فتفت يتراجع وجزّيني لا يعتذر ومشكلة الفرانكوفونيّة تتفاقم ولحّود يرفض المناقلات القضائيّة
لم يكد زعيم الاكثرية سعد الحريري ينهي خطابه الناري، خارقاً الهدنة الرمضانية وفاتحاً الباب امام جولة سياسية حامية، حتى كان رئيس حكومة الاكثرية فؤاد السنيورة يستجيب لمطالب المعارضة التي قدمها إليه رئيس المجلس النيابي حيث تمت تسوية وضع الامن العام، على قاعدة إلغاء كل ما قرره وزير الداخلية بالوكالة احمد فتفت، بينما كانت مؤسسة اخرى تقع في دائرة الاشتباك بعد إقرار مجلس القضاء الاعلى مشروع التشكيلات القضائية الذي يرفضه الرئيس إميل لحود الذي شن امس حملة قاسية على فريق 14 آذار الذي قرر المضي في معركة تهميش الرئاسة وتهشيمها من خلال حضور القمة الفرنكوفونية بعد كل “البهدلة” التي تولتها فرنسا وفريق الاكثرية من خلال تجاهل موقع الرئاسة في الدعوات الموجهة لحضور القمة.
وبعد يومين على خطابي وليد جنبلاط وسمير جعجع اطلق الحريري سلسلة من المواقف في رد مباشر على خطاب الامين العام لـ“حزب الله” السيد حسن نصر الله، موصداً ابواب الحوار فأعلن رفضه تغيير الحكومة ودعمه لرئيسها فؤاد السنيورة، وإذ لاحظ ان “في لبنان جريمة كبرى ارتكبها اولمرت فيما هناك من يريد محاسبة فؤاد السنيورة والإعدام السياسي له”، قال إن فؤاد السنيورة “لا يمثل نفسه بل 14 آذار مجتمعاً، وهو يتحمل المسؤولية الوطنية كاملة ويدافع عن كرامة لبنان وخاض أشرس معركة ديبلوماسية حركت المجتمع الدولي وأعادت جميع أشقاء لبنان وأصدقاء لبنان”.
وقال: “ان بعض ما سمعناه اخيراً يشكل لكثيرين من اللبنانيين ترجمة محلية غير مقبولة لخطاب بشار الأسد، بدءاً من اختزال الانتصار، مروراً بالدعوة الى إسقاط السلطة اللبنانية، وصولاً الى تخوين وتأنيب قيادات العرب وجيوش العرب، والأشقاء الحقيقيين الذين وقفوا مع لبنان ودعموه بالفعل لا بالقول. وهذه المفاهيم خطيرة جداً جداً لأنها مستوردة من ريف دمشق”.
واعتبر الحريري (الذي لم يأت على ذكر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولا على ذكر التقرير الصادر عن لجنة التحقيق في الجريمة) ان حرب 12 تموز كانت “كارثة حقيقية وسّعت نطاق الاحتلال، وزادت عدد الأسرى، وجاءت بالجحافل والأساطيل التي يعترضون عليها من كل أنحاء العالم”. وقال: “هل المطلوب رأس أولمرت أم رأس السنيورة؟ هل المطلوب مزارع شبعا أم السرايا الحكومية؟ هل المطلوب قوة ردع للعدوان الإسرائيلي أم قوة ردع للحكومة اللبنانية؟”.
واعتبرت مصادر في كتلة المستقبل النيابية ان كلام رئيس الكتلة سعد الحريري هو “أقل ما يمكن ان يقال” بعد تصاعد حدة الاحتقان في الوسط السياسي، مضيفة ان النقطة المركزية هي تأكيد التزام التيار بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وتابع المصدر ان الكلام على تغيير حكومي بالوسائل الديموقراطية ذو شقين، الاول هو الوسائل الدستورية، “وفي المعارضة يعلمون ان التغيير الدستوري غير متاح امامهم” واما الشق الثاني فهو التغيير عبر الشارع، وهنا نصل الى معادلة شارع مقابل شارع.
وقال المصدر ان من يطلب تغييراً حكومياً لم يطرح برنامجاً سياسياً للحكومة التي يريدها بل طالب بإدخال العماد ميشال عون الى الحكومة الحالية او التي يزمع تشكيلها لا اكثر، “ولا يمكن ان يكون حزب الله داخل الحكومة ويطالب بتغييرها، والمنطق يقول بأن يُخرج وزراءه اولاً من الحكومة وليطالب بتغييرها بعد ذلك”.
وفي وقت سابق كان رؤساء الحكومة السابقون قد اصدروا مذكرة تفاهم شددوا فيها على أن “الحرب على لبنان كانت مدبّرة... ولو لم تكن ذريعة الأسيرين لاختلقت اسرائيل سواها”. ورأوا ان انتصار المقاومة “كان مبيناً في مواجهة أعتى قوة في المنطقة ومن ورائها أعظم قوة في العالم”. ورأى الرؤساء اثر اجتماعهم في منزل الرئيس سليم الحص ان “انتشار الأساطيل في المياه الاقليمية اللبنانية لا داعي له ما دام الشاطئ تحت السيطرة الأمنية اللبنانية”. وأكدوا “اننا نخالف رأي من يقول ان سلاح المقاومة وجد ليبقى (...) وهذا ينسجم مع موقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله”. ورأوا أن “حل مسألة رئاسة الجمهورية يقتضي استصدار قانون انتخاب جديد عادل يعتمد النسبية وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”. وشددوا على “تصحيح العلاقة مع الشقيقة سوريا والارتقاء بها الى مستوى التميز على أساس الاحترام المتبادل” و“الاتفاق على صيغة فاعلة للمحكمة ذات الطابع الدولي”، ودعوا الى “قيام حكومة اتحاد وطني موسعة تكون بمثابة المؤتمر الدائم للحوار الوطني”.
تراجع فتفت
وليل امس انهى الرئيسان بري والسنيورة “ازمة الأمن العام” بالاتفاق في ما بينهما على آلية تقضي بإلغاء فتفت كل القرارات الادارية الصادرة عنه والتي لا تعد قانونية ومخالفة للدستور، وعلى قاعدة اتفاق متكامل يقول بقيام المدير العام للأمن العام اللواء وفيق جزيني بزيارة اليوم الى الوزير فتفت ليعملا على تهدئة الامور دون ان يقدم أي اعتذار كما كان يريد فتفت، يتبعها استدعاء الرئيس السنيورة جميع قادة الاجهزة الى اجتماع في مكتبه الجمعة لأجل فتح نقاش حول افضل السبل للتنسيق بين جميع الاجهزة الامنية دون أن يؤدي ذلك الى الاعتداء على صلاحيات اي جهاز. كذلك جُمد مشروع التشكيلات التي كان فتفت يريدها في الامن العام والتي تشمل 160 ضابطاً، ليعاد درسه بالتوافق بين جميع المعنيين.
وكانت ساعات صباح امس قد حملت اتفاقاً من ثلاثة بنود ثم توقفاً للاتصالات مع بلوغ الاجواء مستوى شديد السلبية عندما اصر فريق الاكثرية على تقديم جزيني اعتذاراً علنياً ما دفع بري الى قطع الاتصالات والى التلويح بالخروج فوراً من الحكومة، ثم ما لبث ان تولى الوزير غازي العريضي جانباً من هذه الاتصالات مكلفاً من الحريري والسنيورة، قبل ان ينتقل الاخير الى عين التينة للقاء الرئيس بري بعدما عقد اجتماعاً قصيراً مع الحريري بعد مأدبة الافطار التي اقيمت في قريطم.
وكان فتفت قد اصر على صيغة عقابية لجزيني بأن يزور وزير الداخلية “ليعتذر” ومن ثم يطبق قرار تجميد صلاحياته ولو ليوم واحد تمارس أثناءه المديرة العامة بالوكالة العميدة دلال الرحباني مهماته، وعندها يعلن فتفت التراجع عن قراراته ومن ثم تعقد الاجتماعات الأمنية فور عودة السنيورة من بروكسل لترتيب صيغ التنسيق بين الأجهزة الأمنية، بالإضافة الى تطبيق التشكيلات الأمنية التي وضعها فتفت لضباط الأمن العام كما هي من دون اي تعديل.
وكان بري قد تجاوب مع مساعي التهدئة وألغى لقاءً كان مقرراً مع نقابة المحررين كان سيشهد مواقف نارية على اكثر من مستوى.
الفرنكوفونية والتشكيلات القضائية
في هذه الاثناء اقر مجلس القضاء الاعلى مشروعه للتشكيلات والمناقلات القضائية بالإجماع وأرسلها الى وزير العدل شارل رزق، فيما اعلنت مصادر قريبة من الرئيس اميل لحود انه غير موافق على ما يعرض عليه وانه سياخذ كل وقته لدرس المشروع قبل ان يوقع عليه، ولن يوافق على مناقلات من شأنها هز التوازن الطائفي والمذهبي.
وعلى جبهة اخرى كان الرئيس لحود يواجه قرار إبعاد الرئاسة الاولى وهو شخصياً عن القمة الفرنكوفونية وأعلن ان لبنان غير ممثل فيها رغم اعلان الرئيس السنيورة انه كلف الوزير طارق متري تمثيله في القمة. وقال متري لـ“الأخبار”: انه عضو حكمي في المجلس الوزاري الفرنكوفوني وله مقعده في المجلس، الذي غاب عن اجتماعاته بفعل البلبلة التي أحدثها الانقسام الرسمي على المشاركة في القمة أو عدمها. وقال متري: ان القمة الفرنكوفونية هي قمة رؤساء الدول ورؤساء الحكومات الفرنكوفونية في آن واحد، وما دامت الدعوة لم توجه الى رئيس الجمهورية بل الى رئيس الحكومة مما يعني ان له مقعدا في المؤتمر، سأشغله بالطبع، وعلى كل حال لا اعرف كيف ستوزع الكراسي هناك.