حرب بين علماء الدين تفرضها قسوة الصيام
جمانة فرحات
للفتاوى في رمضان من كل عام فصول، تتنوّع بتنوّع المواضيع التي تعالجها وبتنوّع ردود الفعل عليها. وإن كان لهذا العام ما يميّزه، فيمكن القول إن رخص الإفطار أخذت الحيّز الأكبر من النقاش، ولا سيما أن مشقّة الصيام هذه السنة تعدّ من بين أقسى السنوات على مواطني الدول العربية، التي تعاني من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. كذلك تتزامن الفتاوى مع امتداد الصيام في بعض الدول إلى ساعات طويلة، إذ تخطّت خمس عشرة في سوريا، وهي مدة عُدّت الأطول في تاريخ البلاد منذ ربع قرن، فيما وصلت في الصين إلى أكثر من سبع عشرة ساعة، وفي الدنمارك إلى عشرين ساعة.
ظروف لم تحجب الجدل عن فتوى للهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف فى الإمارات تجيز إفطار العمال الذين يقضون ساعات عمل طويلة تحت الحر الشديد والرطوبة العالية فى شهر رمضان.
فالفتوى، التي جاءت رداً على سؤال لأحد عمال المنصات النفطية، كانت سبباًً للخلاف بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة. وبينما اتفق أعضاء المجمع على جواز إفطار العامل الذي يعمل ساعات طويلة في الحر الشديد، اختلفوا على نوعية الأسباب الموجبة للإفطار، وذهب بعضهم إلى المطالبة بضرورة وجود فتوى خاصة بكل عامل أو تصريح من طبيب.

انتقادات لفتاوى تبيح إفطار مرضى السكري وتسمح بتناول الأدوية من دون ماء
في المقابل، فإن مناصري هذه الفتوى كانوا كثراً، بينهم مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، الذي أكد أن «الفقهاء اجتهدوا في إلحاق الأعمال المضنية والأشغال القاسية مع شدة الحرارة، بالمرض المبيح للفطر بعِلّة المشقة». ولفت في الوقت نفسه إلى أن «الصيام مدرسة تربوية ليست الغاية منها الجوع والعطش، ولا قيام الليل والسهر والتعب، بل هي مدرسة لإحياء الشعور بالآخرين، والإحساس بالشدة التي تصيب أصحاب المعاناة».
وفي السياق نفسه، لم تمر فتوى المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، بشأن إباحة الإفطار لمن يسبّب له الصيام ظمأً شديداً متعباً وانخفاض السكر في الدم أو ارتفاعه، من دون انتقادات، ولا سيما أن أعداد مرضى السكري في المملكة تقدّر بنحو ستة ملايين. وهو ما عدّه البعض رخصة لإفطار نحو 30 في المئة من مواطني السعودية.
وعلى هذا المنوال، شنّ أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر، الدكتور أحمد محمود كريمة، هجوماً على عضو مجلس النواب المغربي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، عبد الباري الزمزمي، الذي رأى أن تناول الأدوية في نهار شهر رمضان من دون ماء لا يبطل الصيام، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الصائم يمكنه حقن الإبر وإكمال صيامه». ورأى كريمة أن «ما يدّعيه الزمزمي في زمن عشوائية الفتوى أن تناول الأدوية دون ماء لا يبطل الصيام، هو قول شاذ».
أما مدمنو التدخين، فقد وجد بعضهم في تمسّك المفكر جمال البنا، شقيق مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» حسن البنا، بفتواه ملاذاً لهم، بعدما رأى أن «تدخين الصائم في نهار رمضان لا يفطره، فلا يكلف الله إنساناً ما لا طاقة له به. وإذا كان هناك نوع من العنت والحرج في أن يدخن وهو صائم، فنقول لا عنت في الدين ولا حرج».
وما بين فتاوى الإفطار بسبب الحر والمرض والتدخين، كان للاعبي كرة القدم في الدول الأوروبية وبعض الدول العربية نصيبهم من الجدل. وبعد الخلاف الذي وقع بين نادي «فرانكفورت» الألماني وثلاثة من لاعبيه المسلمين ممن اختاروا الالتزام بالصيام، وهو ما أثّر من وجهة نظر النادي على صحتهم وعلى أدائهم في المباريات ودفعه إلى توجيه إنذارات إليهم، أصدر رجال الدين في ألمانيا فتوى تبيح للاعبين المسلمين عدم التقيّد بشهر رمضان أو قطع الصيام. ورأوا أن الإفطار مبرر إذا ما كان الالتزام بالصيام سيلحق ضرراً بمستوى اللعب إذا كانت كرة القدم مصدر الرزق الوحيد. وفي السياق أيضاً، أباحت دار الإفتاء المصرية السماح للاعبي منتخب مصر للشباب بالإفطار ليتمكنوا من الحفاظ على لياقتهم وأداء تدريباتهم، استعداداً لبطولة العالم للشباب التي تقام في القاهرة أواخر الشهر المقبل. وبررت قرارها بالقول

إجماع على الترحيب بفتوى تحريم رفع الأسعار خلال رمضان
إن «اللاعب المرتبط مع ناديه بعقد عمل يجعله في منزلة الأجير الملزم بأداء هذا العمل، وإذا كان هذا العمل هو مصدر رزقه، ولم يكن له بدّ من المشاركة في المباريات في شهر رمضان، وغلب على الظن أن الصيام يؤثر على أدائه، فإن له رخصة الفطر». إلا أن هذه التبريرات لم ترق «جبهة علماء الأزهر»، التي رفضت السماح بالإفطار بسبب «لعبة». ورأت أن «اللعب هو لعب على جميع أحواله، وهو ليس من ضرورات الحياة التي يرخّص الفطر لها في نهار رمضان».
ولكن لم تكن جميع الفتاوى مرتبطة بموجبات الإفطار، بل ذهب بعضها أبعد من ذلك ليطال شؤوناً حياتية مرتبطة بشهر الصيام، ليس أقلها أسعارٌ تشهد ارتفاعات جنونية تجعل إعداد مأدبة الإفطار مشقة يعجز أصحاب الدخل المحدود والفقراء عن تحمّلها.
في السياق، رأى عميد كلية الشريعة في جامعة نجران السعودية، عابد السفياني، أن «ما يقوم به التجار من رفع الأسعار على الناس في موسم رمضان والعيد هو ظلم بشع للمسلمين، وإضرار يستحق فاعله العقوبة المغلّظة والتشهير إن دعت الحاجة إلى ذلك». وأكد أن رفع الأسعار من غير موجب هو حرام شرعاً وإضرار بالناس، بعدما شبّه ضرر رفع الأسعار بالاحتكار.
ولعل فتوى تحريم رفع الأسعار هي الوحيدة من بين سلسلة الفتاوى الرمضانية التي لم تجد من يعارضها، فيما ذهب البعض أبعد من ذلك، معتبراً أنها أهم فتوى صدرت هذا العام، في مقابل فتاوى أخرى عُدّت الأغرب، إذ خرجت دار الإفتاء المصرية لتحذر من قيام المرأة بالتزيُّن لزوجها داخل المنزل في نهار رمضان، أما السبب فيرجع إلى عدم الرغبة في أن «تكون مدعاة لإفساد صيامه»، على اعتبار أن «هناك الكثير مما يجب أن يُشغل به الصائم أفضل من ذلك».


تقنين سعودي للفتاوى ولم تغب لغة التهديد عن القرار، إذ توعّد «كل من يتجاوز هذا الترتيب بتعريض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً من كان»، في إشارة إلى بعض الدعاة السعوديين المتنفّذين، وبعضهم ممن يظهر على القنوات السعودية، من أمثال المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان.
قرار تباينت الآراء بشأن أهدافه. فقد رأى البعض أنه محاولة لضرب أي محاولة للإصلاح في المملكة، ولا سيما أن الهيئة لا تخلو من الأعضاء المتشددين من جهة، إلى جانب محاولة إحكام نفوذ آل سعود على المشايخ من جهة ثانية، فيما رأى البعض الآخر أن القرار السعودي لا يخلو من محاولة للملك لتضييق الخناق على معارضيه من رجال الدين، وتحديداً أولئك الذين ينتقدون مبادراته الانفتاحية عبر فتاويهم، ومنها صدور فتوى تجيز قتل كل من يبيح الاختلاط رداً على افتتاح جامعة «كاوست» المختلطة.