خاص بالموقع- سيواجه ميزان القوى في الشرق الأوسط تقلبات عنيفة إذا نجح العراق في زيادة إنتاجه من النفط إلى ثلاثة أضعاف، وستشعر القوة الشيعية، إيران، بالتهديد أكثر من العملاق النفطي، السعودية. وقد يؤدي الصعود المحتمل للعراق إلى المرتبة الثالثة بين أكبر منتجي النفط في العالم إلى تأليف جبهة شيعية قوية داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» إذا نسقت بغداد سياسة الإمدادات مع سياسة طهران.
ومن شأن ذلك أن يثير قلق السعودية التي تشعر بارتياب بالفعل إزاء صعود الغالبية الشيعية في العراق إلى السيادة السياسية عقب سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين. وقد يزيد الشقاق داخل «أوبك»، ما يقوّض الجهود الرامية إلى عرض صورة من الانسجام.

غير أنّه على الأرجح أن يغذي تطوير النفط في العراق التوترات مع إيران ويسحب استثمارات أجنبية محتملة من الجمهورية الإسلامية ويفاقم التوترات الاجتماعية بحرمان طهران أموالاً تحتاج إليها بشدة إذا أدّت أعمال التطوير تلك إلى انخفاض أسعار الخام.

ويمكن العائدات التي سيجنيها العراق من 4.5 ملايين برميل يومياً إضافية يتطلع لإنتاجها، أن تمنح الدولة العربية القدرة على تحدي النفوذ الإيراني على العالم الشيعي.

وتقول المحللة لدى «آي إتش أس» غلوبال أنسايت، جالا رياني، إنّ «التطوير (في قطاع النفط العراقي) قادم لا محالة. إلا أن التغيّرات في ميزان القوى لن تكون فورية، إنها أطول أجلاً وتسبب مصاعب سيكون من الضروري على العراق والدول المجاورة أن يتعاملوا معها».

ويحتاج كل من العراق وإيران إلى استثمارات هائلة في قطاعي النفط المتداعيين لديهما. ويعطي انفتاح العراق على شركات الطاقة العالمية، وإن كان ذلك بشروط صعبة، الدولة العربية فرصة أفضل في جذب مليارات الدولارات يحتاج إليها لعمليات تطوير على نطاق غير مسبوق لحقول النفط.

ومن شأن ذلك أن يصعّب على طهران جذب السيولة التي تحتاج إليها، في وقت تواجه فيه الدولة الإيرانية ضغوطاً اجتماعية وسياسية هائلة عقب انتخابات الرئاسة التي طعنت فيها المعارضة وفاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة ثانية.

ويفاقم من ذلك أن شركات النفط الحكومية الصينية العملاقة تشارك في عمليات في بلاد الرافدين، الأمر الذي لا يترك لها موارد تُذكَر للعمل في مناطق أخرى. وتحولت إيران إلى الشركات الحكومية الآسيوية للحصول على المال والتكنولوجيا بعدما نأت الشركات الغربية بنفسها عنها بسبب الوضع السياسي والعقوبات.

ويقول مسؤول تنفيذي غربي كبير: «لماذا سيرغب المرء في الاستثمار في إيران؟ إنها محفوفة بمخاطر شديدة. هناك العقوبات والوضع السياسي. إذا عملت في العراق فسيكون من الضروري أن تحدّ من تعرضك لدولة أخرى محفوفة بمخاطر في المنطقة». وأضاف أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تكون مقصداً لمن يخسرون في المناقصات النفطية العراقية.

وإذا وُقِّعَت جميع العقود التي تطرحها بغداد، يمكن العراق أن يزيد طاقته الإنتاجية إلى عشرة ملايين برميل يومياً مقارنة مع 12.5 مليون للسعودية وعشرة ملايين لروسيا، متجاوزاً بكثير إيران التي تقول إنها تضخ 4.2 ملايين برميل يومياً.

وإيران أكثر اعتماداً على أسعار النفط المرتفعة من السعودية، أكبر مصدّر للخام في العالم، لتمويل برامج إنفاق اجتماعي. ومن شأن زيادة الإنتاج العراقي أن يدفع أسعار النفط للهبوط على المدى البعيد وقد ينال أيضاً من حصص الدول الأخرى من السوق.

ويشير دايفيد ماك، وهو سفير أميركي سابق في الشرق الأوسط، إلى أن «أي تراجع آخر للأسعار كالذي حدث في الشتاء الماضي من شأنه أن يرهق الحكومة الإيرانية التي تعاني بالفعل ضعفَ التأييد الشعبي بسبب سوء الإدارة الاقتصادية، فضلاً عن المشكلات السياسية الواضحة الناتجة من الانتخابات».

وستراقب السعودية صعود القوة النفطية للعراق وعلاقاته مع طهران بحذر. لكن محللين يقولون إن الرؤية التي تقول إن العراق بعد صدام حسين يخضع لهيمنة إيران غالباً ما تكون مبالغاً فيها.

ويشيرون إلى أنه حتى إذا أدّت الانتخابات العامة المقررة العام المقبل إلى تأليف حكومة مؤيدة صراحة لإيران، فإن التأثير الذي قد تحدثه زيادة إنتاج النفط العراقي على التوترات السياسية والاقتصادية داخل الجمهورية الإسلامية قد يُثير شقاقاً بين البلدين.

وفي نهاية الأمر ستفضل السعودية الحليف القوي للولايات المتحدة رؤية عراق متطور ومزدهر بدلاً من بلد يُستخدم نقطةَ انطلاق لتنظيم «القاعدة». ويقول مسؤول سعودي: «من مصلحتنا أن يخرج العراق مستقراً، لا نريد يمناً آخر، إذا أصبح العراق قوة اقتصادية إقليمية فسيدعم ذلك الاقتصاد السعودي».



(رويترز)