ماذا لو لم يُخطف التركيان، قبطان الطائرة ومساعده؟ هل كانت ستتحرك قضية مخطوفين أعزاز التسعة على النحو الذي شهدته؟ لا شيء يُبرر الخطف، لكن من يمكنه القول ان الخطف المضاد لم يُحرّك المياه الراكدة في القضية المماطل فيها منذ نحو 15 شهراً؟ قبل 8 أيام، أصدرت الجهة الخاطفة بياناً، فُهم منه انها لا تريد الإفراج عن المخطوفين، ولا حتى عن اثنين منهم. فهم أهالي المخطوفين، ومعهم مسؤولون أمنيون وسياسيون، أن القضية وصلت إلى حائط مسدود. وفت السلطات السورية بوعدها، نسبياً، وأفرجت عن نحو 30 امرأة من اللواتي طالبت بهن الجهة الخاطفة. ولكن يبدو أن التعاون السوري الرسمي أحرجهم.

ذيلوا بيانهم الأخير بعبارة: «التفاوض مع نظام الاسد لا يجري الا مع اللجنة الدولية المتفق عليها». هذه اللجنة برعاية الدولة التركية. لا جديد في هذا. التفاوض أصلاً كان مع الجانب اللبناني، ممثلاً بالمدير العام للأمن اللواء عباس إبراهيم، ووزير الداخلية مروان شربل. إبراهيم وشربل ذهبا قبل أشهر إلى تركيا واجتمعا بممثلي الاستخبارات التركية والخاطفين. بعد البيان الأخير فهم كثيرون، في بيروت، أن «تركيا تقف وراء المماطلة، لسبب غير مفهوم».
فجر الجمعة الماضي، اعترض مسلحون، كانوا على متن سيارة صغيرة وأخرى رباعية الدفع، باصاً على جسر الكوكودي كان في طريقه من المطار إلى منطقة عين المريسة. أوقفوه وخطفوا قبطان طائرة ومساعده اللذين يعملان في شركة الطيران التركية. الخاطفون تركوا باقي ركاب الباص، وهم الطاقم الكامل للطائرة التركية. أهالي المخطوفين رحبوا بالعملية من منطلق «التضامن» مع قضيتهم، في مقابل عدم تبنيها. مكان المخطوفين التركيين، مراد اغبينار ومراد آغا، غير معروف بعد. الجهة الخاطفة ما زالت غامضة. عرّفت عن نفسها، في بيان، بأنها «مجموعة زوار الرضا».
خلال الأيام الثلاثة الماضية، كثفت السلطات التركية اتصالاتها بالسلطات اللبنانية لضمان سلامة مواطنيها. الخارجية التركية طلبت من الرعايا الأتراك مغادرة لبنان. ليست المرة الأولى التي تطلب فيها ذلك، خلال الأشهر الـ 15 الماضية، بعد حصول عملية خطف سابقة لتركيين أيضاً، وسلسلة تحركات أهالي المخطوفين في أعزاز ضد المصالح التركية في لبنان.
لماذا فشلت المفاوضات التركية ــــ اللبنانية ــــ «الأعزازية»؟ مصادر معنية أكدّت لـ «الأخبار» أن الأتراك «بدوا في الآونة الأخيرة غير جديين، كأنهم كانوا يريدون تحقيق شيء ما، ولم يحققوه، وبالتالي لم يفوا بوعودهم». وتضيف: «سابقاً رفضوا الصفقات التي عرضت، لأنهم ما كانوا يريدون للحكومة، قبل استقالتها، أن تستفيد منها إعلامياً. لهذا لم يتعاطوا على نحو جدي مع اللجنة الوزارية المختصة. عجزنا عن إرضاء الخاطفين، ماذا يريدون؟ لا نعلم». يأتي هذا الكلام في السياق نفسه لكلام وزير العمل سليم جريصاتي، المتحدث باسم اللجنة الوزارية المكلفة متابعة قضية المخطوفين، إذ قال: «بمعزل عن خطف الطيارين، فإن على تركيا ان تأخذ في الاعتبار ان الامر جدي، وان خطف اللبنانيين في اعزاز لا يمكن السكوت عنه بعد اليوم». ربما يكون التصريح، لبنانياً، هو الأصرح على الإطلاق منذ بداية القضية.
إلى ذلك، علمت «الأخبار» من مصادر متابعة أن قضية المخطوفين «أصبحت بيد السعودية تماماً، ولم يعد القرار للأتراك أو القطريين. المسألة الآن بيد رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان، وبيده مفتاح الحل والعقد». في هذا الإطار، تردد أن ثمة من يستعد للتواصل مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لقربه من السعودية، بغية التوسط في إيجاد حل للقضية.
مساء أمس، أوقفت القوى الأمنية ابن شقيق أحد المخطوفين في أعزاز، محمد علي صالح، بتهمة تورطه في عملية خطف التركيين. إثر شيوع الخبر، هدد الأهالي بالنزول إلى طريق المطار لقطعه حتى الإفراج عن الشاب، لكنهم قرروا التروّي بعد اتصالات. أحد أقرباء الموقوف أكّد لـ «الأخبار» أن الأخير «لم يكن في بيروت يوم حصول عملية الخطف، ولا علاقة له بها، وقد أوقف أثناء عودته من منطقة الشوف مع أصدقاء له، لكن الأمنيين اشتبهوا فيه، بحسب ما قالوا له، بسبب رصد هاتفه الذي وجد فيه تهنئة بنجاح عملية الخطف».
تدخل قضية مخطوفي أعزاز مرحلة جديدة. مرحلة تشبه في الظاهر ما حصل سابقاً، يوم خطف بعض من آل المقداد، وسواهم، تركيين أيضاً لمبادلتهما باللبنانيين. آنذاك أعيد التركيان إلى بلدهما، وزج بآل المقداد في السجن، ولم تنجح الدولة، بمعية الأتراك، سوى باستعادة لبنانيين اثنين من أصل 11. آنذاك قال الأهالي: «لقد ضحكت تركيا علينا وعلى لبنان كله، ربما كان علينا خطف 11 تركياً حتى نستعيد الـ 11 لبنانياً» هؤلاء يأملون، اليوم، من الدولة اللبنانية إدارة المفاوضات بطريقة ذكية، تُحسب فيها مصلحة «لبنان أولاً».



الخاطفون مستعدون للتبادل؟

في وقت متأخر من ليل أمس، صدر بيان عن «لواء عاصفة الشمال في أعزاز» بشأن المختطفين اللبنانيين التسعة لديه، جاء فيه: «قيادة اللواء هي المتصرفة في هذا الملف، ولا وصاية لجهة دولية أو محلية في هذا الأمر، وقيادة اللواء على استعداد لإطلاق الدفعة الأولى مقابل 127 معتقلة في وجه السرعة. لا شيء نفاوض عليه غير إطلاق المعتقلات. التفاوض لن يتم إلا عن طريق اللجنة الدولية المكلفة هذا الأمر». وأضاف البيان، الذي نُشر على الصفحة الخاصة بالجهة الخاطفة على موقع «فيسبوك» إنه في الماضي «أبلغنا الوفد اللبناني عن طريق الأتراك بقبول إطلاق 127 معتقلة فقط من أصل 500»، لكنهم في المقابل يتهمون الطرف الآخر بـ«المماطلة». هكذا، تحصر هذه الجهة مطالبها بـ«تحرير المعتقلات» اليوم، وهذا المطلب عمره بضعة أشهر فقط، من دون أن تُبرر الإبقاء على المخطوفين أكثر من سنة من دون أي طلب واضح في السابق!