أنهى الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عمرو موسى والموفد الرئاسي السوداني مصطفى عثمان إسماعيل الجولة الاولى من مهمتهما التوفيقية بين فريق السلطة والمعارضة بما يشبه “إعلان نوايا” أكدا فيه وجود رغبة لدى الطرفين في الوصول الى تسوية على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب” فيما بدا أن الأزمة باتت تتطلب معالجة في الخارج، هي التي دفعته وإسماعيل الى المغادرة الى القاهرة ليتحركا منها في اتجاه بعض العواصم العربية وغير العربية المؤثرة في الوضع اللبناني، التي قد تساعد في توفير المعالجة اللازمة، على أن يعودا يوم الثلاثاء المقبل لمتابعة مساعيهما في جولتها الثانية لعلهما يتوصلان إلى نتائج سعيدة قبل الاعياد حسبما توقعا.وعكس ما أعلنه موسى من “توافقات” على توازٍ بين موضوعي المحكمة ذات الطابع الدولي وحكومة الوحدة الوطنية وحديثهما عن اتفاق على وقف التصعيد الإعلامي وفي الشارع، عكس وجود رغبة لدى الطرفين المتنازعين بـ“هدنة” لتمرير فترة الأعياد في أجواء هادئة رغم أن كلاً منهما سيثابر على نشاطات وتحركات لا تحدث ضجيجاً كبيراً في الوضع العام السائد في البلاد.
وقال مصدر اطلع على أجواء محادثات موسى وإسماعيل لـ“الأخبار” إن ما أعلنه موسى هو عبارة عن “محضر” عما أنجزته المبادرة العربية في الحد الادنى حتى الآن وهو “إعلان نوايا” في الحد الاقصى. وأشار الى ان موسى يعوّل اهمية على وقف التصعيد الإعلامي وفي الشارع بين الطرفين لأن ذلك من شأنه ان يساعده على النجاح في ما سيقوم به من اتصالات خارجية يمكن ان تشمل الرياض ودمشق والقاهرة وطهران. وقال إن موسى على اقتناع بأن التوصل الى حل للأزمة “يحتاج الى إنضاج في الخارج”.
وكان موسى قد أعلن في ختام يومين طويلين من المحادثات مع قادة في السلطة والمعارضة أن المبادرة أحرزت تقدماً في نقاط عدة بينها التوصل إلى اتفاق على “حكومة وحدة وطنية” والمحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقال موسى إنه قدم إلى المسؤولين في السلطة والمعارضة “سلة مقترحات واحدة” لمعالجة الازمة القائمة في ما بينهم، وتبيّن له في ضوئها أن هناك “مساحة جيدة للتفاهم عليها”. وذكر انه تم التوصل إلى تفاهم على صيغة لحكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً بينهم 19 وزيراً لفريق السلطة و9 آخرون للمعارضة ووزير حيادي. وتحدث عن “توازٍ” بين هذه الحكومة وبين المحكمة الدولية التي قال إنه تم الاتفاق على تأليف لجنة سداسية من القضاة وممثلي السلطة والمعارضة تتولى النظر في مشروعها. وإذ اشار الى مناقشة ستحصل في الضمانات “لجعل هذه الحكومة مستقرة”، شدد على أن المحكمة كانت على رأس الموضوعات التي بحثت “وهذا موضوع مهم ورئيسي لأنه يتعلق بتحقيق العدالة والقانون”.
وذكر موسى ان من الأمور التي تم التوافق عليها “ضرورة تهدئة الأمور وأن يتاح للمجتمع اللبناني أن يطمئن”، وقال “هناك اتفاق في الرأي بين كل الأطراف على ضرورة تهدئة الشارع ووقف التظاهرات والتصعيد”. وأضاف إن هناك أموراً عدة “لا تزال تحتاج إلى جهد إضافي يقتضي ربما عودتنا مرة أخرى” إلى لبنان لمعالجتها.
وعن مواضيع الانتخابات النيابية والرئاسية المبكرة وتعديل قانون الانتخابات النيابية قال موسى إنها من الأمور المطروحة “ضمن الدستور”. وأكد التوصل إلى اتفاق على تأليف لجنة من مختلف الأطراف تتولى صوغ الاتفاق على ان يُعلن من طاولة الحوار “الذي يجب ان يجتمع ليطلق هذا التوافق”... لكنه شدد على أن الأمر يحتاج إلى تحرك إضافي “لتحقيق تقدم اكبر” ضمن صيغة لا غالب ولا مغلوب التي يمكن على أساسها التوصل الى اتفاق توافقي ثابت وراسخ يأخذ في الاعتبار مصالح الجميع.
ولفت الى أن مبادرته تحظى بدعم مصر والسعودية إلى جانب الدعم العربي لها وكذلك الدعم الإقليمي. وتحدث عن ان “هناك دينامية عربية تلعب دورها بالتواصل مع زعماء لبنان وعلى صلة بالقوى الإقليمية”. وقال إن الخروج من الشارع، “أحد عناصر التسوية المتفق عليها”، مشيراً إلى انه توصل الآن الى تقدم بنسبة 50%، وأنه يأمل في زيارته المقبلة خلال أيام أن يحصل التقدم بنسبة 100%.
وبدوره قال المبعوث الرئاسي السوداني إسماعيل، الذي شارك في المؤتمر الصحافي الى جانب موسى، إن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي التقاه في دمشق قبل أيام، يدعم المبادرة العربية في شأن لبنان “وكل ما يتوافق عليه اللبنانيون”. وأشار إلى أن لسوريا دوراً في المنطقة كما لها دورها العربي في التسوية “ومن الضروري التواصل معها”. وقال إنه كانت هناك صعوبات وعقبات “لكن هناك تقدم واضح وتوافق متصاعد”. وأعلن أنه سيعود وموسى خلال أيام آملاً حل الأزمة قبل ألاعياد، وقال: “عندما سنعود لن نبدأ من نقطة الصفر، بل سنبدأ من حيث انتهينا”. وأضاف: “مشاعر اليأس ليس لها مكان في ما نقوم به... نتحرك نحو تسوية شاملة في لبنان”.
ولدى وصوله وموسى الى مطار القاهرة ليل امس قال إسماعيل وهو في طريق عودته إلى الخرطوم، إنهما سيعودان إلى بيروت منتصف الاسبوع المقبل “لمتابعة جهودنا حيث يمر لبنان حالياً في مأزق خطير ونخشى عليه من التمزق، ولقد جاءت جهود الجامعة العربية في الوقت المناسب قبل أن ينفجر الوضع ويفلت، ولقد أدّت جهود الجامعة إلى تحديد حجم الازمة ووضع الحلول والآليات التي يمكن أن تنفذ”. وأضاف: “إن بعض القضايا تحتاج إلى حسم وخصوصاً المسائل التفصيلية مثل ترشيح وزير أو بدء دراسة أو اجتماع لجنة معينة لدراسة ما سلمناه لهم، وعندما نعود الاسبوع المقبل سنتسلم نتائج هذه اللجان والدراسات لنحدد بعد ذلك التحرك السليم”.
موقف السلطة والمعارضة
وقالت مصادر فريق السلطة لـ“الأخبار” إن اللجنة السداسية الخاصة بالمحكمة، التي أعلن موسى الاتفاق عليها، ستتكوّن من ممثلين للأكثرية وممثلين للمعارضة وقاضيين، ويفترض حسب الخطة أن تنجز عملها في درس مشروع المحكمة قبل منتصف الشهر المقبل، على ان يصار في هذه الأثناء الى تأليف حكومة وحدة وطنية لا يكون فيها ثلثان للأكثرية ولا ثلث معطل للمعارضة، وان الاشكالية القائمة هي حول الوزير الأخير أو المحايد وآلية تعيينه، ومن هو الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات المطلوبة لهذا الدور بمعزل عن طائفته، على ان تذهب هذه الحكومة الى مؤتمر باريس ــــــ3.
وأضافت هذه المصادر إن المرحلة الثانية من الاتفاق يبدأ تنفيذها ابتداءً من شباط بانتخاب مبكر لرئيس الجمهورية يتسلم صلاحياته بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. وبعد تأليف حكومة جديدة للعهد الجديد يُعَد قانون انتخاب جديد تجري على أساسه انتخابات نيابية جديدة.
لكن مصادر قريبة من الرئيس بري قالت إن الأكثرية والعاملين على التسوية عادوا الى ما كان قد طرحه رئيس مجلس النواب نبيه بري واتفق عليه مع رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري، وهو تأليف لجنة تضم قاضيين تقنيين وأربعة قضاة: اثنان من تيار “المستقبل” والآخران من المعارضة، وتأليف حكومة وحدة وطنية عبر توسيع الحكومة الحالية يكون فيها 19 وزيراً للسلطة و10 وزراء للمعارضة، أما الوزير الثلاثون فيتم اختياره من بين خمسة أسماء يرشحها الرئيس بري. وأضافت هذه المصادر: سنرى ما إذا كانت هذه التسوية ستبصر النور.
ولوحظ ان وسائل الاعلام التابعة للفريقين المتنازعين لم تلتزم التهدئة التي تحدث عنها موسى وإسماعيل. وفيما سيستمر اعتصام المعارضة في ساحتي الشهداء ورياض الصلح من دون تنظيم أي تظاهرات، قال أحد نواب تيار “المستقبل” إن التظاهرة والمهرجان اللذين سيقيمهما التيار في بلدة تعلبايا البقاعية اليوم مستمران ضمن الآلية المقررة لهما سلفاً من حيث المبدأ، ولكن مواقف الخطباء ستعكس أجواء التهدئة التي تتطلبها التسوية التي تعمل المبادرة العربية على تظهيرها. وأبدى تفاؤله بحصول تقدم مؤكداً استعداد التيار للقيام بكل ما يؤمن مناخاً هادئاً في البلاد.
السنيورة في موسكو
وفي ظل هذه الأجواء سافر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى موسكو ووصل إليها عند التاسعة ليلاً يرافقه الوزراء: غازي العريضي، طارق متري وشارل رزق. وكان في استقباله نائب وزير الخارجية ألكسندر سلطانوف وتوجه من هناك الى مقر إقامته في فندق «أرارات حياة اوتيل»، ومن المنتظر أن يلتقي اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وينتظر ان يكون موضوع المحكمة الدولية والموقف الروسي منها أبرز مواضيع البحث بين الجانبين.
ورأى السنيورة في حديث الى محطة الـ“بي.بي.سي” العربية، في ما يتعلق بالعقدة في الوصول الى اتفاق عن طريق المبادرة العربية، أنه “عندما يبذل جهد حقيقي وبنيات طيبة وتؤخذ المصالح الحقيقية والدائمة للبنانيين، لا بد من الوصل الى الحل”. وقال: “هنالك امور ملحة الآن تتعلق بالمحكمة ذات الطابع الدولي لأن أهميتها لا تكمن فقط في محاكمة مرتكبي الجرائم ولكن في حماية اللبنانيين من هذا السيف المصلت، ويجب ان تكون موضع إجماع لا يتم التفاوض عليه، وأفضل من يقدم الرد والاستعلام عنها القضاة لأنهم هم من فاوض”.