strong>بـرّي يشترط توقيع لحـود على مشروع المحكمة الدولية والمبـادرة العربية تبحث عن أفكار خلّاقة
لم يحقق الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في وساطته بين السلطة والمعارضة أي تقدم ملموس في ختام الجولة الأولى من اللقاءات التي عقدها إثر وصوله من نيويورك أمس، في حضور مصطفى عثمان اسماعيل موفد رئيس الدورة الحالية للقمة العربية الرئيس السوداني عمر البشير، لكنه لمَّح الى وجود “أمل” لديه في الوصول الى حل للأزمة. غير أن هذا الأمل قد يتبدد في حال إرسال الحكومة مشروع المحكمة الدولية الى مجلس النواب خلافاً للأصول الدستورية، حيث أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري موسى ليل امس أنه سيكون في حل من أي بحث في أي أفكار أو مبادرة عربية للحل إذا أقدمت السلطة على ارتكاب هذه المخالفة “التي لا يمكنني أن أتحملها”.
وعلمت «الأخبار» أن السلطة صرفت النظر عن إرسال مشروع المحكمة إلى مجلس النواب في ضوء تبلغها موقف بري، علماً بأن السنيورة تلقى رسالة بهذا المعنى قبيل اجتماع الحكومة.
ونُقل عن موسى قوله لبري الذي التقاه فور وصوله من نيويورك “إن العالم العربي ينتظر نتائج إيجابية للجهود التي نبذلها”. وأكد “أننا نقف على مسافة واحدة من الجميع ولسنا منحازين لأي فريق”.
وبعدما عرض بري وموسى ما آلت إليه المبادرة التي طرحها الموفد السوداني بالتنسيق معه نتيجة تراجع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن موافقته المبدئية عليها، تبادلا وجهات النظر في شأن ما يمكن القيام به لإحياء هذه المبادرة عبر البحث في ترتيب الأولويات فيها بدءاً بحكومة الوحدة الوطنية وحجم مشاركة المعارضة فيها بـ“ثلث” يسمّى “الثلث الضامن” أو “الثلث المشارك”، وشدّد موسى في هذا المجال على ضرورة إيجاد حل وسط لا يُشعِر الأكثرية الحاكمة بأنها انكسرت ولا يُشعِر المعارضة في المقابل بأنها انكسرت أيضاً.
وقال مصدر اطلع على أجواء اللقاء بين بري وموسى لـ“الأخبار” إنهما بحثا موضوع المحكمة الدولية فاقترح بري أن يصار إلى تأليف لجنة مشتركة تدرس مشروع هذه المحكمة، فيما اقترح موسى أن يتم إقرار هذا المشروع بالتوازي مع إقرار تأليف حكومة الوحدة الوطنية. وأضاف المصدر إنهما اتفقا على أن يتركز البحث على إيجاد ضمانات أو “صيغة خلّاقة” تطمئن الفريقين وتزيل هواجسهما بحيث لا يكون الثلث الضامن أو المشارك معطلاً ولا تكون الأكثرية الوزارية للسلطة معطلة أيضاً. غير أن مصدراً آخر صرّح لـ“الأخبار” بأن بري أكد لموسى أنه سيتعاطى بإيجابية مع الأفكار التي يحملها لكنه سيعتبر نفسه في حِلٍّ منها إذا ارتكبت الحكومة مخالفة دستورية وأرسلت الى مجلس النواب مشروع قانون المحكمة ذات الطابع الدولي الذي أقرته مجدداً في جلستها الاستثنائية أمس بعد أن رده رئيس الجمهورية العماد إميل لحود إليها طاعناً بدستوريته ودستورية الحكومة بعد استقالة وزراء الطائفة الشيعية منها. وقال بري لموسى: “إذا أقدمت الحكومة على خطوة من هذا النوع ففي ذلك مخالفة دستورية لا أستطيع أن أتحملها ولن أبحث معك في أي حل. إن عليهم أن يرفعوا هذا المشروع الى رئيس الجمهورية مجدداً”.
إلا أن موسى الذي تبيّن أنه لم يحمل جديداً في موضوع العلاقات السورية ــ السعودية يمكن أن ينعكس إيجاباً على المعالجة الجارية للأزمة قال للصحافيين لدى مغادرته عين التينة للاجتماع بالسنيورة “هناك أمل، أعطونا فرصة. إننا لا نزال في البداية”. وهو كان قد صرّح لدى وصوله الى مطار بيروت: “ليست هناك مبادرة عربية، بل هناك أفكار. نقوم بحركة في هذا الإطار بدأت خلال زيارتي الأولى الى لبنان”.
وليلاً اتصل موسى ببري مرتين وأبلغه أن الأكثرية لن تحيل مشروع المحكمة الآن الى مجلس النواب. فرد بري قائلاً له: “يعني أنهم سيرسلونه لاحقاً، لا لن أقبل بذلك، إن عليهم أن يرسلوه الى رئيس الجمهورية ليأخذ طريقه الدستوري وإلا فإني لست مستعداً للبحث والنقاش في أي أفكار لمعالجة الأزمة القائمةوكان بري قد استاء مما تضمنته رسالة النائب سعد الحريري في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال النائب جبران تويني عن موضوع المحكمة إذ قال: “إن المحكمة الدولية آتية، آتية، آتية، (...) وها هو مجلس الوزراء قد أقدم على خطوة جديدة ومباركة، بإرسال نظام المحكمة إلى مجلس النواب، وهي خطوة نريد لها أن تكتمل من خلال قيام المجلس النيابي بالدفاع عن كرامة الشهداء وعن نواب لبنان”.
إلا أن اجتماع موسى مع السنيورة في حضور اسماعيل لم يدم سوى عشر دقائق. وقيل إنه خرج منه متجهماً وتوجه من السرايا الحكومية الى قريطم حيث التقى رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري، ليلتقي ليلاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حضور معاونه السياسي حسين الخليل ومسؤول العلاقات الدولية في الحزب نواف الموسوي، ودام اللقاء ساعة، على أن يلتقي اليوم البطريرك الماروني نصر الله صفير ورئيس “تكتل التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون، ثم يغادر بيروت غداً الخميس في ختام لقاءات جديدة يعقدها مع بري والسنيورة.
وكان السنيورة قد استبق لقاءه بموسى بتكرار طرحه السابق لتأمين مشاركة المعارضة في الحكومة والقائم على ما بات يعرف بصيغتي: 19 وزيراً للأكثرية و10 او 9 وزراء للمعارضة ووزير او اثنان “ملكان” اي حياديان لا يحق لهما التصويت على قضايا يمكن ان يُختَلَف عليها في مجلس الوزراء.
وينتظر ان يخرج السنيورة من السرايا الحكومية غداً الخميس للمرة الاولى منذ اعتصام المعارضة في وسط بيروت حيث سيزور موسكو يرافقه الوزيران شارل رزق وطارق متري للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف.
وتردد ان السنيورة سعى منذ اسبوعين لدى كل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، طالباً وساطتهم لدى القيادة الروسية لاستقباله فيما هي تستعد لاستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في 19 من الشهر الجاري. وعُلم انه ينوي ان يبحث مع الجانب الروسي موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي كانت لموسكو، ولا تزال، ملاحظات وتحفظات متعددة عليها.
إقرار جديد للمحكمة
من جهة ثانية اقرت الحكومة للمرة الثانية في جلسة استثنائية دامت ثلث ساعة، مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الحريري بعدما كان قد أعاده رئيس الجمهورية إليها رافضاً توقيعه وإحالته على مجلس النواب لأنه مخالف في رأيه للأصول الدستورية وصادر عن حكومة “فاقدة الشرعية الدستورية”، وقررت إحالته الى مجلس النواب للتصديق عليه.
وقال وزير الاعلام غازي العريضي إن مشروع القانون سيُرسل الى مجلس النواب لكنه لم يحدد موعداً لذلك. وأضاف تاركاً الامر ملتبساً: “المشروع أخذ طريقه الى المجلس النيابي، كيف سيصل الى المجلس هذا الامر متروك، لسنا هنا في موضع تشريح الدستور. هذا القرار اتُخذ اليوم وبنتيجته سيصل المشروع الى المجلس النيابي”.
وأشار إلى أن الحكومة “لن تقوم بأي خطوة تتجاوز أو تخالف أي مادة في الدستور ولن تقوم بأي خطوة تعقد الامور”. ونقل عن السنيورة قوله خلال الجلسة إن حكومته “دستورية وشرعية” وإن اجتماعها امس “قانوني”.
ولوحظ امس اعتدال لهجة السلطة ازاء الرئيس بري بعدما كان السنيورة قال إن مجلس النواب “معطل ومخطوف” داعياً بري الى دعوته للانعقاد للنظر في الأزمة القائمة.
من جهة ثانية، بحث مجلس الوزراء مسألة إجراء انتخابات فرعية لاختيار خلف للنائب بيار الجميل الذي اغتيل الشهر الماضي.
ونقل العريضي عن السنيورة قوله خلال الجلسة: “أرسلنا مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى رئيس الجمهورية مرة اولى ولم يوقعه، ثم أرسلناه مرة ثانية ولم يوقعه”. وأضاف “هذه مخالفة دستورية صريحة لا بد من معالجتها”.