صام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، دهراً عن ذكر فلسطين والقدس وقضيتهما، إلى أن نطق أخيراً. وبعد ثلاث سنوات من انتظار الأمير الشاب كي يعلن مواقفه صراحة من القضية الفلسطينية، أخرجت زيارته الأميركية هذه المواقف إلى العلن، لتأتي مفاجئة للجميع، بمن فيهم رئيس تحرير مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية جيفري غولدبرغ، الذي نقل موقف ابن سلمان من «دولة قومية للشعب اليهودي على أرض أجداده»، معلقاً عليه بالقول: «لم يعترف أي زعيم عربي بهذا الحق»، إذ أعرب ابن سلمان في رده على سؤال المجلة عن اعتقاده «بأن كل شعب، في أي مكان، يملك الحق بالحياة في دولته الخاصة»، بمن فيهم الفلسطينيون والإسرائيليون.ينفي ولي عهد السعودية وجود أي مشكلة مع اليهود، الذين يوجد بعضهم في بلاده آتين من أوروبا وأميركا، وينفي وجود حواجز عقائدية دينية تحول دون قبول حق إسرائيل في الوجود، وكل ما لديه من اعتبارات دينية هو عبارة عن «قلق» بشأن المسجد الأقصى، لا القدس كاملة، إلى جانب «قلق» حول «حقوق الشعب الفلسطيني». غولدبرغ، الذي التقى ابن سلمان عند أخيه السفير خالد بن سلمان، خارج واشنطن، يرى أن الأمير «لا يتفوه بكلمة سيئة» حول إسرائيل طوال حديثه. رؤية ابن سلمان تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية، تتضمن كذلك حماسة مرتفعة تجاه توقيع سلام علني مع تل أبيب، فبالنسبة إلى ابن سلمان «بالطبع لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع إسرائيل إن كان ثمة سلام، سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول كمصر والأردن»، مغازلاً إسرائيل التي يرى أن لديها «اقتصاداً كبيراً مقارنة بحجمها، وهو اقتصاد متنام».
غولدبرغ: الأمير لا يتفوّه بكلمة سيئة حول إسرائيل


هذه المواقف التي يمكن وصفها بـ«الإيجابية» تجاه إسرائيل، لا تنسحب على الموقف من إيران وقطر، وكذلك من «الإخوان المسلمين» أحد أضلع مثلث الشر إلى جانب ضلعَي «الحركات السنية الإرهابية» وإيران، وفق ما جاء في مقابلته التي حاول أن تكون محطة أخرى من محطات «التحشيد» ضد طهران، كما دأب في الأسابيع الثلاثة الماضية. ومقابل سيناريو السلام الواعد مع إسرائيل، يتحدث ابن سلمان عن سيناريو حرب مع إيران يحاول تجنبه بالسياسة، فالمشكلة مع الجمهورية الإسلامية بحسب ابن سلمان «مشكلة أيديولوجية»، وهو يرى أن المرشد الإيراني علي خامنئي «يجعل هتلر يبدو جيداً». فالأخير أراد السيطرة على أوروبا، أمّا خامنئي فيريد غزو العالم! وقال ابن سلمان إن لدى بلاده حساسية تجاه ما يتهدد أمنها القومي، إذ إنها لا تجاور بلداناً كالمكسيك وكندا، إنما لديها «داعش والقاعدة وحماس وحزب الله والنظام الإيراني».
مقابلة ابن سلمان، التي برزت فيها التصريحات بشأن إسرائيل والفلسطينيين، تطرقت باستفاضة إلى جملة مواضيع حساسة كان للأمير السعودي مواقف بشأنها في زيارته للولايات المتحدة، من بينها الوهابية ودعم الإرهاب وآل الشيخ. وعلى الرغم من اعتبار المحاور أن ابن سلمان يتهرب في بعض الأحيان من الإجابة عن بعض الأسئلة، من بينها تشريع الانتخابات، فإن قدراً من الصراحة تضمنته المقابلة في ختام زيارته الأميركية الطويلة التي امتدت إلى ثلاثة أسابيع. يطلب ابن سلمان من محاوره الأميركي أن يعرّف له الوهابية، فهي ليست شيئاً موجوداً في نظره، وأما محمد بن عبد الوهاب، فهو ليس سوى أحد النخب في الجزيرة العربية التي استعان بها جده ابن سعود لإقامة دولته. وآل الشيخ اليوم عائلة مشهورة، لكنها مجرد عائلة من بين عشرات الآلاف من العائلات المهمة في المملكة، مقللاً بذلك من أهمية آل الشيخ على خلاف التاريخ الرسمي الذي يدرس في المملكة حول أحفاد ابن عبد الوهاب، والعقد التاريخي بين آل الشيخ وآل سعود، الذي ابتنت عليه مملكة ترفع شعار «كلمة التوحيد» بجانب السيف، علم السعودية الحالي، الذي يشير إلى التزاوج التاريخي بين العائلتين السياسية والدينية.
مواقف اتسقت مع الرؤية الجديدة لمملكة ابن سلمان، حيث بدا مصراً على ترسيخ الصورة «الإصلاحية» لشخصيته بنظر العالم، وهو يستفيض في التأكيد على أن مشروع السعودية يبتني على المصالح الاقتصادية لا على الأيديولوجيا. وكرر حديثه حول دعم الحركات الإرهابية، مضيفاً إليها «الإخوان المسلمين»، في حقبة الحرب الباردة، لمحاربة «خطر أكبر» يتمثل بالشيوعية. ويعترف ابن سلمان بأن بلاده مولت هذه الحركات وحاولت إدارتها «ولو عاد بنا الزمن لفعلنا الأمر ذاته».



يحلم بغزو الفضاء!
من شرق الولايات المتحدة، حيث عواصم القرار السياسي، إلى غربها، حيث العواصم الاقتصادية، ينتقل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليحل ضيفاً على كبريات الشركات، التي شرّعت أبوابها له متلهفة لمشاريعه الاستثمارية، وآخرها في «فيرجن غالاكتيك» وميناء «موهافي» للطيران والفضاء في كاليفورنيا. وهناك التقى مؤسس مجموعة «فيرجن» البريطاني ريتشارد برانسون، واطلع على الصناعات المتقدمة؛ من بينها مركبات فضائية تجارية وخطط لإطلاق مركبة فضائية يمكنها مراقبة الكرة الأرضية، ونظام «هايبر لوب» للنقل عالي السرعة بين المدن، وحجرات وقود الطائرات الحديثة. وبحسب وكالة الأنباء السعودية، تباحث الطرفان سبل تطوير الاستثمارات، وخصوصاً في مجال «الخدمات الفضائية»، وفرص تدريب السعوديين على التقنيات الحديثة.
شغف الأمير «الإصلاحي»، كما تصوّره الحملات الدعائية المرافقة للزيارة هذه الأيام، بالتكنولوجيا والتطور بلغ أمس حد التعبير عن حلم «غزو الفضاء» من صحراء كاليفورنيا، برغم أن الجهود السعودية لم تقنع الكثيرين من الرأي العام الأميركي، سواء على الصعيد الإعلامي أو الحقوقي. فبحسب الكاتب جوش وود، اتسمت جهود الترويج للأمير السعودي بـ«الخفة»، فيما لا يكترث المواطنون الأميركيون للمجلات واللوحات والرسائل المفعمة بالدعائية، والتي تحوم شبهات حول من يقف وراء تنظيمها.


الفضاء أقرب من بغداد!
السهولة في أن تشرع أبواب «هوليوود» و«ناسا» ووادي السليكون ومصانع الفضاء في كاليفورنيا أمام الضيف القادم من الصحراء العربية البعيدة، فقط لأن جيوبه ملأى بالأموال، لا يبدو أنها بالقدر نفسه لدى جيران العرب القريبين من ولي العهد، كما حل بمشروع زيارة العراق. إذ حسمت بغداد، أمس، الكثير من التكهنات بشأن زيارة ولي العهد السعودي لها قريباً، بعد جملة تسريبات قوبلت بتحركات شعبية رافضة للزيارة. وقال رئيس الوزراء حيدر العبادي إن الحديث عن الزيارة «لا أساس له»، معتبراً أن «البعض روّج لها لإيجاد صراع واختلاف داخلي»، في إشارة إلى الحملات الشعبية والسياسية المناهضة للزيارة على نطاق واسع، والتي بلغت ذروتها مع تظاهرات احتجاجية شهدتها العاصمة بغداد، في الأيام الماضية.
في الوقت نفسه، نفت وزارة الخارجية السعودية الأنباء حول الزيارة، في تغريدة لحساب الوزارة على «تويتر»، جاء فيها: «لا صحة لما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن زيارة ولي العهد لجمهورية العراق الشقيقة». وكان لافتاً أن النفي الرسمي الذي تأخر من الجانبين، وتعارض مع تصريحات سابقة لمسؤولين من البلدين، ترافق مع زيارة قام بها رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، الأحد، للسفير السعودي في بغداد عبد العزيز الشمري.
الزيارة التي أتت من خارج الأعراف الدبلوماسية وعلى عكس المعتاد، بأن يزور رئيس برلمان سفارة دولة لدى بلاده، بدت أنها محاولة للوقوف على خاطر السعوديين، واستجداء تفهّم لقرار العراق بإلغاء الزيارة تحت وطأة الضغوط الشعبية.