موسكو - حبيب فوعاني خاص بالموقع- كشفت وكالة «آسيا ـــــ بلوس» الطاجكية أنّ معارك ضارية تدور منذ الثاني والعشرين من الشهر الماضي في منطقة «رشت» شرق طاجكستان بين القوات الحكومية ومسلحين، إثر تعرض قافلة عسكرية لهجوم أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 25 من أفرادها.

وكانت وزارة الدفاع الطاجكية قد اتهمت «عصابة أممية» من الأصوليين الإسلاميين، جاء أفرادها من باكستان وأفغانستان والشيشان، فضلاً عن طاجكستان، بتدبير الهجوم «لتحويل البلاد إلى مسرح للحرب الأهلية».

وتبيّن أن من قام بالعملية هو القائد الأصولي الميداني الطاجكي، الملا عبد الله رحيموف، الذي ذاعت شهرته في الحرب الأهلية (1992ـــــ 1997)، التي ذهب ضحيتها نحو 150 ألف شخص.

وفرّ رحيموف إلى أفغانستان عام 1997رافضاً توقيع اتفاقية الصلح، التي عُقدت بين السلطة والمعارضة بعدما وضعت الحرب أوزارها بتدخل عسكري حاسم من روسيا، وجهود سياسية حثيثة من إيران.

غير أن الخبراء يرون أنه لأول مرة منذ سنوات، لا تقف ضد الرئيس الطاجكي، إمام علي رحمن، المعارضة الأصولية الإسلامية وحدها، بل وقوى سياسية علمانية مختلفة يوحّد بينها الاستياء من النظام الحالي لعدم التزامه بتنفيذ بنود اتفاقية الصلح القاضية بتقاسم السلطة مع المعارضة، إذ يمنع رحمن بإصرار المنتفضين السابقين من أي مشاركة في السلطة، ويضرب بيد من حديد كل مظهر للمعارضة.

ويضيف الخبراء إن رحمن، الذي يحكم طاجكستان منذ عام 1993 ولا يملك ورقة في يديه سوى تخويف مواطنيه من فزاعة عودة الحرب الأهلية الدموية، فقد مساندة أقرب أنصاره إليه. وأصبح يقوم بعمليات تطهير دورية بين رجاله، بل وبين أقربائه، ويزج بهم في السجون تحت ذريعة محاولات القيام بانقلابات ضده.

ويجري ذلك في أتون أزمة اقتصادية طاحنة تنهش بأنيابها هذه الجمهورية السوفياتية السابقة الفقيرة، وفي ظل نزاعات طاجكستان المتعددة مع جاراتها من دول آسيا الوسطى.

وتتسم علاقات الرئيس الطاجكي بالبرودة مع طهران وموسكو، اللتين تتهمانه بنكران الجميل.

ويرفض البيروقراطي السوفياتي السابق والمتزمت في علمانيته أيّ تعاون ثقافي، فضلاً عن السياسي مع إيران. ويطالب مواطنيه المعروفين بتمسكهم بعاداتهم الدينية بإعادة أبنائهم الطلاب من المدارس الدينية في الخارج، محذراً من أنها تخرِّج «الإرهابيين والمتشددين».

وأكد أن الطلاب سيتحولون إلى أعداء وخونة لأمتهم، علماً أن إيران تفسح المجال لأبناء طاجكستان، ذات الثقافة الفارسية، الراغبين في تلقي العلوم، بالقدوم إليها.

وبعد محاولاته فتح خطوط اتصال مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تدهورت علاقته مع روسيا، التي كانت راعية اقتصادية وسياسية له على مدى أعوام.

وكان الرئيس الطاجكي قد وافق على طلب الكرملين نقل طائرات حربية روسية من قاعدة «قانت» في قرغيزستان إلى مطار «عيني» الطاجكي، لكن واشنطن التي تريد أيضاً استخدام هذا المطار في نقل الإمدادات إلى قوات حلف الأطلسي في أفغانستان سارعت إلى إرسال مساعد وزيرة خارجيتها روبرت بليك، إلى طاجكستان وأفشلت الخطة الروسية.

بيد أن الرئيس الطاجكي لم يجد عن إيران وروسيا بديلاً في واشنطن وبروكسل. وفي وقت وسّعت فيه الولايات المتحدة وبلجيكا التعاون مع طاجكستان لضمان إمدادات تموين قوات الأطلسي في أفغانستان، فإنهما امتنعتا عن تمويل نظام رحمن.

ويرى خبراء أن النظام الطاجكي يواجه الآن أخطاراً مصيرية حقيقية، ولا سيّما أن اللعب على وتر الخوف من استئناف الحرب الأهلية لم يعد يؤتي أكله، لأن القسم الأكبر من الشعب الطاجكي هو من الشباب الذين لا يعرفون شيئاً عن كوابيس التسعينيات من القرن الماضي، ولم يُترك لهم خيار آخر في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، سوى الحلم بالهجرة إلى روسيا والعمل عمّال نظافة في شوارعها.