يشكل التفجيران الانتحاريان اللذان استهدفا السفارة الايرانية في بيروت، عودة غير ميمونة لاستخدام الإرهاب في العلاقات الدولية. وهي مجرّد بداية؛ ضربة من بندر بن سلطان وجّهها إلى إيران في منطقة آمنة لحلفائها اللبنانيين. وفي المقام الثاني، هي استمرار للعمليات الإرهابية الموجّهة ضد الضاحية: حزب الله ومناطقه وجمهوره وحلفاؤه مهددون في كل مكان. لبنان نفسه مهدّد بالتحوّل إلى «ساحة جهاد» لشبكات «القاعدة». أمير الإرهاب السعودي يسير في أكثر الدروب وعراً، ويتحدّى: أنا هنا! إسرائيل وراء التفجيرين؟
بالطبع، إنما بالمعنى السياسي فحسب. ليس لدى إسرائيل أي انتحاري، ولدى بندر الكثير منهم. السلاح السعودي السرّي المفضوح ،وإنما الفعّال، هو اليوم تحت تصرّف تل أبيب، في المعركة المشتركة ضد إيران: 65 في المئة من الاسرائيليين اليهود، يعارضون، وفق استطلاع للرأي نشرت نتائجه الجمعة الفائت، تسوية الملف النووي الايراني، وأكثر من 52 في المئة منهم يؤيدون «هجوماً إسرائيلياً على منشآت نووية إيرانية في حال تم إبرام (اتفاق سيئ) مع الإيرانيين يسمح لهم بمواصلة برنامجهم النووي». هذه أجواء حرب يكبحها الحليف الأميركي. وهو ما يعني أنها ستظل في إطار التهديدات التي تُظهر حجم الغضب الهستيري في إسرائيل، كما في السعودية، إزاء الاعتراف بالشراكة الدولية مع طهران المعادية للصهيونية. لكن، طالما لا بد من التصعيد، فالإرهاب جاهز! سيصدر «بندر بوش» أوامره التي تمرّ في شبكة معقّدة تنتهي بإرهابيين جاهزين للانتحار على بوابة سفارة «الروافض»، تماماً كما يحدث في العراق، وفي سوريا. ولن يتوانى سعد الحريري ــــ وطقمه ــــ عن توضيح الرسالة الإرهابية: هذا بسبب دعمكم للنظام السوري.
في الأوقات الحرجة قبيل التسويات، يتوقع أن تزداد التصريحات النارية، وروح العداء، والعمليات الإرهابية، وستضرب أهدافاً كان يُعتَقَد أنها خارج الاستهداف، لكن المرجح، الآن، أن التحالف السعودي ــــ الإسرائيلي سيستمر إلى ما بعد التسويات؛ لم يعد هناك ما يخسره «أمير الماضي». سيواصل... باسم السعودية، وباسم إسرائيل معاً.
يبحث بندر بن سلطان عن قصر في عمّان؛ يريد الإقامة في أقرب مدينة آمنة من ساحة الحدث السوري ــــ اللبناني، والعراقي، والتفرّغ لإدارة المجموعات الإرهابية شخصياً. فالمعركة حاسمة، وهناك الكثير من الأموال، والكثير من «المجاهدين» و«الانتحاريين»، وعلينا، إذاً، أن نخشى ونتحسّب، بينما ننتظر أن يتحول قصر الأمير المنتظَر في العاصمة الأردنية، إلى سكن في منفى اختياري. احترقت ورقة بندر في الولايات المتحدة، كما يمكن الاستنتاج من نص «التأبين» الذي كتبه كريستوفر ديكي، في صحيفة «ذا ديلي بيست» الأميركية، لرئيس الاستخبارات السعودية، «كبير الجواسيس في الشرق الأوسط».
ينقل ديكي عن المؤرخ الأميركي روبرت ليسي وصفه الموجز لبندر بأنه «لا يخجل ولا يخشى»؛ لقد كان مسؤولاً عن التخديم السعودي على حروب الإدارات الأميركية من نيكاراغوا إلى أنغولا ثم أفغانستان وحرب تحرير الكويت؛ كان يقاتل ضد الشيوعية والقومية العربية، ثم تخصص في القتال ضد الشيعة (كان يستغل ثقل السعودية لتحقيق انتصار إسرائيلي على حزب الله العام 2006)، رغم أنه يقاتل، على الصفة الأخرى، الإخوان المسلمين، السنّة، في مصر. يقول ديكي «كم دارت حوله الأنخاب»! طوال ثلاثين عاماً من الحضور «الساحر» في الولايات المتحدة التي لم تعد تراه الآن يلزمها. ليست معنية، بعد أن أصبحت المنتج النفطي الأول في العالم، بعمله المخلص لتنسيق زيادة ضخ النفط السعودي وبالتالي تخفيض الأسعار في زمن الأزمات، وليست معنية بتمويل العمليات السرية والحروب، ولا بمنحه فرصة أخرى في سوريا، «حيث ثبت أنه لم ينجز شيئاً»، بينما يسعى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لعقد سلسلة من الصفقات مع القوى الدولية والإقليمية، تتيح للأميركيين إعادة هيكلة الامبراطورية، وفق شروط المتغيرات وقواعد اللعب الجديدة.
السرّ الذي يعرفه الجميع هو وجود علاقات متعددة متداخلة بين الرياض والمنظمات التكفيرية الإرهابية على تنوّعها وتعدد أسمائها، وبين الرياض وبين تفجيرات بيروت وآخرها في بئر حسن أمس. وهو وضع لا يمكن أن يستمر؛ فالتصعيد السعودي ـــ الإسرائيلي، بإدارة «الجاسوس الأكبر»، سيصطدم، في وقت ما قريب، بحركة التسويات، ويضع واشنطن أمام خيارين، فإما التدخّل لإحداث تغيير عميق في السعودية، وفصم عرى التحالف بين الرياض وتل أبيب، وتأمين مناخ تصالحي في المنطقة، وإما العودة إلى المربع الأول للمواجهة التي أظهرت التطورات أنها تفوق القدرات الأميركية الراهنة.
نحن نعيش، اليوم، في خضم ردود الأفعال الهستيرية ـــ الدموية، لمملكة منبوذة، انتهت صلاحيتها وذهب ريحها، ولم يعد لديها مكان في التاريخ، سوى الوحل الصهيوني ـــ الإرهابي.
5 تعليق
التعليقات
-
ثقافة الاستلاب وسياسة القطيعثقافة الاستلاب التي تتبناها السعودية اليوم هي ذاتها ثقافة الإحباط نظراً لما ينتج عن الاستلاب من إحباط ، هذه الثقافة تؤدي إلى العمل بسياسة القطيع ، التي تظهر من خلال استلاب إرادة من يعملون على الأرض لدرجة كبيرة من قبل جهة ذات توجه تعصّبي متطرف يمثلها بندر ، وإذا سبرنا أغوار الأشخاص الممثلين لهذه الثقافة نجدهم قد انغلقوا على أنفسهم بصورة جامدة بالوقت الذي يكونون فيه غير قادرين على رؤية البدائل وهم بذلك يعطون مثالاً عن أكثر الفئات تعصباً ومقاومة للتغيير وللحلول السلمية ، لهذا فهم يجسدون حالات واضحة المعالم من الإحباط الشديد تفقدهم القدرة على تبيان بل تبنّي أية صيغة تفاوضية فاعلة فيزيدون تشددهم ، إضافة لأنهم يبررون أخطاءهم حتى ولو وصلت إلى درجة ارتكاب الجرائم في حالات معينة كما يحدث في التفجيرات والأعمال الإرهابية التي يقومون بها ويتبناها من يتبنوهم ويأتي من يبرر فعلتهم بأن يعزو السبب إلى فعل الآخر المتضرر ، حيث تمر هذه الحالات دون حساب غالباً لأنه لا يوجد من يحاسبهم وحتى دون اكتراث من بعض الأطراف الدولية وبشماتة إسرائيل ، وطالما أننا أطلقنا عليها ثقافة القطيع فإنها عندما تصل إلى الطريق المسدود في نهاية المطاف ستلجأ حتماً إلى التضحية بشخص أو بأمر أو بقضية ما لتضمن استمرار وجودها وبقائها على الساحة لذلك فسنجدها إن عاجلاً أم آجلاً لن تتوانى ولن تتأخر عن تقديم ما يسمى (بكبش الفداء) وفقاً لسياسة القطيع تلك ، وذلك يعني ليس تغيير السياسات فحسب بل يطال الأشخاص أيضاً .
-
تحالف ايتام العم سام (2)الواقع ان سوريا تمسك بالشريان الحيوي لكل من قطر والسعودية والاتحاد الاوروبي فيما يتعلق بالخطوط والخطط والخارطة المستقبلبةلهذه الدول الثلاث مجتمعة في محال الطاقة!,اذ يدون موافقة سورية على مرور هذه الخطوط سبتعطل بيع الغاز (الغير مسال) القطري وغاز الربع الخالي السعودي الى اوروبا(اقرأ ازمات اقتصادية مالية حادة في السعودية بعد انكفاء الطلب على النفط وازدياده على الغاز الغير مسال) , كما وسيجبر الاتحاد الاوروبي على شراء الغاز من مصادراخرى وبكلف اعلى بيئيا واقتصاديا كروسيا والولايات المتحدة! لهذه الاسباب نشأ "تحالف ايتام العم سام من الحرب على سوريا" , ومن المرجح ان يستمر هذا التحالف لفترة قبل ان تبتلعه الاوهام !
-
تحالف ايتام العم سامبالتاكيد -وكما هو وارد في مقالك استاذ ناهض -ان العم سام بات خارج اللعبة في الحرب على سوريا وذلك بعد ارتطامه اولا يحائط محور المقاومة المنيع والمسدود (بفضل الباطون الروسي),ولان العم سام صار ايضا قاب قوسين او ادنى من إزاحة آل سعود عن الصدارة!ولكن خروجه من اللعبة قد لايعني انه سيعترض على "مشاريع" ايتامه اللذين تلوح خسارتهم في الافق,واقصد ب "الايتام" هنا التحالف الثلاتي الناشىء بين الوهابية والصهيونية والقوى الاوروبية الاستعمارية والتي تقود الاتحاد الاوروبي حاليا (فرنساوبريطانيا). تدرك هاتين الدولتين الاستعماريتين ان خسارة الحرب على سوريا سيعني القضاء على امالهما بتمرير خطوط الغاز والطاقة من خلال سوريا باتجاه الاتحاد الاوروبي (تعتبر هذه الخطوط شريان حيوي بالنسبة لاوروبا لان ايصال الغاز الغير مسال عبر انابيب الى اوروبا ارخص بكثير من الناحيتين الاقتصادية والبيئية, كما وان شراءه من دول تساهم الشركات النفطية الفرنسية البريطانية في "ادارتها" (كقطر والسعودية)يعتبر افضل من حيث الاستقلالية للاتحاد الاوروبي في مجال الطاقة, اذ من الواضح ان اعتماد الاتحاد الاوروبي على مصادر تابعة ومرهونة له(الخليج) افضل من اعتماده على مصادر مستقلّة ومنافسة له (الولايات المتحدة !).
-
أستاذ ناهض...السعودية جلبتأستاذ ناهض...السعودية جلبت الى لبنان من خلال جماعتها الفساد المالي، والموت. فماذا ستجلب للأردن إذا وجد بندر قصراً وأتى بنفسه اليكم؟
-
بندر ورقصة الموت بندر يدرك أن مشروعه قد سقط. بذا ،فهو سيشعل ما أمكن من الحرائق قبل أن يرحل. قريبا جدا، لربما أوعز لأنتحارييه التوجه ألى طهران.