ليس جديداً أن ينظر العقل التركي الحاكم اليوم إلى أمن النفط وطرق نقله كأولوية للمصالح التركية الاستراتيجية. لكنّ الجديد هو أنّ هذه الأولوية أصبحت مكتوبة في «الدستور السرّي» لتركيا
أرنست خوري
نُشر الكثير أخيراً عن الدستور السرّي في تركيا، أو «الكتاب الأحمر»، الذي يُعدّ بمثابة وثيقة استراتيجية تحدّد الأخطار والتهديدات على الأمن القومي التركي. «الدستور» يستعد للخروج إلى العلن بحلّة جديدة في الخريف المقبل. وبات معروفاً أنّ هذا «الدستور» سيشطب 4 دول مجاورة عن لائحة الدول التي تمثّل تهديداً محتملاً بالنسبة إلى تركيا (روسيا واليونان وإيران والعراق). لكنّ الجديد النوعي هو المكانة الرئيسية التي سيوليها أولوياء الأمور في تركيا لمسألة الطاقة، من ناحية اعتبارها معياراً لوجهة السياسة الخارجية كما للأمن القومي مستقبلاً.
وبعد ما كشفته صحيفتا «الصباح» و«حرييت»، جاء دور صحيفة «توداي زمان» المقرّبة من الحكومة وحزبها، لتشير إلى بعض نقاط مما ستتضمنه الوثيقة التي سيقرّها مجلس الأمن القومي في تشرين الأول المقبل.
فقد نقلت الصحيفة عن مصادرها قولها إنّه «للمرة الأولى، ستُربط أولويات الأمن القومي التركي والسياسة الخارجية بأمن الطاقة».
ووفق بنود الوثيقة الجديدة، ستعدّ أنقرة المناطق النفطية والخطوط والطرق النفطية «خطوطاً حمراء» بالنسبة إلى الأمن العالمي، وبالتالي فإنّ «اقتناعاً سيُتَرجَم لدى الحكام الأتراك مفاده أنّه يجب توطيد التعاون الأمني والاستخباري مع المصدر النفطي الأهم في العالم، أي روسيا».
كلام يختلف عن الموقف العام الذي يقتصر على النظر إلى الدب الروسي على أنه «شريك للاستقرار في القوقاز والتعاون في مجال الطاقة والتجارة والاقتصاد عموماً»، وهو ما يرد في أحد بنود الوثيقة الاستراتيجية الحالية من قبل أتراك «العدالة والتنمية». ومن المرجَّح أن تخلو الوثيقة الجديدة من أي إشارة إلى أن روسيا كانت ولا تزال «المصدر الرئيسي لذخائر حزب العمال الكردستاني». دليل جديد على أنه أمام المصالح النفطية، لا مكان لربط العلاقة مع عملاق كروسيا بتمرّد كردي، فضلاً عن أنّ روسيا لا تزال الشريك التجاري الأول بالنسبة إلى تركيا مع ما يناهز 36 مليار دولار سنوياً.
حتى إنه وفق مصادر «توداي زمان»، فإن التنسيق الاستخباري الذي كان أكثر من محرَّم مع الروس سابقاً، بات وثيقاً جداً، تحت شعار: «حماية الطرق النفطية والمعالجة المبكرة لأي توتّر في المنطقة من شأنه تهديد الأمن النفطي».
وستواصل الوثيقة الأمنية الاستراتيجية الجديدة السماح بما بُدئ العمل به بين الدولتين، عندما سمحت السلطات التركية لعملاق النفط الروسي «غازبروم» (الحكومية) بالعمل في المياه الإقليمية التركية لمدّ أنابيب «ساوث ستريم» لإيصال النفط إلى دول جنوب أوروبا وشرقها. وفي مقابل هذا السماح، ستمدّ «غازبروم» أنابيب موازية تعبر تركيا من مياهها في البحر الأسود لتصل إلى موانئها المتوسطية. مشروعان مترابطان يهدفان، بحسابات أنقرة، إلى إيجاد ممرات نفطية آمنة من جهة، وجعل تركيا أهم طريق نفطي في العالم من ناحية أخرى.
وتتابع الوثيقة أنه «لهذا السبب، يجب متابعة التطورات السياسية والأمنية في الدول المعنية بالطرق والمنابع النفطية، وهي إيران والعراق وسوريا وروسيا وآذربيجان وبلغاريا واليونان لضمان أمن الاحتياطات والطرق النفطية، وهو ما يعني ضرورة توسيع تركيا لدورها ونفوذها عبر سياستها الخارجية في هذه الدول».
وفي السياق، ترى وثيقة الأمن القومي التركي أنّ تعزيز وضعية تركيا كطريق نفطي، هو أولوية استراتيجية في السياسة الخارجية، وبالتالي فإنّ أحد الأهداف الرئيسية ينص على ضرورة توسيع التنسيق السياسي ليشمل الولايات المتحدة، لأنّ «أيّ خلاف نفطي بين واشنطن وموسكو من شأنه ضرب استقرار تركيا والمنطقة بكاملها».
كذلك ينصّ أحد بنود الوثيقة الجديدة على أهمية توظيف القيمة النفطية التي تتمتع بها تركيا في ملف ترشيحها إلى العضوية في الاتحاد الأوروبي، لكون أكثر من 70 في المئة من الاحتياجات النفطية الأوروبية ستمرّ عبر الأراضي التركية في العقد المقبل» (من خلال مشاريع نابوكو وبلو ستريم وساوث ستريم).
والجديد النوعي الذي ستتضمنه الوثيقة الرسمية، تعويلها على «تركيا نووية»، ومتابعة ما بدأته حكومة رجب طيب أردوغان عندما وقّعت عقداً مع روسيا قيمته 20 مليار دولار في أيار الماضي، لبناء محطة توليد طاقة نووية مع أربعة مفاعلات تعمل لغايات سلمية طبعاً.