بول الأشقر خاص بالموقع- إنها اللحظة الوحيدة التي احمرّت فيها عينا خوسي «بيبي» موخيكا، وكاد صوته يخونه عندما تسلمت منه زوجته لوسيا توبولانسكي القسم الدستوري ظهر الاثنين. وقامت السيدة الأولى بهذا الدور لأنها عضو مجلس الشيوخ الذي نال أكبر عدد من الأصوات. وبعد القسم الدستوري، يتسلم رئاسة الكونغرس نائب الرئيس دانيال أستوري وخصم الرئيس موخيكا السابق في الانتخابات الأولية التي عرفتها «الجبهة العريضة»، ائتلاف الأحزاب اليسارية الذي نجح للمرة الثانية في تاريخ الأوروغواي وبعد وصول الطبيب تاباري فاسكيز في انتخاب رئيس الجمهورية وفي تأمين الأكثرية له في مجلسي النواب والشيوخ. وبالرغم من ذعر المسؤولين عن البروتوكول لإمكان سقوط المطر على الشخصيات الدولية وفي مقدمتها أكثرية رؤساء أميركا الجنوبية ووزيرة خارجية الولايات المتحدة، كانت الشمس على الموعد بعد الظهر وكذلك الشعب للاستماع إلى أول خطاب رئاسي أراده موخيكا في الهواء الطلق و «بين شعبي» وفي ساحة أرتيغاس ـ أبي الأمة ـ «لما يعنيه هذا الرمز: للوحدة الوطنية وللهوية الأميركية اللاتينية للبلد».

وللرئيس الجديد لهجته الخاصة وأسلوبه الملوّن في التحدث للشعب وللطبقة السياسية، أسلوب رجل من 74 سنة بقي فلاحاً بدون مراوبة: «ما زلت اشتراكياً ولكني أعرف أنني لن أرى هذا النظام في حياتي. أعرف أيضاً أني أمثل بالنسبة إلى البعض فترة السبعينيات، ولكنني أفهم أيضاً أنه لا يحق لنا أن نقضي على جيل أو جيلين لنحقق أحلامنا».

وفي اليوم التالي، في أول يوم عمل، وفي حفل تسلم وزير دفاعه لويس روزاديللا ـ أيضاً آت من حركة «توباماروس» التي خاضت حرب العصابات في مدن الأوروغواي، قبل أن تختار العمل السياسي بعد عودة الديموقراطية وتنضوي في «الجبهة العريضة»، التي تمثل ائتلافاً من عدة حركات يسارية ـ سيقول نفس الكلام أمام الجنرالات ومنهم من لاحقه والذين صاروا الآن بإمرته: «إني آت إليكم بجعبتي ـ وهي رمز حركة «توباماروس» ـ ولكن من دون أي شعور بالمرارة... لم نأت هنا لنعيش الحنين ولا لنستعيد صفحات قديمة مصفرّة لأن الشمس تشرق كل يوم ولأن الحياة تبدأ كل يوم من جديد... فلنترك جميعاً جعبنا ولكل واحد منا جعبته ولننظر جميعاً إلى الأمام».

ومن المقرر أن يتابع موخيكا سياسة تاباري الاقتصادية، وهو الشرط الذي وضعه دانييل أستوري وزير المال السابق للقبول بنيابة الرئاسة، وسيعمّق البرامج الاجتماعية مع اهتمام خاص بالمساكن الشعبية ولكنه التزم باستئصال الفقر المدقع الذي «ما زال يعاني منه 2 في المئة من شعبنا وهو عيب وطني»، وكذلك بتقليص عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى النصف خلال ولايته.

ولا يخشى موخيكا الحوار مع أحد بعكس تاباري وكل أسلاف هذا الأخير اليمينيين، ولذلك عيّن أعضاءً من أحزاب المعارضة في المؤسسات العامة، ودعا زعماء هذه الأخيرة إلى الاجتماع الذي عقده مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، وعيّن لجاناً مؤلفة من أعضاء من جميع الأحزاب لما يعتبره «ملفات مصلحة وطنية جامعة»، ألا وهي التعليم والأمن والبيئة والطاقة. وكذلك قرر اعتبار المصالحة مع الأرجنتين أولوية بداية عهده، ويفرق بين البلدين خلاف مزمن على إقامة معملين على نهر ريو ديل بلتا وقد وصل إلى المحاكم الدولية وعكر العلاقات بين البلدين ولم يسهم في حلحلته التوتر المزاجي بين تاباري ورئيس الأرجنتين السابق نيستور كيرشنير.

وتكلم موخيكا عن «الثورة التعليمية» التي من أجلها سيؤمن موارد استثنائية «حتى على حساب قطاعات أخرى»، وعما يسميه «الزراعة الذكية» التي ستتطلب من الأوروغواي التخصص في المجالات التي لديها فيها صفات تمايزية. أيضاً، ألّف موخيكا حكومة سمح فيها، بعكس تاباري، لمكونات «الجبهة العريضة» بأن تسمّي ممثليها لأنه يود إعادة النقاش السياسي إلى داخل المجلس ولأنه رأى بذلك أفضل وسيلة لجعل الجيل الثاني من «الجبهة العريضة» يتحمل مسؤولياته حتى لو أتى الخيار هذه المرة مجحفاً للتمثيل النسائي الذي أتى هزيلاً بالمقارنة مع الحكومة السابقة.

أخيراً وليس آخراً، اشترط موخيكا التقشف على جميع وزرائه، ويعدّ ذلك حجر الزاوية في عهده لترسيخ فكرة «أن السياسة لا يجوز أن تكون مصدر عيش بل خدمة عامة»، وأعطى المثل بتحويل ما يوازي 87 في المئة من معاشه الشهري طوال عهده لمنظمة خيرية.