الســنيورة من موســكو إلى باريــس: بوتيـن يدعــم تشــكيل محكمــة دوليــة
لم يبدّد “التقدم” المحدود الذي حققته المبادرة العربية القلق السائد في كل الأوساط السياسية والشعبية التي بدأ يحكمها أمس انتظاران، الأول هو لعودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والموفد الرئاسي السوداني مصطفى عثمان إسماعيل الى بيروت الثلاثاء المقبل، ليتابعا وساطتهما بين السلطة والمعارضة وصولاً الى إقرار “السلة الواحدة” للحل المنشود للأزمة المستفحلة بين الطرفين، ويسود في هذا المجال انطباع بأن موسى إذا عاد فإنه سيكون حاملاً معه معطيات خارجية مساعدة على بلورة الحل. أما إذا أرجأ عودته فإن ذلك يعني أنه لن يعود ما لم تتوافر له هذه المعطيات.
أما الانتظار الثاني فهو لعودة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من موسكو، الذي يبدو أنه أبقى رده مبهماً أو رمادياً على مقترحات المعارضة في شأن حكومة الوحدة الوطنية ومشروع المحكمة ذات الطابع الدولي، التي نقلها موسى إليه في انتظار ما سيسمعه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استقبله في الكرملين أمس، فيما تتخذ بلاده موقفاً استراتيجياً يتصل بمصالحها الاقليمية والدولية من موضوع المحكمة يتخطى موضوع كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقد دام اللقاء بين بوتين والسنيورة ساعة ونصف ساعة وتخلله اجتماع ثنائي بينهما، وقال الرئيس الروسي: “إن ما يثير قلقنا هو الوضع الداخلي في لبنان، ونأمل من اللبنانيين حل المشاكل الداخلية إدراكاً للمسؤولية اللبنانية”.
أما السنيورة فقال بعد اللقاء، في إشارة الى الموقف الروسي من المحكمة الدولية، “لمست من الرئيس بوتين تأييداً لموضوع إحقاق العدالة في لبنان، وليست هناك أي رغبة من أحد، لا من الحكومة اللبنانية ولا منا، في أن يصار إلى استعمال المحكمة لأي غرض غير إحقاق الحق والعدالة والحقيقة، لا نريد شيئاً غير الحقيقة على الإطلاق، وهذا ما كان ولا يزال موقفنا، ولمست من الرئيس بوتين تأييداً شديداً لهذا الموقف”.
وشدد السنيورة الذي سينتقل إلى باريس اليوم، على أن لبنان يعارض انضمام قضاة إسرائيليين إلى المحكمة الدولية وأكد أن ميثاقها يستند بالكامل إلى التشريعات اللبنانية. وقال إن “لبنان حصل على دعم موسكو في مسألة إنشاء هذه المحكمة”. وأضاف: “لقد أعلن الرئيس بوتين تأييده لفكرة إنشاء محكمة دولية للتحقيق في جرائم القتل الكثيرة التي عانى منها لبنان خلال فترة طويلة وجاء ذلك دعماً لحق اللبنانيين في حل مشاكلهم بأنفسهم، وتأمين حياة كريمة لهم على أرضهم”.
الوساطة العربية
إلى ذلك تتبعت الأوساط السياسية ما أسفرت عنه المبادرة العربية من نتائج حتى الآن. وفي هذا السياق أوجز لـ“الأخبار” مصدر شارك في اللقاءات التي عقدها موسى وعثمان مع فريقي السلطة والمعارضة، مضمون ما دار من مفاوضات فأكد أن البحث خلال زيارة موسى الأولى لبيروت الأسبوع الماضي تركز على فكرة تأليف حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً يكون للأكثرية فيها 19 وزيراً وللمعارضة 10 وزراء، أما الوزير الثلاثون فيسمّيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ويحق لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة حق “الفيتو” على اسمين يقترحهما بري، أما الاسم الثالث فيصبح لزاماً على السنيورة القبول به، على ان تحال إلى هذه الحكومة بعد الاتفاق عليها كل الملفات الخلافية من المحكمة ذات الطابع الدولي الى الانتخابات الرئاسية والنيابية المبكرتين وقانون الانتخابات النيابية العتيد حتى تعالجها.
ولكن في زيارته الاخيرة قال موسى لبري ولقيادة حزب الله “إني أريد أن أمون عليكم وأقترح أن يكون للرئيس السنيورة “فيتو” حتى الاسم العاشر من مجموعة أسماء تسمّونها أنتم للمقعد الوزاري الرقم ثلاثين في الحكومة” لكن بري والحزب لم يؤيّدا هذا الاقتراح، فما كان منه إلا أن خفض الرقم من عشرة الى خمسة فقبلا بهذا الطرح. وفي موازاة ذلك سأل موسى الرئيس بري وقيادة حزب الله ملاحظاتهما على مشروع المحكمة الدولية طالباً أن تكون هذه الملاحظات دستورية وقانونية لا سياسية. فردا بأن هذه الملاحظات هي في الأصل دستورية وقانونية ولكن لم يتح لهما إبداؤها بسبب استعجال الأكثرية موضوع المحكمة غير مستجيبة لطلب وزرائهما مهلة أيام قليلة لدرس المشروع وإعداد هذه الملاحظات. وقال موسى إنه يقترح لجنة مشتركة تضم ممثلَين عن الأكرثية وممثلَين عن المعارضة وقاضيين وما تتفق عليه يكون ملزماً ويوضع في القنوات الدستورية الخاصة به. فوافق بري وحزب الله على هذا الاقتراح وطلبا من موسى أن يأتي بموافقة السنيورة على ان الخلاصة التي تتوصل إليها هذه اللجنة تصدّق عليها حكومة الوحدة الوطنية المزمع تأليفها حتى تصبح دستورية. وعلى الأثر زار موسى الرئيس السنيورة ونقل هذا الأمر، ثم عاد وأبلغ بري أن السنيورة يقترح إرسال ما تتوصل إليه اللجنة الى المجلس النيابي ولا يقبل ان تصدّق عليه الحكومة الجديدة. عندئذ طلب بري من موسى مجدداً أن يعمل على إقناع السنيورة مؤكداً أنه غير مستعد للسير في أمر مخالف للدستور يمكن أن يعاقب عليه لاحقاً بتهمة خرق الدستور. وكذلك طلب منه أن يرسل المشروع الذي أقرته الحكومة الى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وأن لا يفكر لحظة بإرساله الى مجلس النواب لأن في ذلك مخالفة دستورية فاضحة وإضافية لا يمكنه القبول بها. وبعدما راجع موسى السنيورة قال له إنه “سيفكر في الأمر” ولم يعطِ جواباً.
وعندما فاتح موسى بري وحزب الله في موضوع وقف الاعتصام والخروج من الشارع، قيل له إن هذا الأمر غير وارد قبل تأليف حكومة وحدة وطنية. وقال له الرئيس بري: “يمكنني أن أعِد بوقف التظاهرات المليونية لكني لا أستطيع ان أعد بوقف الاعتصام”.
لكن مصدراً مطلعاً قال إن موسى غادر بيروت لاستجلاب ضغط عربي وربما دولي على الفريقين المتنازعين يسهّل نجاح المبادرة العربية، وأبدى تفاؤلاً في إمكان حصول هذا النجاح في وقت ليس ببعيد. لكنه تخوف من نشوء ازمة حول توسيع الحكومة لجهة إدخال وزراء جدد إليها وإخراج آخرين من أجل تمثيل تكتل العماد ميشال عون وأطراف آخرين.
وفي انتظار عودة موسى وإسماعيل إلى بيروت فإن الاتصالات ستستمر داخلياً وعبر الاقنية الديبلوماسية بغية إرساء أجواء هدوء وترسيخ هدنة فعلية في مناسبة الأعياد. وفي هذا الإطار كان اللقاء الذي عُقد بين الرئيس بري والسفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة وجرى خلاله تقييم لما أسفرت عنه المبادرة العربية حتى الآن. وأكد خوجة لـ“الأخبار” أن لقاءه مع بري يندرج في إطار مواصلة البحث وتبادل الرأي في سبل معالجة الأزمة. وأشار الى ان الجميع ينتظرون عودة موسى.
وفي موقف جديد أعلنت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في مقابلة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” أمس ان الولايات المتحدة تعتزم تقديم مساعدة مالية للجيش اللبناني وذلك بهدف تعزيز الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة. وقالت “لا نزال نعمل على تفاصيل ما يمكننا القيام به لدعم الجيش اللبناني”، مضيفة: “لا يمكنني أن أعطيكم تفاصيل لكننا، نعم، ندرس برنامج مساعدات له”. وأوضحت أن واشنطن تحظى في هذا الأمر بدعم حلفائها العرب. وقالت: “ليس برنامجاً نعرضه وحدنا، إنه برنامج أعلنت دول أخرى استعدادها للمشاركة فيه وبينها الدول العربية المعتدلة”.
وذكرت “واشنطن بوست”، أن الإدارة الأميركية ستستعد لصرف مليار دولار لدعم حكومة السنيورة في مواجهة “حزب الله” وحلفائه.