أرنست خوريجاءت استقالة السفير التركي لدى الولايات المتحدة، نابي شنسوي، غداة قمة الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء الماضي، مفاجئة، لا بل صادمة بالنسبة إلى بعض الصحف والمراقبين الأتراك. تقول إحدى الروايات المتداولة إنّ شنسوي قدم استقالته بعد سجال حاد مع وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو بسبب خطأ بروتوكولي شاب قمة أوباما وأردوغان، التي استُثني منها مهندس السياسة الخارجية التركية. إلا أنّ المفاجأة قد تزول أسبابها الموجبة بما أنّ الواقعة البروتوكوليّة قد تكون مجرّد حجّة لتبرير استقالة شنسوي، الدبلوماسي العتيق «المحافظ» والمعارض لسياسات تركيا الجديدة القائمة على الانفتاح على جوارها العربي وغير العربي، بحسب صحيفة «توداي زمان».
وروت الصحيفة تفاصيل الحادثة الدبلوماسية، التي شهدها مدخل المكتب البيضاوي بين السفير والوزير داوود أوغلو؛ فخلال التحضير لانتقال أردوغان والوفد المرافق له إلى العاصمة الأميركية، أبلغت إدارة أوباما أنقرة، من خلال السفير شنسوي، أن سيد البيت الأبيض يرغب في عقد لقاء ثنائي مع أردوغان، وذلك بعد الاجتماع الموسّع للوفدين.
وبحسب المصادر، أصرت الحكومة التركية على حضور الوزير داوود أوغلو إلى جانب رئيس حكومته. وبالفعل، حين حان موعد اللقاء، أصرّ أردوغان على بقاء وزيره إلى جانبه لـ«خبرة الرجل في القضايا التي سيتخللها الاجتماع». حينها، قال أوباما إنه «حان وقت المباحثات مع أردوغان وحدنا». لكن داوود أوغلو بقي في المكتب على قاعدة أنّ نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون ستكون حاضرة أيضاً. غير أنّ مسؤولي مكتب الرئيس الأميركي أبلغوا داوود أوغلو أنّ الاجتماع سيضم الرئيسين ومترجميهما حصراً.
وحين خرج الوزير التركي من المكتب البيضاوي متفاجئاً، دار سجال حاد مع سفير بلاده حول سبب استبعاده رغم رغبة حكومته. ورغم أن الصحف التركية لم تتمكن من معرفة تفاصيل النقاش، إلا أنّها جزمت بأنّ شنسوي أعلن أنه يتحمل شخصياً مسؤولية ما حصل، رافضاً تقديم شرح لذلك على قاعدة أنّه مستعد لتقديم استقالته إذا طلب منه داوود أوغلو ذلك. وبالفعل، كتب السفير نص استقالته إلى وزارة الخارجية، طالباً إعادته إلى أنقرة. قُبلت الاستقالة فوراً، وكشف المتحدث باسم الوزارة براق أوزوغرغين أنّ الرجل سيعود إلى بلاده ليقضي أشهره الباقية له في ملاك وزارة الخارجية قبل إحالته على التقاعد، بما أنه شارف على بلوغ سنّ الـ65، السنّ القصوى للموظف في السلك الدبلوماسي في تركيا.
وكثرت الروايات عن السبب الحقيقي للاستقالة. تحدث البعض عن أنّ شنسوي كان غاضباً من «تجاهله» من أردوغان وداوود أوغلو. البعض الآخر أشار إلى «خلفيات سياسية» وراء استقالة الرجل قبل أشهر من انقضاء ولايته، التي تنتهي في النصف الأول من عام 2010. فالسفير المستقيل، «علماني محافظ»، وهو أحد دبلوماسيّي «تركيا القديمة»، وسبق له أن شغل منصب نائب أمين سر رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس الثامن لتركيا تورغوت أوزال (1989ـــــ1993). وهو معارض لسياسات الانفتاح الجديدة المعتمدة إزاء الجوار والخارج عموماً، علماً بأنّ السلك الدبلوماسي لا يزال أحد مكامن الضعف في حكم «العدالة والتنمية»، وسبق لأردوغان أن انتقد مراراً الدبلوماسيين الذين «لا يواكبون بكفاية سياساتنا الجديدة وانفتاحنا النشيط». حتى إنّ يافوز أجهان كتب للموقع الإلكتروني لـ«سي أن أن تورك» ما حرفيته أن شنسوي، «بدل العودة إلى بلاده بصمت، كسفير انتهت ولايته، فضّل العودة بصخب كرجل وبّخ رئيس الحكومة ووزير الخارجية»، وهو ما «قد يفتح أمامه مجالاً لتأدية دور سياسي كبير في حزب الشعب الجمهوري» المعارض.