واشنطن ـ محمد سعيدنظرت المحكمة الأميركية العليا يوم الثلاثاء الماضي في القضية الخاصة بالحريات، التي يتضمّنها التعديل الأول في الدستور الأميركي، والتي رفعها محامي الحقوق المدنية رالف فرتيج ضد جهود الحكومة الأميركية لمحاربة ما تسمّيه الإرهاب. وتُعدّ هذه القضية الأولى التي تنظر فيها المحكمة العليا في موضوع تعارض قانون الوطنية الأميركي مع حرية التعبير والتجمع.
ويقول مناهضو قانون الوطنية، الذي يحظر تقديم ما يسميه «دعماً مادياً» إلى منظمات إرهابية، إنّه ينتهك القيم الأميركية إلى حدّ أنّه يجعل العضو الجمهوري الراحل في مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي يحمرّ خجلاً. يُذكر أنّ مكارثي الذي نُسب إليه مصطلح «المكارثية» في الخمسينات من القرن الماضي نشر سياسة الخوف إزاء «الخطر الأحمر» أي الشيوعية أثناء الحرب الباردة.
وتدافع الحكومة الأميركية عن القانون الذي صدر لأول مرة بعد أقل من شهرين من وقوع هجمات 11 أيلول 2001 كقانون مؤقت، لكنّ الرئيس السابق جورج بوش عمل في أواخر ولايته على تحويله إلى قانون دائم، يمثّل نهجاً شاملاً لحظر تقديم أيّ مساعدة إلى من يصفهم بالجماعات الإرهابية. إذ يحظر ليس فقط تقديم المال والأسلحة وما شابه، بل يحظر أيضاً أربعة أشكال أكثر غموضاً من المساعدة هي: التدريب، الأفراد، مشورة أو مساعدة خبير والخدمة.
وقد شهدت قاعة المحكمة العليا مرافعات من المدعية العامة للحكومة الأميركية وخبراء القانون المناهضين للقوانين التي تحدّ من حرية التعبير بدعوى مكافحة الإرهاب.
وقالت المدعية العامّة إلينا كاغان في معرض دفاعها عن قانون الوطنية «إنّه سلاح حيوي في كفاح هذا الوطن ضد الإرهاب العالمي». وقالت «حزب الله يبني قنابل، وهو أيضاً يبني منازل. إنّ ما قرره الكونغرس هو أنّه عندما تساعد حزب الله على بناء منازل فأنت أيضاً تساعده على بناء قنابل... هذه هي النظرية التي يستند إليها القانون».
ولكن بدا أنّ عدداً من القضاة قد نظر إلى القضية باعتبارها أكثر صعوبةً على الأقل عندما تأخذ المساعدة شكل حرية التعبير بدلاً من السلوك.
وقال أستاذ القانون المعروف في جامعة جورج واشنطن والمحامي ديفيد كول «هذه المحكمة (العليا) لم تجزم قط وتجرّم التعبير المشروع عن قضايا تحظى بالاهتمام العام». وقال موكلو كول إنّهم يريدون أن يقدّموا دعماً لأنشطة مشروعة وسلمية لحزب العمال الكردستاني في تركيا وجماعة التاميل في سريلانكا، وهما منظمتان تدرجهما وزارة الخارجية الأميركية على قائمتها لما تسميه «المنظمات الإرهابية».
وقال فريتج إنّه يريد مساعدة حزب العمال الكردستاني، وإيجاد سبل لحماية حقوق الأكراد في تركيا، وإثارة مطالبهم أمام الهيئات الدولية.
وقال رئيس قضاة المحكمة العليا جون روبرتس إنّ جزءاً من القانون على الأقل الذي يحظر تقديم مشورة خبير يبدو غامضاً بالنسبة إليه. وأضاف «لا أدري إذا كنت أستطيع أن أميّز متى يكون تقديم المشورة السلمية أمراً محظوراً أيضاً».
وقد حاول القاضي أنطوني سكاليا تمييز سوابق المحكمة العليا لحماية بعض أشكال المعارضة والدفاع خلال الحرب الباردة. وقال سكاليا إنّ «الحزب الشيوعي كان أكثر من منظمة لديها بعض الأهداف غير المشروعة». وأضاف «لقد كانت أيضاً فلسفة اشتراكية متشدّدة، والعديد من الأشخاص كانوا يتبنّون هذه الفلسفة. ولا أعتقد أنّ حماس أو أيّاً من هذه المنظمات الإرهابية تمثل منظمة فلسفية».
أما القاضي أنتوني كنيدي، أكثر قضاة المحكمة العليا التسعة دفاعاً عن الحريات التي يكفلها التعديل الأول في الدستور الأميركي، فقد قال «هذه قضية صعبة بالنسبة إليّ». وأضاف إنّ «أيّ شكل من أشكال الدعم سيؤدي في نهاية المطاف إلى مساعدة المنظمة الإرهابية، ونحن لنا مصلحة حكومية في عدم السماح بذلك».
غير أنّ القاضية سونيا سوتو مايور، وهي من أصول أميركية لاتينية عيّنها الرئيس باراك أوباما العام الماضي قالت إنّ قانون الوطنية ربما يحتاج إلى نطاق واسع من القرارات. وأضافت إنّه قد يعتبر «تعليم عزف الهارمونيكا جريمة لأنّها تتطلب مشاركة خبير في التدريب».
ولم تؤدِّ جلسة المحكمة العليا يوم الثلاثاء إلى إصدار رأي بشأن تعارض قانون الوطنية مع الدستور الأميركي. ويذكر أنّ قضاة المحكمة العليا منقسمون حزبياً، حيث إن خمسة منهم ينتمون إلى الجناح الجمهوري المحافظ، فيما يميل الأربعة الباقون إلى الحزب الديموقراطي.