عمان ــ الأخبار
... وأخيراً، وطأت قدما الرئيس الأميركي جورج بوش أمس أرض الأردن، بعد تأويلات كثيرة سبقت الزيارة وأهميتها بالنسبة إلى الوضع في العراق. لكن الحركة الدبلوماسية التي رافقتها في المنطقة تؤكد أن مهمة سيد البيت الأبيض في عمان تتجاوز الملف العراقي، لتستهدف بالدرجة الأولى إيران ودورها في العراق ولبنان (التفاصيل).
ولعل أبرز دليل على ذلك النصائح التي سارعت أطراف عربية ودولية إلى توجيهها لسوريا لفك تحالفها مع طهران، والرغبات باعتماد حزب الله خيار “الاعتدال”، في تصريحات يستشف منها ما هو مطلوب للمنطقة في المرحلة المقبلة، ولا سيما أن حركة نشطة بدأت على خط القضية الفلسطينية، ستتوّج اليوم باجتماع وزراء خارجية مجموعة الثماني مع عدد من نظرائهم العرب في الأردن.
ففي وقت كانت الطائرة الرئاسية الاميركية تنقل بوش من ريغا إلى عمّان، صدرت باقة من الرسائل إلى سوريا، مصدرها القاهرة والرياض وباريس وواشنطن، بعضها جاء على شكل “نصيحة” إلى الرئيس السوري بشار الأسد “لعقلنة” سياسته في لبنان، فيما اشترط الرئيس الفرنسي جاك شيراك إقدام دمشق على“خطوات إيجابية” للتحاور معها.
أما الرسالة الأميركية فكانت، كعادتها دائماً، أكثر وضوحاً، وجاءت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كايسي، الذي طالب دمشق بتغيير “أدائها السلبي، ووقف تدخلها في الشؤون الفلسطينية ودعم المنظمات الفلسطينية”.
ويبدو واضحاً أن الرسائل العربية والدولية لدمشق، تصب، في جزء منها، في خانة السعي إلى فك تحالفها مع طهران، ولا سيما أنه قد بات شبه مؤكد أن وجود بوش في عمان يستهدف إيران بالدرجة الأولى. وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أوضح من عبّر عن مهمة الرئيس الأميركي في حاضرة الهاشميين، عندما قالت إن زيارته تأتي أولاً في إطار ترتيب ما يسمى «التحالف السني» في مواجهة «الهلال الشيعي»، الذي تتزعمه إيران.
فكرة عبّرت عنها أيضاً مصادر دبلوماسية في القاهرة، كانت أكثر إسهاباً في التوضيح، عندما وضعت هذه الزيارة في إطار ما سبقها من تحركات أميركية في المنطقة، في مقدمتها زيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إلى السعودية، مشيرة إلى أنها تهدف إلى ترتيب تحرّك لـ«محور المعتدلين»، بقيادة القاهرة والرياض وعمان، لحل الأزمات المشتعلة في المنطقة، التي تتصدرها القضية الفلسطينية.
ولعل تحرك وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على خط أريحا ــ تل أبيب، حيث ستلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود اولمرت، يأتي في إطار “البحث عن حل”، لكن بمنظور الأميركي، عبّر عنه أمس تحرك رسمي في الكونغرس يستهدف تأمين الدعم لأمن الرئاسة الفلسطينية في مواجهة حركة “حماس”، وتصريح لمسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية وجه من خلال وكالة «رويترز» نصيحة أميركية لعباس “باعتماد خيارات أخرى” مع «حماس»، ولا سيما أن جهود الوحدة الفلسطينية “وصلت إلى طريق مسدود نهائياً”، بحسب تعبير المستشار الرئاسي الفلسطيني نبيل عمرو.
هذه الحركة الأميركية الشرق أوسطية، تتوّج اليوم باجتماع «منتدى المستقبل»، الذي سيجمع رايس مع نظيريها الروسي سيرغي لافروف والبريطانية مارغريت بيكيت، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست والأردن ومصر.
أما العراق، العنوان المعلن لزيارة الرئيس الأميركي إلى عمان، فكان أمس الضحية الأولى، بعدما فقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مكوناً شيعياً قوياً في حكومته ممثلاً بـ«التيار الصدري»، الذي علّق عضويته في البرلمان والحكومة بسبب عزم المالكي، الذي تشككت واشنطن بقدراته، على لقاء الرئيس الأميركي. وتكتسي هذه الخطوة أهمية إضافية لكون تأييد التيار الصدري للمالكي هو ما رجح كفته لرئاسة الحكومة.