه وإقامة دولة فلسطينية مستقلة».
ودعت «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) السياسيين في الولايات المتحدة الى «أخذ العبرة من هذه التقارير لأن سياستهم العسكرية والسياسية فشلت».
وأعلن مسؤول العلاقات الالمانية ــ الاميركية في الحكومة الالمانية كارستن فويت ان حكومته تنتظر تطبيق توصيات التقرير ولا سيما ما يتعلق سحب الوحدات القتالية الرئيسية من العراق.
وتزامن صدور التقرير مع مقتل 26 عراقياً في هجمات أمس، فضلاً عن العثور على 48 جثة في أنحاء بغداد، فيما أعلن الجيش الأميركي مقتل عشرة من جنوده في أربعة حوادث منفصلة في العراق أمس.
(ا ب، ا ف ب، رويترز، د ب ا، يو بي آي)