توحي الصورة الخارجية التي يقدّمها حكّام أنقرة بأنّ دبلوماسيتها ودبلوماسيّيها من الطراز الأرفع. لكن الواقع لا يزال متخلّفاً، وهو ما دفع إلى إطلاق ورشة لتحديثها
أرنست خوري
حقّقت حادثة إهانة السفير التركي لدى إسرائيل أحمد أوغز تشليك كول، وما تلاها من اعتذار تل أبيب لأنقرة، انتصاراً لتركيا. لكنّها فضحت إحدى عورات دبلوماسية هذه الدولة العضو في مجلس الأمن الدولي، والساعية إلى تأدية دور القوة الإقليمية العظمى؛ أُهين السفير بعبارات عبرية لم يفهمها، وقابلها بابتسامات أمام الكاميرات أضرّت بصورة بلاده بقدر ما عوّض عليها الاعتذار اللاحق.
وحقيقة جهل تشليك كول، المقترب من سنّ التقاعد، للغة الدولة المعتمَد لديها، ليست استثناءً في السلك الدبلوماسي التركي؛ فبعكس الصورة النمطية التي قد تتكوّن لدى المراقب لنشاطية السياسة الخارجية التركية في السنوات الماضية، فإنّ وزارة الخارجية، بموازنتها المالية الضئيلة وكادرها البشري وقدراته المتواضعة، لا تزال بعيدة جداً عن تلبية طموحات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو من ناحية تثبيت وضع تركيا في خانة القوى الإقليمية التي لا يمكن تجاوزها.
وداوود أوغلو، واضع رؤية السياسة الخارجية والذي انتقل إلى حيّز تطبيقها العام الماضي، مدرك فقر وزارته على جميع المستويات، ولم ينتظر حادثة إهانة سفيره ليطلق ورشة عمل طويلة الأمد لتحديث وإعادة تأهيل كل ما يمتّ للدبلوماسية الخارجية بصلة.
وقبل يومين من إهانة تشليك كول على لسان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون في 12 كانون الثاني الجاري، كان «البروفسور» يختتم في أنقرة، ورشة عمل لجميع العاملين في السلك الدبلوماسي التركي في الخارج، تمّ خلالها تحديد أطر تحديث عملهم. وأتى التطور من تل أبيب ليشير إلى مدى الحاجة إلى الإسراع في هذه الخطة.
قبل 2002، كانت السياسة الخارجية التركية تُعدّ من الاختصاصات الرئيسية للمؤسسة العسكرية. بناءً عليه، كان تدريب الدبلوماسيين وتعيينهم ونقلهم والاهتمام بشؤونهم شبه محصور بذوي الرتب العسكرية. ومنذ 1999، وتحديداً منذ قررت قمة هلسنكي للاتحاد الأوروبي البدء بالمفاوضات حول عضوية تركيا في الاتحاد، زاد الاهتمام بوزارة الخارجية التركية، إلا أنه غير كافٍ ومقتصر على الدول الأوروبية. ومنذ وصول «العدالة والتنمية» إلى الحكم، اتّخذ قراراً باعتماد نمط جديد من الدبلوماسية وفق فهم داوود أوغلو لها: «سياسة الصفر أعداء»، و«سياسة متعددة الأبعاد» و«القوة الناعمة» والخروج من المركزية الأوروبية. سنوات مرّت ولم يختلف وضع هذه الوزارة إلا قليلاً، وما من دليل أوثق من الأرقام: موازنة وزارة الخارجية لعام 2010 نحو 60 مليون دولار، في مقابل نحو 20 ملياراً لوزارة الدفاع و6 مليارات للأمن العام ونحو 2.7 مليار لقيادة الشرطة. أكثر من ذلك، ليس لدى تركيا، التي ترى أنّ عضويتها في الاتحاد الأوروبي أولوية أولويّاتها، إلا 160 خبيراً في الشؤون الأوروبية، فيما دولة كسلوفينيا تخوض معركة عضويتها بـ 300 خبير، حسب اعتراف وزير الدولة المسؤول عن التفاوض مع الاتحاد إغمن باغيش.
من هنا، خرج المؤتمر الذي نظّمه داوود أوغلو قبل أيام بمجموعة قرارات تحتاج إلى وقت وأموال، لكنها أكثر من ضرورية لرؤيته لتركيا: زيادة حجم موازنة وزارته. إلزام جميع السفراء الأتراك بتعلم لغة الدولة المعتمدين لديها. تشجيع جميع العاملين في السلك الدبلوماسي على إكمال دراساتهم العليا على مستويات الماجستير والدكتوراه. استحداث وحدة جديدة في وزارة الخارجية مهمتها تفعيل الدبلوماسية العامة ومخاطبة الرأي العام العالمي وأساليب الضغط في الدول المعتمدين لديها لتحقيق المصالح التركية. استحداث برامج تدريبية دورية لتأهيل وإعادة تأهيل أعضاء السلك الدبلوماسي. فرض أن تكون النسبة الأكبر من التعيينات الدبلوماسية الجديدة من فئة الشباب. إصدار قرار برفع مستوى التمثيل التركي في معظم الدول الأفريقية والأميركية اللاتينية إلى مستوى السفارات.