تأخير البيوت الجاهزة والجسور في الهواء والمواد الغذائية مؤجلة إلى رمضان وقطر تصرف الأموال
هل ثمة قرار سياسي لدى الرئيس فؤاد السنيورة وفريقه السياسي بمعاقبة الجنوبيين عبر تأخير عملية إعادة الإعمار وعرقلتها؟ أم أن هناك قراراً بابتزاز القوى السياسية المعارضة من باب المساعدات وربط المباشرة بإيصالها للناس بتنازلات سياسية؟ وهل إن الدول العربية التي اعلنت عن مساعدات بأرقام كبيرة اكتفت بمواقف إعلامية؟
يوماً بعد يوم تتكشف الفضائح الحكومية في هذا المجال. ولولا الجهود المحلية والخاصة التي تنشط جنوباً وبقاعاً وفي الضاحية الجنوبية، لكان الركام يملأ المكان حتى اللحظة. لكن رئيس الحكومة لا يزال يهتمّ بأمر واحد فقط وهو تحصيل كل انواع المساعدات المالية والعينية لحساب الهيئة العليا للاغاثة، وإخضاع كل ملف الاعمار الى وصايته المباشرة التي تنسحب على فريقه السياسي الذي يستعد لأمرين: الاول يخص تحويل المواد الغذائية الى برامج تخص تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحتى القوات اللبنانية، لتوزيعها في شهر رمضان. والثاني يخص الاموال التي يصرّ النائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع على توزيعها مناصفة بين إعمار المناطق المنكوبة بالعدوان وملف المهجرين في الحرب الاهلية.
ومع ذلك، فإن النقاش الذي شهده الاجتماع الوزاري برئاسة السنيورة وحضور المعنيين بأعمال الاغاثة، قد كشف عن “فوضى وتسيّب وفقدان القدرة على ادارة الامور” كما عبّرت شخصية بارزة من الحضور وقالت: “نحن امام حكومة بالها مشغول بمتابعة الاهداف السياسية للعدوان لا بإزالة آثار هذا العدوان”.
ومرة جديدة قال رئيس الحكومة لسائليه، إن هناك عروضاً كبيرة بمساعدات مالية، لكن صناديق الدولة لم تتلقّ الى الآن سوى 124 مليون دولار اميركي فقط، وإن العقبات امام توزيعها تتصل بعمليات المسح الدقيقة. لكن ذلك لم يخف أن الامر يتصل بمشكلة اخرى، هي أن السعودية اجّلت قرار إرسال الأموال حتى تتأكد من حصول تفاهم سياسي. وعلم في هذا الاطار، أن اجتماعاً عقد بين السفير السعودي في بيروت عبد العزيز خوجة وبين المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل في حضور احد الاصدقاء. ودار في الجلسة نقاش حول الاوضاع في لبنان مع تبادل “للعتب بشأن المواقف التي رافقت العدوان الاسرائيلي”، لكن السفير السعودي “ألحّ على ضرورة تجاوز التوترات السياسية القائمة، وقال إن الرياض تدعم معاودة الحوار على كل الصعد. وتمنّى على الخليل الاجتماع بالنائب سعد الحريري قريباً” وهو الامر الذي لم يُتفق عليه بعد.
المساعدات العربية
أما على صعيد المساعدة القطرية، فقد تبلغ رئيس الحكومة رفض قطر رسميّاً طلبه تحويل المساعدات الى صندوق الهيئة العليا للإغاثة لتتولى بنفسها صرف هذه الاموال بالطريقة التي تراها مناسبة. وباشرت الجهات المكلفة من الحكومة القطرية العمل على التعويض على أصحاب البيوت المتضررة أو المهدمة بالدفع مباشرة، وأجرى مكتب استشاري وهندسي تابع للوفد القطري الموجود في لبنان، احصاء للأضرار. وتقرر ارسال وفود من هؤلاء ليفتحوا مكاتب خاصة في القرى المقرر التعويض عليها، والتعاون مع موظفين من مجلس الجنوب. وتشمل العملية نحو سبعة آلاف منزل مهدم ومتضرر في بنت جبيل وعيناتا وعيتا الشعب والخيام، إضافة إلى المدارس العامة والخاصة مع تجهيزاتها الكاملة، وكل ما يتصل بالبنى التحتية من شبكات الصرف الصحي والمياه والهاتف، بالتنسيق مع ادارات الدولة، بالاضافة أيضاً الى جميع دور العبادة في كل الجنوب.
على صعيد مساعدة دولة الامارات العربية، تبيّن انها بعثت برسالة تعرب فيها عن استعدادها لتقديم هبة لإعادة إعمار مدارس الجنوب ومستشفياته وترميمها، وبناء 3 مستشفيات، وتعويض صيادي الاسماك في الاوزاعي. هذه الرسالة وصلت الى الحكومة وبقيت 15 يوماً من دون الرد عليها. وقد تدخل الرئيس نبيه بري 3 مرات ضاغطاً على السنيورة لإنجاز الأمر. ومع أن الهدف الإماراتي كان ترميم المدارس قبل بدء العام الدراسي، فإن التأخير الذي يقول معارضون للحكومة إنه متعمد من السنيورة، هو الذي أخر دفع التعويضات الاماراتية الى اليوم. وأُعلن أن ابو ظبي ارسلت الى الهيئة العليا للاغاثة مبلغ عشرة ملايين دولار اميركي ثمن الكتب المدرسية لطلاب المدارس الرسمية للعام الدراسي المقبل.
وتبيّن أن السنيورة تحفّظ عن مساعدة مباشرة من تركيا لإعمار قريتين في الجنوب. كذلك يجري تأخير دراسة حاجات مساحات من الاراضي في عدد من القرى، حيث يفترض أن يوضع فيها نحو سبعة آلاف منزل جاهز بمساحة بين 50 و65 متراً مربعاً، وهو الامر الذي كان يفترض إنجازه خلال الاسابيع الفائتة لتوفير البنى التحتية من الكهرباء والمياه والصرف الصحي.
اما لناحية المساعدة الكويتية، فاقترح السنيورة على الكويت وضع حساب خاص باسم هيئة الاغاثة الكويتية يكون ضمن حساب الهيئة اللبنانية. ثم طلب السنيورة من الكويت عدم حصر وجهة إنفاق مساعدتها في ملف العدوان، طالباً توسيع صالون الشرف وتحسين المطار بجزء من الهبة الكويتية البالغة 300 مليون دولار.
وقال مسؤول مالي دولي شارك في جانب من هذه المحادثات، إن السنيورة يريد استخدام المساعدات المالية لسد العجز في الدين العام، وهو الامر الذي لم توافق عليه العديد من الهيئات الدولية والعربية الخاصة، لأنها لا تثق بالسياسة الاصلاحية للحكومة من جهة، كما أنها لا تثق بأن الاموال ستصل الى المتضررين.
فضيحة الجسور
وفي السياق نفسه، لم تُعط بعد الأوامر للبدء بإعادة إعمار خمسة أو ستة جسور رئيسية في الجنوب وأخرى جانبية في الجنوب وحاصبيا. ولما أثار وزير الاشغال محمد الصفدي الأمر في جلسة الامس، لم يلق اي جواب من رئيس الحكومة.
و كشف مصدر مطّلع في وزارة الأشغال العامة لـ “الأخبار” أن ورقة تفاهم تمّ التوصل اليها بين الوزارة ومجلس الإنماء والإعمار، تقضي باقتسام عملية بناء الجسور بينهما، بحيث يتولّى المجلس الاهتمام بالجسور القائمة على الطرق الدولية وتتولى الوزارة الجسور الأخرى القائمة على الطرق الداخلية الرئيسية والثانوية والمحلية. وقال المصدر: إن مذكرات اخرى بوشر توقيعها بين بعض الواهبين والوزارة، وخصوصاً اولئك الذين أنجزوا وضع الدراسات الخاصة بالمواصفات الضرورية من مراكز دراسات هندسية مصنفة، ونالت موافقة المراجع المختصة في المجلس والوزارة.
وكشفت المصادر عن عينة من السلوك الرسمي مع الواهبين، منها ما يجري مع بنك بيبلوس إذ إن الفريق الهندسي في المصرف قدّر الأضرار اللاحقة بجسر الفيدار بـ 2,5 مليون دولار، ولما استشار وزارة الأشغال، قيل له إن الكلفة التقريبية هي 3,5 ملايين دولار، أما تقدير مجلس الإنماء والإعمار فبلغ 5,5 ملايين دولار.
كذلك علم أن أحد الجسور كان ملزّماً في السابق بمبلغ معين، وهناك شركات ومتعهدون يريدون التبرع ببناء هذا الجسر طلبوا تزويدهم الخرائط والتكاليف اللازمة، لكن الحكومة لم تعطهم شيئاً مما طلبوا، بل تمّ الضغط عليهم لتلزيم هباتهم للمتعهدين السابقين أو دفعها مباشرة الى الهيئة العليا للإغاثة. ويعود السبب الى أن التكلفة التي صرفت آنذاك على هذا الجسر تفوق كثيرا تكلفته الحقيقية.
التموين الغذائي: الفضيحة المتنقلة
اما بشأن المساعدات الغذائية المباشرة، فعُلم أن السعودية ارسلت 350 الف حصة معلّبة بصورة تامة. وطلبت الهيئة المعنية أن توزع على المتضررين من النازحين وعلى الفقراء أيضاً. وقد لزّمت الوجبات الساخنة لمطاعم من فريق سياسي معين. وقدّمت هذه الوجبات باسم تيار سياسي تابع للاكثرية. كما وضعت جانباً كميات كبيرة من المساعدات الغذائية لتوزع في شهر رمضان على محازبي هذا التيار.