استراتيجيّة روسيّة جديدة للأمن القومي وتعديل في العقيدة العسكريّةربى أبو عمو
حرص رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت الذي شُغل فيه العالم بالاحتفال بالعام الجديد، على تمرير رسالة سياسية إلى الولايات المتحدة، أمَلَ في خلالها «تحسن العلاقات مع واشنطن عام 2010».
ملاطفة بوتين هذه سبقها انتقاد لاذع للإدارة الأميركية، آخرها كان حين أعلن أن «خطط الولايات المتحدة لإقامة نظام دفاعي صاروخي ستضطر بلاده إلى تطوير أسلحة هجومية جديدة». كذلك لجأ إلى المقايضة، مؤكّداً أن بلاده «ترغب في الاطّلاع على مزيد من المعلومات بشأن خطط الدفاع الصاروخي الأميركية، على أن تربط هذا المطلب بالمعاهدة النووية الجديدة».
كان بوتين صادقاً في موقِفَيه؛ تعزيز العلاقات مع واشنطن وتطوير درع صاروخية روسية. لم يقصد طعن أيّ احتمال للتقدم في مفاوضات معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية «ستارت ـ1». فالأمر يندرج في إطار استراتيجية الأمن القومي الروسي الجديدة، التي تمتد حتى عام2020، وصُدّق عليها بموجب مرسوم رئاسي في 12 أيار الماضي. هذه الوثيقة، التي حلّت بديلاً عن استراتيجية عام 2000، تواكب التغيّرات الأساسية في الأمن العالمي والموقع الروسي الجديد على الخريطة العالمية.
وبقليل من المقارنة، يبدو واضحاً أن محور استراتيجية الأمن القومي لعام 2000 تمثّل في وقف التدهور الاقتصادي والعسكري، الذي كانت تعانيه البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. إلّا أنه بعد تسع سنوات، وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية الراهنة، بات الكرملين يرى أن «روسيا نجحت في التغلب على مشاكلها الداخلية: تحسنت مستويات المعيشة، وعزّزت الدولة قوتها لمواجهة التحديات التي تهدد سلامة أراضيها».
من هنا، انطلقت استراتيجية عام 2009 من موقع روسيا الجديد على الساحة الدولية. ولحفظ هذا الموقع، عمدت في وثيقتها إلى أن تكون أقل عدائية من سلفها الاتحاد السوفياتي. فموسكو تسعى اليوم إلى إقامة شراكة متكافئة وذات مغزى استراتيجي مع واشنطن، وخصوصاً في مجال نزع السلاح ومراقبة التسلح ومكافحة الإرهاب وتسوية النزاعات الإقليمية. إلّا أن التفوق الأميركي عسكرياً، مثّل ذريعة لروسيا لتبرير حاجتها إلى تحسين الاستعداد القتالي لقواتها المسلحة، والحفاظ على الردع النووي، وصولاً إلى مستوى متكافئ مع الولايات المتحدة.
وفي ظل استراتيجية الأمن القومي هذه، تنطلق العقيدة العسكرية الروسية الجديدة، التي من المتوقع أن يصدّق عليها الرئيس ديمتري مدفيديف في الفترة القريبة المقبلة، من قناعة مفادها أن خطر الحرب ضد روسيا حقيقة واقعة، رغم تغيّر اللهجة من شنّ حرب ومجابهة شاملة إلى شنّ حروب ومجابهات محلية وإقليمية. خطرٌ يفنّده سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف من خلال نقاط عديدة:.
أولاً: يستمر حلف شمال الأطلسي في التوسّع والتقدم نحو الحدود الروسية، وقد ازداد نشاطه العسكري.
ثانياً: أن انتشار الأسلحة النووية والكيميائية والتكنولوجيا البيولوجية لإنتاح أسلحة الدمار الشامل والإرهاب الدولي تزعزع الوضع العسكري ـــــ السياسي.
ثالثاً: بسبب الصراع على الوقود والطاقة وغيرهما من الخامات، تزداد المجابهات في المناطق المحاذية للحدود، من ضمنها منطقة القطب الشمالي.
رابعاً: تشتد الدعوات إلى روسيا لحل الخلافات الحدودية من جانب بعض الدول مثل اليابان.
خامساً: مستقبلاً، ستنعكس الأوضاع في العراق وأفغانستان، والنزاعات في الشرقين الأدنى والأوسط ودول جنوب آسيا وأفريقيا وشبه الجزيرة الكورية بصورة سلبية على الوضع العالمي.

موسكو تسعى إلى إحلال الشراكة العالمية محل القطب الأميركيّ الواحد
وبحسب صحيفة «برافدا» الروسية، تقول الفرضية الأساسية للوثيقة العسكرية إن العالم منظّم وفقاً لمبدأ متعدد الأقطاب. وإن احتمال نشوب صراع عسكري واسع النطاق يستخدم الأسلحة النووية ضد الاتحاد الروسي ضئيل. في المقابل، تسعى روسيا إلى حماية نفسها من أي عدوان محتمل، معلنةً حقّها في استخدام الأسلحة النووية ليس فقط في حالة العدوان عليها، لكن أيضاً رداً على التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد روسيا أو حلفائها، وحتى لردع أيّ عدوان بالأسلحة التقليدية.
وفي ما يتعلق بالأسلحة العادية، يجب تجهيز الجيش الروسي بمعدات جديدة بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2015، و70 في المئة بحلول عام 2020. كما ترغب روسيا في أن تحتل إحدى مراتب الدول الخمس الأولى من حيث الناتج المحلي بحلول عام 2015. وتهدف إلى تنمية الديموقراطية.
إنها البراغماتية الروسية، تسعى إلى إحلال الشراكة العالمية محل القطب الأميركي الواحد. هذا القطب حقيقة واقعة رغم أن التقارير الروسية تتحدث عن خفوته. ولإلغائه، ها هي روسيا ترسم خططاً للتفوق العسكري والتطوير الاجتماعي والاقتصادي. أما معاهدة «ستارت»، إذا ما جرى الاتفاق عليها، فستكون ضئيلة التأثير في طموح أحفاد القياصرة.