شركات العلاقات العامّة تجني المليارات من أنظمة مشبوهةجمانة فرحات
يمكنك أن تقتل، ترتكب جرائم إبادة جماعية، جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. يمكن أن تكون ضالعاً في انتهاكات لحقوق الإنسان، تصادر الحريات، تقمع معارضيك، تسجنهم، تعذبهم، أو حتى أن تكون متورطاً في صفقات فساد تجني من ورائها الملايين على حساب أبناء شعبك الذين يموتون جوعاً بسبب نقص في الطعام، أو غرقاً بسبب الإهمال في توفير مقوّمات الحياة لهم. يمكنك أن تفعل كل ذلك، وفي الوقت نفسه تكون مطمئنّ البال، لأنك ستجد حتماً سبيلاً لتلميع صورتك وصورة نظامك بشرط امتلاكك المال الوفير لتغدقه على شركات العلاقات العامة.
شركات لا تعمل في أنظمة ديكتاتورية، حيث من الممكن أن تكون مضطرة إلى محاكاة هذا النظام أو ذاك خوفاً من بطشٍ أو تقييد للأعمال، بل تتخذ من بريطانيا مقراً لها.

تقدّر قيمة العقد الواحد لتبييض السمعة بمليوني جنيه استرليني
وقد كشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية تفاصيل عن تحوّل عاصمة الضباب، من خلال شركات العلاقات العامة، إلى عاصمة لتبييض السمعة، في مقابل جنيها ملايين الجنيهات.
وتعمد بعض هذه الشركات إلى تقديم المشورة إلى الأنظمة الأجنبية التي تعرضت سجلاتها في قضايا مثل التعذيب والفساد وحرية التعبير للتحقيق من جانب الهيئات الدولية.
أما حجم الأموال التي تضخها عمليات تبييض السمعة، فتقدّر بـ 7 مليارات جنيه استرليني في العام الواحد. وتبرز نسبة نمو أعمال شركة «شايم بي ال سي» للعلاقات العامة، حجم تنامي السوق في بريطانيا. فقد حققت الشركة، التي يرأسها اللورد بيل، المستشار السابق لمارغريت تاتشر، 67 مليون جنيه استرليني، أي ما يعادل نصف دخلها في العام الماضي، نتيجة إبرامها عقوداً خارجية، محقّقةً بذلك ارتفاعاً في إيراداتها بلغ 37 في المئة مقارنةً بالعام 2008، ولا سيما أن تكلفة العقد الواحد تقدر بمليوني جنيه استرليني. ولا ترى هذه الشركات أيّ ضرر في أن تُستخدم واجهة لتبييض صورة أنظمة أو أشخاص متورطين، طالما أن الشركة «ليست متورّطة»، على الرغم من أن البعض يرى في هذه الممارسات مخالفة لمدوّنة سلوك المهنة، التي تنص على «رفض العمل أو تقديم النصح إلى الزبائن الذين تكون أنشطتهم غير أخلاقية أو غير قانونية».
وبينما أوضح متحدث باسم شركة «بورتلاند» أن المؤسسة تلتزم بمدونة السلوك، و«بالتأكيد لا توافق على أي أنشطة اتصالات تعدّ غير قانونية وغير أخلاقية أو تتعارض مع الممارسة المهنية»، فإنّ سجل عملها يتعارض مع ما تقدمه من إيضاحات. إذ تنافست الشركة للفوز بعقد استشاري لمصلحة الحكومة الكازاخستانية المتهمة بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
أما رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي لشركة «هيل ونولتون» بول تاف، الذي حاول بدوره الفوز بالعقد الكازاخي، فأكد أن أعمال شركته «تتّفق تماماً مع القواعد المطبّقة محلياً ومدونات قواعد السلوك». ويكفي إلقاء نظرة على قائمة زبائن هذه الشركات لإدراك خطورة مهماتها. فعلى سبيل المثال، تعمل شركة «بيل بوتينغر» لمصلحة الحكومة السريلانكية. وقد لجأ النظام في سريلانكا للحصول على خدمات الشركة بعد اتهام الجيش بقصف المدنيين وتنفيذ عمليات إعدام خلال المراحل الأخيرة للحرب ضد متمردي التاميل عام 2009. اتهامات قادت الاتحاد الأوروبي إلى إسقاط سريلانكا من برنامج يمنح الوصول التفضيلي لأسواق الدول الأعضاء مقابل اعتماد هذه الدولة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
كذلك اختيرت شركة «بورتلاند» لتقدم مشورات إلى الكرملين في شأن العلاقات مع البرلمان البريطاني والتعامل مع الأخبار السلبية في وسائل الإعلام في المملكة المتحدة.
أما شركة «شايم بي ال سي» فاختارت تمثيل النظام في زامبيا، المتهم من جانب منظمات حقوق الإنسان بإيواء المشتبه فيهم بتهم الإبادة الجماعية في رواندا. وبرر رئيسها الأمر بالقول «أنا لست هيئة أخلاق دولية». وأضاف «إذا أراد الناس إيصال حجتهم، فنحن نتبنى الرأي القائل بوجوب أن نسمح لهم بذلك».
وللدول العربية نصيبها من خدمات شركات العلاقات العامة البريطانية. إذ كشفت «الغارديان» عن اتصالات أجراها الرئيس السوداني، عمر البشير، المطلوب بمذكّرتي توقيف من جانب المحكمة الجنائية الدولية على خلفية الحرب في إقليم دارفور، مع شركتين للعلاقات العامة لطلب المساعدة على تحسين صورته، بينهما شركة «بيل بوتينغر»، التي رفضت التعليق على الموضوع. كذلك وردت السعودية ضمن قائمة الدول التي تنال خدمات من هذه الشركات.

الشركات تقدم المشورة إلى الأنظمة المتهمة بالتعذيب والفساد
ويشرح الرئيس التنفيذي لجمعية مستشاري العلاقات العامة في المملكة المتحدة، فرانسيس إنغام، أسباب نمو هذه الظاهرة في بلاده، مشيراً إلى أن «الحكومات الاستبدادية تدرك حاجتها إلى أن تكون أكثر تطوراً في الطريقة التي تعمل بها بدلاً من مجرد أن تقول للناس كيف تعمل».
وأكد إنغام، الذي تولت جمعيته وضع مدونة سلوك لشركات العلاقات العامة، وجود زيادة في عدد الأنظمة والأشخاص الذين يطلبون هذه الخدمات من «الكتلة الشيوعية السابقة» والصين، وهو ما يبرر بالنسة إلى النائب البريطاني، بول فارلي، أن «المزيد والمزيد من شركات العلاقات العامة انتقلت من تمثيل الشركات إلى تمثيل البلدان، مهما كانت سجلاتها».
ولكن دفع هذه الأموال في نظر بعض أصحاب الخبرة في هذا المجال ليس ذا نفع كبير أو دائم. فوفقاً لمسؤول في إحدى شركات العلاقات العامة، فإن هذا النمط من العمل عبارة عن «خدعة»، إذ «يمكنك رش العطور على الغائط، سوف تكون الرائحة لطيفة لبعض الوقت، ولكن في نهاية المطاف سوف تعود الرائحة كما كانت».


ثالوث المال والسلطة والنفوذواللافت أن اثنين على الأقل من مديري شركات العلاقات العامة البريطانية المتّهمة بالانخراط في نشاطات تبييض سمعة وصور زعماء وأنظمة متهمين بارتكاب انتهاكات سبق أن تولّيا مناصب حكومية، مع ما يعنيه هذا الأمر من تمتعهما بعلاقات وثيقة مع دوائر صنع القرار، ليس فقط في بريطانيا بل كذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي. وهو ما يمثّل المبتغى الرئيسي للأنظمة التي تسعى إلى تلميع صورتها.
فشركة «شايم بي ال سي» للعلاقات العامة يرأسها اللورد بيل، الذي سبق أن تولى منصب مستشار رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر. أمّا شركة «بورتلاند»، فيديرها نائب مدير المكتب الصحافي لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير (الصورة)، تيم الين.