ربى أبو عمّوأدرك الثنائي مدفيديف ـــــ بوتين (رئيس الوزراء الروسي) أن هذه العناوين هي أحد مفاتيح الانصهار في الغرب. مكافحة الفساد وتحقيق الديموقراطية لا يفيا وحدهما بالغرض، بل من المهم التخلّي عن «التركة السوفياتية» نحو التحديث. وتشمل هذه التركة في أدناها الطباع الحادة. هذا ما يؤكده الروس أنفسهم، وخصوصاً الذين عاشروا غيرهم من الشعوب. وهذا أيضاً ما يشير إليه السياح القادمون من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
إحدى أهم الوسائل لتفعيل هذا التغيير هي وزارة الخارجية. هكذا، توجه مدفيديف قبل أيام إلى وزارة الخارجية مباشرة بالقول إنه «يريد أن يجعل السياسة الخارجية للبلاد محرّك التغيير بالنسبة إلى روسيا». وأعلن عن ثلاثة مهمات يجب أن يركّز عليها جميع الدبلوماسيين الروس، وهي «تحديث الاقتصاد، تعزيز المؤسسات الديموقراطية الروسية والمجتمع المدني، ومكافحة الجريمة المنظمة». ولفتت صحيفة «كومرسانت» الروسية إلى أن «هذه المهمات لم تكن معلنة من قبل أولويات لوزارة الخارجية الروسية».
بدا مدفيديف واثقاً بقدرة وزارة الخارجية على إحداث التغيير. وشمل التحديث في خطاب مدفيديف مطالبته الدبلوماسيين الروس بتغيير نظرتهم النمطية إلى العالم، التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة، أو ترك مهماتهم والسماح لجيل الشباب بمحاولة تنفيذ نهج أكثر تعاوناً. وطالب وزارة الخارجية بالانتقال، ككيان، من «السيد نيت (لا)» إلى «السيد دا (نعم)».
التخلص من هذه التركة ليس بالأمر السهل. ويشرح المحلل السياسي فلاديمير بيلاييف الأمر قائلاً إن المشكلة المستمرة في روسيا هي «التركة السوفياتية في جهازها الإداري. فكل موظف عمره أكثر من 45 عاماً، عايش النمط السوفياتي». ويضيف أن «هذا الثقل السوفياتي في الخدمة المدنية الروسية عرقل التحديث».
وفي ما يتعلق بالفساد، أشار بيلاييف إلى أن «حملة مكافحة الفساد التي أطلقها مدفيديف، باعتبارها واحدة من أولوياته الكبرى، لم تؤدّ إلى نجاحات كبيرة، وذلك ينبغي ألّا يفاجئ الروس». وتابع أنه «حتى لو كان القانون الروسي الجديد، الذي يوسّع صلاحيات جهاز الأمن الفدرالي (فكرة مدفيديف)، يهدف إلى تسهيل أنشطة مكافحة الإرهاب، إلا أنه في المقابل يقلق أصحاب الحريات المدنية وحقوق الإنسان. وقد أظهرت الأحداث الإرهابية الأخيرة أن وزارة الداخلية لا تستطيع القيام بالمهمة المطلوبة منها في هذا المجال...».
هكذا، يجد مدفيديف نفسه عالقاً بين التركيبة المافيوية الفاسدة للنظام الروسي، والقضاء عليه، والتحديث للانتقال إلى مجتمع يليق بروسيا حديثة. وبينما هو يدور بين هذا الثلاثي ويطلق التصريحات، فإنه لا شك في أن الفساد والتركة السوفياتية الموروثة تحتاجان إلى سنين لإزالتهما، تعادل سنيّ وجودهما.