تونس| ثورة التونسيين من أجل الحرية لم تمرّ مرور الكرام على نظام معمر القذافي الذي ارتعدت فرائصه لمّا بلغه نبأ فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي. القذافي، الذي كان أسرع رئيس دولة يعلّق على الثورة التونسية حين عبّر عن «حزنه» لكيفية خلع الرئيس التونسي بهذه الطريقة، سرعان ما استهزأ بثورة التونسيين، وهو الذي كان يدرك ضمنياً أن رياحها ستعصف بأقدم دكتاتور في المنطقة عاجلاً أو آجلاً.
الأمر لم ينتظر سوى بضعة أسابيع حتى خرجت الجماهير الغاضبة للمطالبة بتنحيته. وكعادته، وزّع الزعيم الليبي تهم إشعال الثورة يميناً وشمالاً. اتهم الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر وبن لادن وجماعته ومن سماهم «شباناً لا ذنب هم يقلّدون ما جرى في تونس ومصر»، و«مجموعة قليلة مريضة مندسّة في المدن تعطي الحبوب والنقود لهؤلاء الشبان الصغار اليافعين وتزجّ بهم في هذه المعارك الجانبية».. لتنطلق لاحقاً موجات الملاحقات والمطاردات بحق المهاجرين العرب، بعدما سبق ذلك تحذير سيف الإسلام القذافي الليبيين من أنه «في حال عدم الاستجابة لمطالبه، فإن في ليبيا مصريين وتونسيين يحملون أسلحة ويتقاسمون البترول الليبي معهم، وأنهم سيضطرون إلى الهجرة خارج ليبيا». إشارة كانت كافية ليفتح باب الجحيم في وجه الجاليتين المقيمتين منذ عشرات السنين للتدفق لاحقاً على الحدود المجاورة طلباً للأمان.
الحدود التونسية تحوّلت إلى منطقة عسكرية ومستشفى مفتوح يستقبل الفارين من «جحيم» معمر القذافي تونسيين وعرباً من مختلف الجنسيات، ومعبر «راس جدير» على الحدود بين تونس وليبيا يستقبل باستمرار العشرات من قاصدي تونس، بعدما زاد الوضع توتراً مع الإبادة الجماعية.
قوافل تتجه تباعاً إلى الجانب التونسي من الحدود حاملة كميات كبيرة من المؤن الغذائية والأدوية لمساعدة الذين تمكنوا من عبور الحدود. أحد الأطباء التونسيين الموجودين في المعبر قال لـ«الأخبار» إن المئات من الليبيين والأجانب علقوا على الجانب الليبي من الحدود ومنعتهم قوات الجمارك الليبية من التوجه إلى تونس، وأطلقت النار في الهواء في العديد من المرات لتفريق الراغبين في اجتياز الحدود.
وعلى بعد 15 كيلومتراً من المعبر، نصبت قوات الجيش التونسي خيماً ومعدّات عسكرية ووُضع عدد كبير من الجنود في حالة تأهب قصوى لحماية الجانب الحدودي من البلاد. سيارات وطائرات عسكرية. جنرال رفض التصريح باسمه قال إنهم يتوقعون قيام القذافي بتصرفات غير منتظرة تحتّم ردود فعل فورية. وأضاف أن تونس لن تتسامح أمام أي محاولة لانتهاك سيادتها، وأن قوات الجيش المنتشرة على الحدود مع ليبيا ستوفر الحماية الكاملة لكل من يدخل إلى تونس.
وأكد قرابة 200 هارب مصري من ليبيا أنهم لم يستطيعوا العودة الى بلادهم عبر مطار طرابلس الدولي نتيجة قلّة عدد الطائرات والفوضى المنتشرة في المطار، فاختاروا الانتقال الى تونس، ودبّرت لهم قوات الجيش حافلات لنقلهم إلى مطار جربة القريب وترحيلهم لاحقاً إلى بلدهم.
ونظّم بعضهم تظاهرة صغيرة عند المعبر الحدودي احتجاجاً على ما رأوه تقصيراً في تعاطي الحكومة المؤقتة. ورفع المتظاهرون شعارات مناوئة للتلفزيون الرسمي التونسي لغياب الاهتمام الإعلامي.
وتحدثت أنباء عن محاولة أفراد من أقارب العقيد معمر القذافي العبور إلى تونس في سيارة رباعية قبل أن ينتبه إليهم عدد من أبناء الجالية التونسية، الذين نبّهوا حراس الحدود لإرجاعهم.