واشنطن ـ محمد سعيد خاص بالموقع- نظم نحو 400 من الجماعات والمنظمات الليبرالية والديموقراطية والحقوقية والنقابية في الولايات المتحدة، تعمل تحت اسم «أمة واحد تعمل معاً»، مسيرة كبرى في العاصمة الأميركية، واشنطن، أمس، ردّاً على التظاهرة الكبيرة التي نظمها تيار حزب الشاي اليميني في أوائل الشهر الماضي ضدّ التشريعات التي أقرّتها حكومة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخاصة بالتنمية الاجتماعية.
وطالب أكثر من 175 ألفاً شاركوا في التظاهرة بتوفير الوظائف والتعليم والعدالة الاجتماعية. وقال منظّمو التظاهرة إن هذه تعبّر عن المبادئ، وتشمل إنهاء التمييز في النظام القضائي الجنائي، وحماية التأمينات الاجتماعية وإنفاق الأموال الفدرالية لتحفيز الوظائف وتحسين التعليم العام.
ويرى مراقبون أنّ تظاهرة أنصار المواقف السياسية الليبرالية والتقدمية هي جزء من الفعاليات الانتخابية للديموقراطيين، رغم ما أعلنه منظّموها عن كونها مسيرة فوق الانتماء الحزبي.
وقد تجمع المشاركون في المسيرة على أرض ساحة نصب لينكولن التذكاري، حيث أُلقيت كلمات امتدت نحو أربع ساعات، وكانت إحداها ضدّ الحرب ألقتها مجموعة تطلق على نفسها اسم «اللجنة الوطنية المتحدة ضد الحرب». وهتفت مجموعة «كود بينك» المناهضة لحروب أميركا في الخارج بـ«أحبّ العدالة وأنا أتناول الشاي، لكن تمويل الحرب ليس من شأني»، في إشارة إلى تيار «حزب الشاي»، المعارض لحكومة أوباما والديموقراطيين، الذين يدعمون الاتجاه العسكري.
ومن بين اللافتات التي حملها المشاركون في المسيرة لافتة تقول «الجمهوريون هم الطريق الخطأ لأميركا»، وقالت أخرى «ممنوع الاتجاه إلى اليمين في شهر تشرين الثاني». وقد كتبت هذه الشعارات داخل شكل علامات مرورية.
ورغم انحسار موجة الحماسة التي اجتاحت القوى التقدمية والليبرالية الأميركية عشية انتخاب أوباما، فإن من الواضح أن الجماعات الليبرالية المشاركة في المسيرة قريبة في توجهاتها من الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه أوباما.
ومن بين المنظمات والجمعيات المدنية التي شاركت في المسيرة، الجمعية الوطنية لتقدّم الشعب الملون، التي تمثّل الأميركيين من أصول أفريقية وجمعيات لحماية البيئة وجمعيات كنسية واتحادات طلابية، إضافةً إلى جمعيات تمثّل المثليين.
واستهدف منظمو المسيرة الضخمة مواجهة تحالف اليمين الأميركي وظاهرة «حزب الشاي»، الذي يُعدّ الأكثر يمينيةً في الحزب الجمهوري. وقد حذّر العديد من المتحدثين في المسيرة من خطر سيطرة الجمهوريين على الكونغرس في الانتخابات النصفية التي ستجري في 2 تشرين الثاني المقبل. وقال المتحدثون إن من شأن ذلك إنْ تحقّق أن يجعل الجمهوريين يغلقون الباب أمام أي تغيير تقدمي أو حتى التراجع عمّا تحقّق حتى الآن من تغييرات في مجال التنمية الاجتماعية، وقالوا إنهم أرادوا من مسيرتهم إظهار أنهم يمثلون أكثرية الشعب الأميركي وتنوعه العرقي والثقافي.
وقال المتظاهرون إنهم يأملون أن يظل الديموقراطيون محتفظين بالسيطرة على الكونغرس، لكنهم أشاروا إلى أن الإصلاح والتغيير بطيئان منذ أن تولى أوباما الرئاسة العام الماضي.
ورغم أن المسيرة ركّزت على موضوع الوظائف التي تحتل أولوية رئيسية في برنامج أوباما، فإن ذلك لم يمنع المشاركين في المسيرة من المطالبة بضرورة وضع نهاية للحرب التي تشنّها الولايات المتحدة على العراق وأفغانستان، والتي تستنفد جزءاً كبيراً من موارد أميركا المالية على حساب برامج التنمية الاجتماعية، كما طالبوا بوقف حالة العداء للعرب والمسلمين والمهاجرين، وزيادة الإنفاق الحكومي على برامج خلق فرص العمل ومبادرات الطاقة المتجددة والتعليم العام، وبقانون جديد للهجرة وبإصلاح نظام الرعاية الصحية، بحيث يكون على نطاق أوسع مما استطاع الديموقراطيون تمريره.
وقال أحد المشاركين في المسيرة «إنني أتظاهر دفاعاً عن الوظائف، واعتراضاً على تصويت الجمهوريين ضدّ إصلاح نظام الرعاية الصحية ووقوفهم ضدّ القوانين الداعمة للعائلات والوظائف والمداخيل الجيدة». فيما أعرب آخر عن اعتقاده بأنّ من المهم أن يتّحد الناس لدعم تنوع هذه البلاد القائمة على أعراق وديانات مختلفة، كما من المهم الوقوف مع الفئات العاملة.
وقال رئيس الجمعية الوطنية لتقدّم الشعب الملون، بنيامين جيلوس، إن «هذه المسيرة مميزة، فهي تضم مشاركين من كل الولايات وفئات الشعب، وهي تتعلق بتحريك البلاد بروح الوحدة والأمل بعيداً عن الاختلافات». وأكّد أن المسيرة «هي من أجل الوظائف» حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة البطالة بلغت 9.6 في المئة.
وقال المشارك فى المسيرة بيبورن لانس «كل هؤلاء الناس من جميع المنظمات المختلفة خرجوا لهذا التجمع، وأعتقد أنّ من المهم حقاً بالنسبة إلينا أن ندرك أننا أمة واحدة، ولدينا صوت واحد، ونريد تحقيق أشياء متماثلة بالفعل».
ويرى الديموقراطيون أن سعي الجمهوريين إلى خفض الضرائب يصب فقط في مصلحة الأثرياء داخل الولايات المتحدة. وكان أوباما قد أعلن في خطابه الإذاعي الأسبوعي أمس أن شركة «برايت سورس» للطاقة تعتزم الإقدام هذا الشهر على فتح آفاق جديدة في مجال إنتاج الطاقة النظيفة، وذلك بإنشاء مصنع من نوع جديد وثوري لإنتاج الطاقة الشمسية، وهذا نتيجة لحوافز الطاقة النظيفة التي أطلقتها إدارته. وأشار إلى أن الحزب الجمهوري تحدث في «وثيقة العهد»، التي أصدرها أخيراً، عن أنه سيعمل على إلغاء الحوافز المقدمة لمثل هذا النوع من المشاريع، وحتى المشروع الذي أعلنه، مؤكّداً أهمية هذه المشاريع لبناء الاقتصاد الأميركي.
وردّ الجمهوريون بالقول إن حكومة أوباما لا تزال ترغب في ممارسة الفشل في سياستها داخل البلاد. وقال زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، في ردّ الحزب الجمهوري على خطاب أوباما الأسبوعي «بعدما استنفدت الحكومة الأموال الفدرالية في خطة التحفيز الفاشلة ومشروع الإصلاح الصحي، لا تزال ترغب في المزيد، ولهذا السبب تظل الطبقة المتوسطة رهينة خططهم هذه وسعيهم إلى تحقيق رغباتهم الحمقاء في فرض ضرائب على خالقي الوظائف داخل الولايات المتحدة في خضم الركود الذي تشهده البلاد».