رئيس الوزراء يقود رئيسه في «رسوم متحرّكة» تسخر من السياسة المعاديةربى أبو عمو
رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين يتوجه إلى الأطفال. يتنازل عن عضلاته ويرقص. يشاركه الرئيس ديمتري مدفيديف. ليلة رأس السنة، عرضت القناة الروسية الرسمية الأولى رسوماً متحركة، جسّدت بوتين ومدفيديف كشخصيتين رئيسيتين، يرقصان ويغنيان معاً. عرضٌ لم يتوقف عند هذه الليلة، بعدما بُثّت حلقة الرسوم هذه يوم الأحد الماضي في الساعة العاشرة مساءً، على أن يعرض المسلسل مرتين في الأسبوع.
هذه الشخصيات المتحركة أعلنت تحالف بوتين مع الإعلام وفن الدعاية. وهو عرف كيف يدخل إلى عقول مواطنيه من خلال وسائل الإعلام الرسمية.
دخول هذه المرة تحقّق بضحكة وأغنية ورقصة. غنّى بوتين ومدفيديف معاً. عزف الرئيس على آلة الأكورديون. رئيس الوزراء ضرب الدف على مختلف أنحاء جسده. مدفيديف يقول لبوتين دائماً «أنا أتفق معك»، كأنه يكرّس تبعيته.
كثف بوتين حضوره الإعلامي كأنه بدأ تجميع النقاط للترشح للرئاسة عام 2012
في إحدى أغنياتهما المشتركة، سخر الرئيسان من مشروع خط أنابيب «نابوكو» المدعوم من الغرب، الذي يهدف إلى تجاوز روسيا من خلال توريد الغاز من آسيا الوسطى إلى غرب أوروبا عبر تركيا. أغنية أخرى تهكمت على الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو، الذي خرج من الدورة الأولى للانتخابات التي جرت يوم الأحد الماضي، إضافةً إلى الأزمات السياسية في بلاده.
وتتالت الأغنيات. سخر الرئيس ورئيس وزرائه، أو إذا صح القول، رئيس الوزراء ورئيسه، من الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي. غنيا عن فساد البيروقراطيين. قالا «كان البيروقراطيون في وقت ما يعيشون على الرشى، لكنني اتخذت بعض التدابير وهم الآن في مكان آخر»، أي خلف القضبان، في إشارة إلى محاربتهما الفساد.
يؤدّي بوتين الدور الرئيسي في هذا الفيلم، بينما يمثّل مدفيديف دور المغني التابع. صحيح أن المسلسل عبارة عن رسوم متحركة، إلا أن مضمونه يخاطب جميع الفئات العمرية. لن يفهم الأطفال الرسائل السياسية التي أراد العرض إيصالها إلى الشعب، لكنهم سيشاهدون رئيسهم الضحوك وهو يغني ويعزف الموسيقى. سيرون أيضاً سلاسة رئيس وزرائهم، الذي قاد حرب الشيشان بصفته رئيساً، وهو يرقص بشخصيته الكاريكاتورية، بعدما حرص لسنوات طوال على تثبيت شخصيته القيادية القوية والصلبة. ومنذ وصول بوتين إلى الرئاسة عام 2000، تحالف مع الإعلام. ظهر دائماً في صورة رجل الاستخبارات السابق «كي جي بي»، الفكرة التي تكررت في غالبية إطلالاته الإعلامية. هو الذي قال إنه «سيمسح إرهابيي الشيشان بالمرحاض»، حتى سمي بـ «بطل القبضة الحديدية في الشيشان» و«السلطة العمودية».
وتشرح ليليا شيفتسوفا في كتابها «روسيا بوتين» كيف أغرمت الروسيّات برئيسهن. وتقول «حتى إن بعضهن أعربن عن حبهن لقائدهن الرياضي النحيف في مقابلات تلفزيونية». وتتابع «هذا ليس مستغرباً لأن بوتين حيّر المراقبين الذين اعتادوا مشاهدة زعيم عليل على الدوام». هو رجل الحزام الأسود في الجودو، وصاحب العضلات المفتولة الذي يجيد الصيد.
وأخيراً، كثّف بوتين حضوره الإعلامي، كأنه بدأ تجميع النقاط للترشح للرئاسة عام 2012. عرض الانضمام إلى منتخب الجودو الوطني. وقد نشرت صوره في وسائل الإعلام وهو يخوض إحدى المباريات، ويجلس إلى جانب طفلة بزيه الأبيض، المربوط بالحزام.
غنّى بوتين ومدفيديف أغنية سخرت من الرئيسين الأوكراني والجورجي
وإلى جانب صورته كزعيم روسيا الأوحد، عمل بوتين على تكريس صورة الثنائي مع مدفيديف، وتأكيد تفاهمهما المطلق في العمل السياسي. هكذا، ظهرت صور الرجلين في وسائل الإعلام وهما يمارسان رياضة التزلج.
وتمكنت روسيا من تكريس صورة الزعيم الواحد منذ عهد الاتحاد السوفياتي. فلطالما جسد «الزعيم» صورة الحزب، حتى بدا هو مشروعه. ومع إعداد الرئيس الروسي الأول ما بعد الاتحاد السوفياتي، بوريس يلتسين، بوتين للرئاسة، أنشأ الكرملين حركة «الوحدة» لتأسيس كتلة داعمة له في الكرملين، تحولت إلى حزب من دون مشروع. وترى شيفتسوفا أن «حركة الوحدة عبارة عن بدعة افتراضية، فهي لم تكن تملك ايديولوجيا أو نظاماً حتى عندما بدأت الانتخابات. وأصبح بوتين نفسه هو البرنامج السياسي للحزب».
أدرك بوتين أن صورته الاستخباراتية، وهو مفتول العضلات، ليست كافية. لا بد من صورة أكثر ديموقراطية لا تحصر مفهوم «الليبرالية» بمدفيديف. فكانت الرسوم المتحركة، التي شاركت في صياغتها وسيلة إعلامية رسمية. تصرّ موسكو على أن الشراكة مع أوروبا والولايات المتحدة، لا بد أن ترفع أسهم السلطة التي تفسح مجال النقد المغلّف بالتبجيل. وفي السياق، يقول المحلل السياسي ألكسي بانكين إن موجة النقاش بشأن الرسوم الكاريكاتورية «تذكره بالأيام الأولى لرئاسة الزعيم السوفياتي الأخير ميخائيل غورباتشوف، عندما كان يسمح لنا بأن ننتقد بعض أعضاء المكتب السياسي».
صار بوتين زعيماً بصفات إنسانية مختلفة. هكذا يريد أن تصل صورته إلى الشعب. هذه البروباغندا أيضاً صوّرت شخصية مدفيديف التابع، في صورة الرئيس.
أخيراً، يقول مدفيديف لبوتين في المسلسل «نحن مثيران فلاديمير». يرد الأخير «أعرف، من وقت إلى آخر».


أدركت روسيا أهمية الدعاية الإعلامية في سنوات الرئيس الروسي الأول بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بوريس يلتسين. وتقول ليليا شيفتسوفا في كتابها «روسيا بوتين» إنه «في الحملة الرئاسة لعام 1996، حاول مسؤولو التلفزيون الرسمي إظهار يلتسين الضعيف بصورة الزعيم القوي. وفي أواخر عام 1999، أصبح التلفزيون الأداة الرئيسية لتدمير منافسي بوتين. فأوكل إلى سيرغي دورينكو، وهو مقدم أخبار شهير في التلفزيون الحكومي، مهمة تشوية سمعتيهما كل ليلة سبت».