استثمر علاقاته في وظائف استشاريّة... وخطب باهظة بسّام الطيارة
تستعد بريطانيا لعودة رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير إلى واجهة الإعلام بصفة مؤلف لكتاب سينشر بعنوان «رحلة»، يقال إنه كسر الأرقام القياسية لمداخيل المؤلفين، إذ تتداول الصحافة البريطانية أرقاماً تدور حول سبعة ملايين دولار كـ«دفعة أولى على الحساب».
ونظراً لضخامة أرقام المبالغ المتداولة، سارع بلير «المحنك»، الذي اتهمه عديد من البريطانيين بتوريط بلادهم في حرب العراق، بالتبرع بكامل المردود لمنظمة خيرية تعمل على مشروع خاص لمساعدة الجنود المصابين، وهو ما عدّه البعض أنه «نوع من الاعتراف بالخطيئة».
وقالت الرابطة الملكية البريطانية إن العائدات ستحول لمركز «باتل باك تشالنج»، وهو مشروع تموله الرابطة للمساعدة في إعادة تأهيل أفراد القوات المسلحة، فيما يعتزم ناشطون مناهضون للحرب تنظيم احتجاجات أمام المكان الذي سيصدر منه الكتاب، ليس بسبب نشر قائمة شروط صارمة لحضور حفل توقيع رئيس الوزراء الأسبق على نسخ من كتابه، بل للاحتجاج على عدم «محاكمته» بسبب قرار إرسال جنود بريطانيين للاشتراك في الغزو في عام ٢٠٠٣ من دون تفويض من الأمم المتحدة، رغم معارضة الكثير من البريطانيين.

أسّس شركة استشارات دولية لبرمجة مداخلاته ومحاضراته

وسلط هذا الفصل الجديد من سيرة طوني بلير، الذي يعدّ أطول من تولى رئاسة حكومة لحزب العمال، الضوء على جشع رئيس الوزراء الأسبق ولهاثه وراء «الربح المالي» وتكديسه ثروة يرى عديدون أنه يربحها بفضل «علاقاته التي أسسها خلال عمله في الشأن العام».
مسيرة الربح انطلقت فور خروج بلير من «١٠ داونينغ ستريت»، مكتب رئاسة الوزراء البريطاني. حينها وقع عقداً مع مصرف «جي بي مورغان» (١١ كانون الثاني ٢٠٠٨) كمستشار لشؤون الشرق الأوسط براتب شهري قدره ٢,٤ مليون يورو سنوياً، ولم تمر أسابيع حتى وقّع عقداً ثانياً مع المصرف السويسري «زيوريخ فاينانشال» (لم يكشف عن قيمته، وإن تحدثت بعض الصحف عن ٣,٥ ملايين يورو سنوياً).
مسيرة تكديس الثروة والاستفادة من العلاقات لم تتوقف عند هذا الحد، بل أسس بلير، إلى جانب وظيفتيه السابقتين، شركة استشارات دولية يعمل فيها ١٣٠ موظفاً، من بين أعمالها إدارة برنامج مداخلاته التلفزيونية والخاصة ومحاضراته حول العالم، حيث تبلغ قيمة فاتورة كل بروز إعلامي له «١٢٠ ألف يورو».
بلير برّر مداخيله ووظائفه بالقول لصحيفة «صاندي تايمز» بـ«أنه ليس مصرفياً». واستطرد بأنه «يسافر كثيراً، وبالتالي يستطيع المساعدة على فهم كيفية تطور السياسة». إلا أن هذا ما يطرح بعض التساؤلات، إذ إن شركة «طوني بلير أسوسيتس» (Toni Blair Associates) متخصصة بالاستشارات في شؤون الشرق الأوسط، فيما يتولى بلير
حالياً منصب مبعوث الرباعية التي تتوسط لحل الصراع الفلسطيني الإسرائليي، ومن هنا بدأت علامات الاستفهام حول «تضارب المصالح وتلاقيها» في تحرك بلير، أكان من الناحية السياسية وما يقف وراء تصريحاته التي تتعلق بهذا الصراع، أم من الناحية الإدارية حيث إنه «يسافر كثيراً»، ما يطرح مسألة الاستفادة من سفراته السياسية لتعزيز دور شركته الخاصة أو مصالح المصارف التي يعمل باسمها. علماً بأن المصارف الكبرى التي يعمل لها بلير تؤدي دوراً كبيراً في سياق تسييل المساعدات المالية الضخمة التي تقررها مؤتمرات دعم الاقتصاد الفلسطيني وتدوير العقود المرتبطة بها.
ومن الأمثلة الكثيرة، أشارت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية إلى دور استشاري له في إطلاق مصنع ميثانول في أذربيجان، وما إلى ذلك من مهمات لا يمكن التمييز بين دافعها التجاري وضروراتها السياسية.
وفي حزيران الماضي، أكد سيف الإسلام، ابن الزعيم الليبي معمر القذافي، في مقابلة مع صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أن« بلير أصبح مستشاراً لوالده»، وأنه «يقوم بدور استشاري لصندوق حكومي ليبي يدير الثروة النفطية الليبية التي تقدر بأكثر من ٩٤ مليار دولار».
وظائف بلير اشتملت أيضاً على الحديث باسم إسرائيل، وهو ما ذكرته صحيفة «معاريف»، التي تساءلت في ٢٢ من حزيران الماضي أيضاً عمّا إذا بات بلير «الناطق الرسمي باسم الحكومة الإسرائيلية»، بعدما ابتعد رئيس حكومة الدولة العبرية بنيامين نتنياهو عن الواجهة الإعلامية بالتنسيق معه حسب

أكد سيف الإسلام القذافي أن بلير أصبح مستشاراً لوالده ولصندوق إدار الثروة

الصحيفة «لإفساح المجال أمام موفد اللجنة الرباعية، صاحب الخبرة الكبيرة والباع الطويل، في مواجهة الإعلام». وأضافت أن«طوني بلير، الذي يحظى باحترام دولي، جند نفسه لشرح التغيرات في السياسة الإسرائيلية المتعلقة بحصار غزة ولإيضاح الخطة الإسرائيلية (لتخفيف الحصار عن القطاع) في وسائل الإعلام الدولية والعربية». وأشارت إلى أن «بلير تنقل من استوديو إلى آخر ومن شبكة تلفزيوينة إلى أخرى ومنح ست مقابلات صحافية خلال يومين فقط وواجه الأسئلة الصعبة التي طرحها مقدمو البرامج والصحافيون الذين أجروا المقابلات، وحاول استخدام خبراته لتجنيد دعم الرأي العام الدولي لتسهيلات نتنياهو وسياسة إسرائيل الجديدة».
بالطبع قد يقول البعض إن هذا يدخل ضمن نطاق عمله ممثلاً للرباعية، إلا أن مزج الأدوار يضفي نوعاً من الغموض على أهداف بلير خلال مداخلاته المتتالية وعلى الصفة التي يتكلم بها، دون أي إمكان لمعرفة أي مداخلة تكون «مجانية» وأي مداخلة تكون «مدفوعة الأجر».
وقد كشفت الصحف البريطانية أن بلير كسب من وراء مداخلاته العامة، منذ تركه رئاسة الحكومة، ١١ مليون يورو، فيما تقدر ممتلكاته بـ ١٨مليون يورو، ووصفته بأنه «يتمتع بشراهة في حياته الثانية».


غوردن براون على خطى سلفه وقالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أمس إن براون طلب من وكالة للعلاقات العامة في لندن متخصصة في خطابات السياسيين البارزين إدراج اسمه على لائحة ارتباطاتها في الشرق الأوسط وآسيا. وأضافت أن الرسم المالي الذي سيتقاضاه براون سيكون أقل بكثير من المبلغ الذي يحصل عليه سلفه بلير أو غيره من زعماء العالم السابقين، مثل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
وأشارت الصحيفة إلى أن براون يعكف حالياً على وضع كتاب بعنوان «الأزمة المالية» عن المشاكل الخانقة التي تعرض لها النظام المصرفي العالمي منذ عامين، ومن المتوقع أن يصدر في الخريف المقبل، ولمّح إلى أنه يعتزم ممارسة الأعمال الخيرية والتركيز على قضايا التنمية الدولية.
وذكرت «إندبندنت» أن أي جهة تطلب من براون إلقاء كلمة سيتعين عليها توفير إقامة له في فنادق خمسة نجوم، ومقعد في الدرجة الأولى، وثلاثة مقاعد في درجة رجال الأعمال في الرحلات الجوية، بالإضافة إلى 100 ألف دولار.
(يو بي آي)