نصير الدولة المدنيّة مديراً لـ«وكالة الاستخبارات الوطنيّة»أرنست خوري
دخل اسم المدير الجديد لـ«وكالة الاستخبارات الوطنية» التركية، الدكتور في العلوم السياسية (42 عاماً) هاكان فيدان، في سجال ما بعد مجزرة «أسطول الحرية» بين أنقرة وتل أبيب، من الباب العريض؛ فالرجل، وفق الرواية الإسرائيلية المتداولة بشأنه، التي نقلتها صحيفة «هآرتس» عن مصادر أمنية إسرائيلية يوم الاثنين الماضي، هو «أحد منظِّمي فكرة الأسطول»، إلى جانب وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو. أكثر من ذلك، إنه «أحد أشد المدافعين عن المصالح الإيرانية النووية».
لكن ما كان فيدان لينال هذه الحصة من الاتهامات، لو لم تكن هذه الوكالة هي الأهم في تراتبية الوكالات الاستخبارية التركية. فقد بقيت رهينة الجيش التركي، حتى حصل أول «انقلاب» في داخلها في عام 1992، عندما تولّى رئاستها سونميز كوكسال، ومنذ ذلك التاريخ نحت هذه المؤسسة نحو الطابع المدني المحترف، بعدما ظلّت في صميم تدبير معظم الانقلابات العسكرية.
وقمّة التغيير الذي طرأ عليها، كانت مع إمري تانر الذي خلفه فيدان في منتصف أيار الماضي. وبقي التداول بهذا الاسم مقتصراً على الصحافة التركية، حتى نشرت «هآرتس» تقريرها عنه، ونقلت فيه مخاوف «الموساد» إزاء تعيينه، وذلك على خلفيات ثلاث: أُولاها دوره في تنظيم «أسطول الحرية»، وثانيتها قربه اللصيق من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم («العدالة والتنمية»)، وثالثتها دفاعه عن المصالح النووية الإيرانية.
شاب مقرب جداً من أردوغان وداوود أوغلو، وعمل في الجيش وفي «الأطلسي»
ووفق رواية هذه الصحيفة، فإنّ فكرة «أسطول الحرية» كانت عملاً مدبّراً من 3 أشخاص: أردوغان أولاً وفيدان ثانياً، وداوود أوغلو معهما، وذلك «في إطار خطة لتغيير طبيعة العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية»، مع اعتراف «هآرتس» بأنّه لا أدلة لدى حكام تل أبيب على ارتباط فيدان بتنظيم الأسطول ولا بـ«منظمة الحقوق والحريات» (ihh) التي نظمت فكرة أسطول غزة. وتتابع الرواية الإسرائيلية لتؤكد أنّ فيدان، الذي شغل منصب نائب مدير مكتب أردوغان في العام الماضي، هو مهندس تعميق العلاقات التركية ـــــ الإيرانية، وهو صاحب الفضل في تبنّي الموقف التركي من الملف الإيراني. وخلص تقرير الصحيفة العبرية إلى اعتبار أنّ فيدان «سيقوّي وضع أردوغان في وجه العسكر، وخصوصاً في العلاقات الخارجية التركية»، بما أنه مقرب للغاية منه، ولأنه ملزَم بتقديم تقاريره أولاً إليه، ومن ثمّ إلى رئيس الجمهورية ورئيس أركان الجيش ومجلس الأمن القومي. ويبدو أنّ المصدر الرئيسي للخشية والغضب الإسرائيليين إزاء فيدان، يمكن في ما جزمت «هآرتس» بأنه «أدى الدور المركزي، إلى جانب داوود أوغلو، في إبرام اتفاق التبادل النووي الثلاثي» الذي وُقّع في طهران في 17 أيار بين إيران وتركيا والبرازيل.
هكذا، يخشى الإسرائيليون، أيضاً بحسب «هآرتس»، أن يؤدي تعيين فيدان إلى نتائج من نوع «الحدّ من تبادل المعلومات الاستخبارية مع تركيا، لأنّ أي معلومة بحوزة تركيا قد تصل، في ظل عهد فيدان، إلى دولة أو منظمة عدوة». خوف قد يكون مبرَّراً بما أنّ الرجل القوي لأردوغان، تسلّم منصباً سيكون المصدر الرئيسي للمعلومات التي ستعمل الدبلوماسية التركية على أساسها.
وبعيداً عن الرواية الإسرائيلية، أجمعت الصحف التركية على أنّ لتعيين فيدان جوانب عدة:
فأردوغان يبغي من تعيين الرجل المقرَّب منه، المزيد من تحديث «وكالة الاستخبارات الوطنية» ومأسستها وإبعادها عن سطوة العسكر، بما أنه لا يزال 50 في المئة من موظفيها من سلك الجيش. كذلك فإنه يأمل منه أن يزيد من فعالية هذه المؤسسة التي ينوي رئيس الوزراء تقسيمها إلى جزأين (على الطريقة البريطانية m15 وm16): استخبارات داخلية واستخبارات خارجية يكون فيدان مسؤولهما، أولويتهما تعزيز دور تركيا في 3 مناطق: الشرق الأوسط، والبلقان والقوقاز، وهو ما سيجعله يعيّن عدداً كبيراً من الموظفين الذين يتقنون اللغات العربية والروسية والصربية. فصْل يراه أردوغان ضرورياً، بما أنّ صلاحيات «وكالة الاستخبارات الوطنية» حالياً، هي مزيج مما هو معمول به في إسرائيل لدى «الموساد» (الاستخبارات الخارجية) و«الشاباك» (الأمن الداخلي).
وداخلياً أيضاً، يعوّل أردوغان على أن يُسهم تعيين فيدان جدياً في حل «حضاري لكن حازم» للأزمة الكردية المستعصية.
ونال فيدان، المنحاز إلى مشروع تركيا مدنية لا عسكرية، إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، قبل أن ينجز الماجستير والدكتوراه في جامعة بيلكنت في أنقرة، مسقط رأسه. واللافت أنّ الرجل ليس بعيداً أبداً عن جوّ الاستخبارات، بما أنّ أطروحته (الدكتوراه) عنوانها «دراسة مقارَنة بين أنماط عمل أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية». كذلك فإنّ لديه خبرة عملية في ميدان الاستخبارات؛ فعندما كان في السلك العسكري بين عامي 1986 و2001، عمل في «وحدة التدخل السريع»allied rapid) reaction corps) التابعة للحلف الأطلسي، ومقرها ألمانيا، قبل أن يستقيل ويعمل مستشاراً سياسياً واقتصادياً للسفارة الأوسترالية في أنقرة.