باريس ــ بسّام الطيارةكان يمكن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن يحلم بنهاية عهد أو بالانطلاق في الترشح لولاية ثانية في ظروف أفضل بكثير من التي يعيشها اليوم. الشبهات تحوم فوق رأسه في قضايا فساد انتخابي مع تشبث بالدفاع عن وزير العمل إيريك وورث، مسؤوله المالي خلال حملته الانتخابية الرئاسية السابقة، والذي يحتل في الوقت نفسه منصب «أمين صندوق» حزبه. وهذا ما يفسر «الهلع» الذي أصاب أركان الحزب وجعل بعض الشخصيات يرفع أصواته للمطالبة بتحرك من ساركوزي «لشرح الوضع» للفرنسيين كما هي حال رئيس الوزراء السابق، جان بيار رافاران، فيما البعض الآخر يتحدث عن «ضرورة وضع حد لازدواجية موقع وورث»، ومنهم فرانسوا كوبيه، زعيم نواب حزب اليمين في مجلس النواب.
ويفسر أحد المقربين من ساركوزي هذا التوجه بضرورة عدم ترك «هذه الرموز لليمن المتطرف». وبالطبع فإن الجبهة الوطنية، التي يستعد جان ماري لوبن لـ«توريث» زعامتها لابنته مارين لوبن، تبدو الرابحة الكبرى من تكدّس ملفات الفساد التي تطال السياسيين. إذ إن «محاربة الفساد» من بين الشعارات التي يغذي اليمين المتطرف شعبيته بها إلى جانب «الهجرة والإسلام».
وعندما يخرج الإعلام لينقل أقوال محاسبة المليارديرة ليليان بيتانكور بأن «عدداً كبيراً من رجال السياسة» كانوا يستفيدون من المظاريف السمراء التي كانت توزع، ويذكر أسماء الزوار الذين كانوا يترددون على القصر ومن بينهم «ساركوزي وبرنار كوشنير وجاك شيراك...»، فإنه يعطي مصداقية للتهمة التي يروّجها اليمين المتطرف بقوله «كلهم فاسدون».
وبالطبع تنعكس هذه الأخبار على استفتاءات الرأي، وآخرها يفيد بأن سكرتيرة الحزب الاشتراكي، مارتين أوبري، سوف تفوز بالرئاسة في الدورة الثانية إذا جرت الانتخابات اليوم بـ٥٢ في المئة في مقابل ٤٨ في المئة لساركوزي. إلا أن أرقام الدورة الأولى تشير إلى أن مارين لوبن يمكن أن تحصد ١٣ في المئة. ويقرأ العديد من المراقبين خسارة محتملة لساركوزي في تزايد قوة اليمين المتطرف الذي سوف يسترد الأصوات التي نزعها منه الرئيس الحالي في الانتخابات السابقة.
وفي محاولة للخروج من حلقة الاتهامات، اختار الرئيس الفرنسي أن يتحدث اليوم على القناة الثانية للتلفزيون الفرنسي، لعلّه يتمكن من إعادة تصويب حركته باتجاه ملف إصلاح نظام المعاشات الذي يعرضه بعد غد وورث أمام مجلس الوزراء. كثيرون يقولون إن ساركوزي لن يستطيع «قلب الوضع لمصلحته» لأن المنافذ مقفلة أمامه. وهو لا يستطيع التخلص من وورث، ليس فقط لأنه يعمل على نظام المعاشات بل لأن اسمه مرتبط بملفه وأي تخلّ عنه يعني «اعترافاً بجدية الاتهامات»، ما يُبقي منفذاً واحداً أمام الرئيس يتمثل بقلب الطاولة على الجميع وتغيير الحكومة بإعلان مفاجئ حتى ولو اضطر لإرجاء مشاريعه الاجتماعية.