روسيا وقضايا المنطقة (2/4)ربى أبو عمّو
حين يمثّل اليهود الروس نحو 20 في المئة من سكان إسرائيل، يكون الحديث عن علاقة خاصة بين روسيا وإسرائيل أمراً بديهياً، وإن كان السطح يُظهر العديد من الملفات الشائكة بين الدولتين. وقد قالها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بوضوح: «روسيا تنظر باهتمام إلى أكثر من مليون ناطق بالروسية في إسرائيل»، حتى إنه وصفها بـ«إحدى الدول الناطقة بالروسية».
تغيّرت السياسة الروسية تجاه إسرائيل. لم تحتل الدولة العبرية موقعاً متقدماً في مرحلة الاتحاد السوفياتي، باستثناء الفترة التي كان فيها الاتحاد أول من اعترف بإنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، الذي تلاه محاولة الرئيس السوفياتي جوزف ستالين عقد صفقة مع تل أبيب على حساب واشنطن. ووصولاً بالتاريخ إلى حرب حزيران من عام 1967، قطع الاتحاد السوفياتي علاقته بإسرائيل، وحافظ على هذه المقاطعة حتى عام 1991. خطوة جرّت وراءها نفحة إيجابية طغت على العلاقة بين الدولتين، وخصوصاً حين هاجر نحو مليون يهودي روسي إلى إسرائيل.
قفزت الدولتان نحو علاقات شراكة في عام 1996، مع تولّي بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة، بعد توقيع وزارة الدفاع الروسية اتفاقيات واسعة وكبيرة مع إسرائيل، شملت توريد وتطوير عدة أنواع من الأسلحة الروسية. هذا عدا عن منح إسرائيل 50 مليون دولار لروسيا.
ومع حلول عام 2000، كشفت مصادر إعلامية إسرائيلية أن «روسيا وإسرائيل كثّفتا التعاون الأمني والاستخباري بينهما». وقالت إن «الحكومتين اتفقتا على عقد لقاءات دورية بين أجهزتهما الاستخبارية لتنسيق جهودهما ضد خطر الأصولية الإسلامية». حتى إن بعض المصادر استطرد في الكشف عن أن «الاستخبارات الروسية هي التي شرعت في تزويد الموساد بمعلومات عن أنشطة حركات إسلامية على علاقة بالمجاهدين الشيشان».
التاريخ الحديث يشير إلى علاقة خاصة أسهم بوتين في تركيبتها. في عام 2005، زار الأخير إسرائيل في إطار جولة شرق أوسطية. زيارة أدّت دوراً مهماً في كسر الجليد بين الجانبين، ووصفها الرئيس الإسرائيلي آنذاك موشيه كتساف ورئيس الوزراء أرييل شارون بأنها «تاريخية».
خاطب بوتين الإسرائيليين قائلاً: «نملك جميع عوامل النجاح. الأهم هو الرغبة في تمتين صداقتنا». وأسفرت هذه الزيارة عن مضاعفة حجم التجارة المباشرة بين الدولتين، حتى وصلت إلى 1.5 مليار دولار. في هذه المرحلة، كثر الحديث عن تعاون إسرائيلي ـــــ روسي في مجالات عديدة. وقالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إن «خبراء روساً وإسرائيليين كانوا يطوّرون خطة لبناء حاجز أمني على الحدود الشيشانية، على غرار الجدار العازل في الضفة الغربية».
ويمكن تعداد زيارات عدة قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى موسكو خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ففي تشرين الأول من عام 2008، زار رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت موسكو حاملاً معه بادرة رمزية للروس، وهي الموافقة على استعادتهم موقعاً أثرياً أنشأه القيصر الروسي ألكسندر الثالث في عام 1888 في وسط القدس، بجوار الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. حتى إنه قال للروس إن إسرائيل «أوقفت شحنات الأسلحة إلى جورجيا»، مطالباً الروس في المقابل «بعدم تزويد سوريا وإيران بأنظمة صواريخ متطورة، ولا سيما إس ـــــ 300 أو الإسكندر».
وفي آب من العام الماضي، زار الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز موسكو تزامناً مع الحديث عن قرب انعقاد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط في العاصمة الروسية، وعن مبادرة أميركية جديدة للتسوية السلمية للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. واتفق بيريز ونظيره الروسي ديمتري مدفيديف على تطوير العلاقات التجارية وتفعيل التعاون في مجال الطاقة.
إلّا أن هذا الودّ الاقتصادي لم يخل من التعقيدات، وخصوصاً أن موسكو تلقي باللوم على تل أبيب في عرقلة انعقاد مؤتمر السلام. هذا عدا عن الإدانات الكثيرة للأعمال الإسرائيلية. فمن أصل 21 تصويتاً في ملف خاص بإسرائيل في الأمم المتحدة منذ أيلول عام 2004، صوّتت روسيا 17 مرة ضد الدولة العبرية، وامتنعت أربع مرات عن التصويت.
وتمثّل ثلاثة بلدان أساسية في الشرق الأوسط أزمة بين إسرائيل وروسيا، وهي إيران وسوريا وغزة. فالعلاقة مع إيران، بدءاًَ بمفاعل بوشهر النووي وبيعها الأسلحة والصواريخ أحدثت جدلاً كبيراً. حتى إن توالي زيارات الإسرائيليين إلى روسيا هدف إلى إقناع موسكو بعدم بيع طهران صواريخ «أس ـــــ 300»، وفرض عقوبات عليها بشأن برنامجها النووي في مجلس الأمن.
كذلك فإن دعوة بوتين نظيره السوري بشار الأسد إلى موسكو في عام 2005، كانت العرض الأول من نوعه لزعيم روسي خلال أكثر من 12 عاماً. وعلّق بوتين قائلاً: «سوريا هي بلد كان له مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، وروسيا حالياً، علاقات مميزة ودافئة»، ما استفزّ إسرائيل.
وإلى ملف حركة «حماس» في غزة، أثّرت زيارتا رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية خالد مشعل إلى موسكو على العلاقة مع الدولة العبريّة. وما يزيد الطين بلة، هو عدم وضع روسيا «حماس» على لائحة الإرهاب.
يقول البراغماتي الأكبر في تاريخ آسيا، الزعيم الصيني دنج زياو بنج، «لا يهم لون القط إذا كان أسود أو أبيض، فما دام يصطاد فئراناً فهو قط جيد». هذه هي روسيا الجديدة في علاقتها مع إسرائيل.


غياب الثقةهذه الحادثة ليست إلّا جزءاً صغيراً من المشاعر التي أعرب عنها الطرفان أحدهما تجاه الآخر. كان الروس يوحون بأن إسرائيل هي المسؤولة عن عرقلة انعقاد مؤتمر موسكو حتى اليوم، وعدم استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وحرب غزة وغيرها من الأمور.