عاد الإعدام إلى الولايات المتحدة منذ 33 عاماً. لكن، كل يوم يطرأ على هذه العقوبة جديد يبرّر فتح ملفها. أخيراً، أعدم محكوم متأخّر عقلياً، ونجا آخر من الحقنة القاتلة، ثمّ نُفّذَت العقوبة القصوى بحق محكوم لم يقترف بنفسه جريمة قتل، وآخر بعد 29 عاماً من ارتكاب جريمته. تبقى أميركا سادس أكثر دولة تصدر أحكاماً من هذا النوع، وأكثر دولة أحكام إعدامها «عنصرية»
أرنست خوري
في العاشر من شهر تشرين الأول الماضي، مرّ «اليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام» في الولايات المتحدة، وسط صدمات مستجدة أعادت النقاش غير المقفل أصلاً حول الإعدام في هذه الدولة العظمى.
ففي الثالث من الشهر الجاري، أعدم بوبي وودز في تكساس بتهمة قتل طفلة. لا يكمن الخبر في هذه الواقعة، بل في أنّ وودز متأخّر عقلياً؛ رغم بلوغه 44 عاماً، فإنّ ذكاءه وقدرته العقلية مساويان لطفل عمره 7 سنوات. هي سابقة بما أنها المرة الأولى التي يُكسَر فيها قرار المحكمة العليا الأميركية، الذي اتخذ في عام 2002، ومُنع بموجبه إعدام المتأخرين عقلياً. لكن بذور مخالفة قرار المحكمة العليا تكمن في القرار نفسه، إذ إنه ترك لمحاكم الولايات الـ 35، التي لا تزال تطبّق العقوبة القصوى، تقدير معايير «التأخر العقلي» لمحكوميها. واللافت هو أن قرار تقويم وضع وودز تغيّر ثلاث مرات: في إحداها قال قرار الطبيب إنّ المحكوم «متأخر عقلياً ولم يعد يمثّل خطراً على المجتمع»، قبل أن يعتبر القرار الطبي ـــــ القضائي الأخير أنّ الرجل «يمكن أن يرتكب أعمال عنف مستقبلية»، فجرى إعدامه.
هكذا، سجّلت ولاية آل بوش (تكساس)، رقماً قياسياً جديداً، هذه المرة بإعدامها أكبر عدد من الأشخاص: 447 من أصل 1188 منذ إعادة العمل بالعقوبة في الولايات المتحدة في 1976.
أُعدم وودوز بالحقنة السامة المكوّنة من 3 مواد: مادّة مخدّرة وأخرى تشلّ العضلات وثالثة تسبّب توقف عمل القلب.
إعدام متأخّر عقليّاً ومحكوم لم يرتكب جريمة قتل واختراع سمّ جديد
لكن، كان لا بدّ لمعارضي عقوبة الإعدام من نيل حجة إضافية لخوض حملتهم على أساس أن هذه العقوبة «جريمة وغير عادلة ولا أخلاقية وغير مفيدة في إحقاق العدالة». ففي 15 أيلول الماضي، سجّلت ولاية أوهايو سابقة أخرى لم تشهدها الولايات المتحدة منذ عام 1946. لم يستطع الفريق الطبي المكلّف، حقن المحكوم رومل بروم بالسم القاتل. ساعتان ونصف ساعة من الجحيم الذي وصف بروم (53 عاماً) تفاصيله في ما بعد، لم تكن كافية لإيجاد الوريد المناسب لقتله. حادثة أدّت إلى توقف تطبيق جميع أحكام الإعدام في هذه الولاية إلى أن تمّ تركيب مادة سامّة جديدة، هذه المرة أحاديّة التركيب بما أنها عبارة عن مخدّر فقط... مخدر قاتل.
وقد روى بروم، المحكوم منذ عام 1984 بجريمة اغتصاب وقتل ولا يزال يدافع عن براءته فيها، تفاصيل رحلته بين الموت والحياة بشكل مأسوي: أكثر من 18 حقنة في يديه ورجليه لم تجدِ في إيجاد الوريد المناسب. «أوجاع رهيبة وعذاب لا يطاق» أوصلت الرجل إلى درجة قيامه بتأدية دور المساعد للفريق الطبي لإيجاد المكان المناسب لقتله. كل ذلك لم يجدِ. وحتى اليوم، لا يزال مصير بروم غير محسوم بما أن القضاة لم يقرروا بعد، وسط طلبات محاميه لإلغاء الحكم الصادر بحقه «كي لا يتكرر ما مرّ به».
تجدر الإشارة إلى عدم وجود مهلة قانونية محددة أمام الفريق الطبي لينفّذ حكم الإعدام، علماً بأن أوهايو هي من الولايات الأميركية القليلة التي تحصر وسيلة الإعدام بالحقنة السامة.
ولا يسجّل التاريخ القضائي الأميركي إلا حالة واحدة لمحكوم بالإعدام نجا في المرة الأولى، وهو ويلي فرانسيس الذي لم يمت على كرسيّه الكهربائي في عام 1947، وراح يصيح «إنه لا يقتلني». إلا أنه مات في المحاولة الثانية بعد عام واحد، وتحولت قصّته إلى أفلام سينمائية عديدة في ما بعد.
وجنّ جنون المعارضين للإعدام بعد 3 أشهر من توقف تنفيذ هذه العقوبة في أوهايو، أي في الثامن من الشهر الجاري، حين أُعدم كينيث بيروس (51 عاماً) بحقنة سامّة من نوع جديد لتفادي تكرار تجربة بروم. وفي حالة بيروس، اتُّهم القضاء باستعمال الرجل كـ«مختبر بشري» بما أنّ وضع المادة القاتلة في جسده احتاج إلى 30 دقيقة تخللتها 9 حقنات. وقد اعترف القاضي الفدرالي غريغوري فروست، في قرار ردّ طلب طعن موكّلي بيروس، بأنّ «نظام الإعدام في ولاية أوهايو تشوبه دائماً ثُغَر كبيرة تزيد من القلق وتسبّب أخطاراً. لكن حتى اليوم، يبدو مستحيلاً على السيد بيروس إظهار أن هذه المخاطر تتناقض مع الدستور».
ولم تنتهِ المفارقات القضائية الأميركية المتعلقة بعقوبة الإعدام عند هذا الحد. ففي الثاني من الشهر الجاري، أُعدم سيسيل جونسون في ولاية تينيسي، وذلك بعد مضيّ 29 عاماً على صدور الحكم بحقه. واقعة أثارت جدلاً داخل المحكمة العليا حتى، بما أن هذه قد تكون أطول فترة يقضيها محكوم في السجن قبل إعدامه. وعن هذا الموضوع، قال «أكثر قاضٍ تقدمي في المحكمة العليا»، جون ـــــ بول ستيفنس، إن «هذه الفترة تبقي الموقوف عند مدخل الموت لعقود في ظروف قاسية جداً وغير إنسانية». تجدر الإشارة إلى أن المعدل الوسطي لفترة بقاء سجين محكوم بالإعدام قبل تطبيق العقوبة هي 12 عاماً في الولايات المتحدة.
أخيراً، سجّل القضاء الأميركي في ولاية تكساس أيضاً، في 19 تشرين الثاني الماضي، سابقة قضائية من نوع آخر: إعدام شخص لم ينفّذ جريمة قتل بنفسه. فروبرت تومسون (34 عاماً) شارك في عملية سطو مسلّح في عام 1996، قُتل خلالها موظف «السوبر ماركت» بسلاح زميل تومسون في العملية. ورغم ذلك، رفض حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، المعروف بعدم تساهله إزاء عقوبة الإعدام، العفو عن الرجل وخفض عقوبته إلى السجن المؤبّد. وتكساس هي إحدى الولايات النادرة التي يُسمح فيها بإعدام مشارِك في جريمة، وإن لم يكن قد ارتكبها.
11% من الجرائم أبطالها نساء، بينما لا يتعدّى عدد المحكومات بالإعدام 2%
سياسياً، ليس هناك موقف موحد للديموقراطيين ولا للجمهوريين إزاء هذه العقوبة، بدليل أن 35 ولاية لا تزال تطبق هذه العقوبة، في مقابل 15 فقط ألغتها. وتختلف أساليب الإعدام من ولاية إلى أخرى، مع أن الحقنة السامة باتت المفضَّلة بالنسبة إلى المحاكم والمحكومين؛ فمن أصل 1188 إعداماً منذ 1976، نُفّذ 1016 منها بالحقنة السامة، و156 بالكرسي الكهربائي، و11 بغرفة الغاز المميت، و3 شنقاً و2 رمياً بالرصاص.
وولايتا أوكلاهوما ويوتا هما الوحيدتان اللتان لا تزالان تطبّقان عقوبة الإعدام رمياً بالرصاص. وحتى عام 1980، كان القانون في يوتا ينص على 3 طرق لتطبيق العقوبة القصوى: رمياً بالرصاص أو بحقنة سامة أو شنقاً، على أن يختار المحكوم طريقة موته. وحتى ذلك التاريخ، كان يُلجأ إلى الرمي بالرصاص إذا رفض المحكوم الاختيار. وبعد 1980، أصبح الإعدام ينفّذ بواسطة الحقنة السامة في حال عدم اختيار المحكوم، علماً بأن أولى حالات الإعدام بهذه الطريقة حصلت في عام 1987، وآخر شخص أُعدم بالرصاص في أميركا كان جون تايلور في يوتا عام 1996.
أما اليوم، فتقضي المحاكم بالحقنة السامة، إلا إذا طلب المحكوم أن يموت رمياً بالرصاص.
وبحسب وزارة العمل الأميركية، فإنّ 80 في المئة من المحكومين بالإعدام ينتمون إلى الأقليات العرقية الأميركية، أكانوا من ذوي البشرة السوداء الأفريقية أم الجذور الهسبانية، بينما يمثّل الأميركيون السود ما نسبته 12 في المئة من المواطنين، في مقابل 74 في المئة من المواطنين البيض.
وجرت دراسات عديدة لمحاولة اكتشاف سبب ما يسمّيه معارضو الإعدام «أحكام إعدام عنصرية»؛ فقد تبيّن في دراسة، ترأس فريقها البروفسور جيفري بوكوراك في كلية الحقوق في جامعة تكساس، أن قضاة الادّعاء العام في الولايات الـ 35، حيث تطبق العقوبة المذكورة، هم من البشرة البيضاء بنسبة 98 في المئة، وأن واحداً في المئة منهم فقط من القضاة ذوي البشرة السوداء. أضف أن 90 في المئة من الإعدامات حصلت حتى اليوم في الولايات الجنوبية، أي الفقيرة.
وللتمييز في أحكام الإعدام أساس آخر هو الجنس؛ فبين عامي 1976 و2005، 11 في المئة من الجرائم التي ارتُكبَت في الولايات الأميركية كان أبطالها من النساء، بينما لا يتعدّى عدد المسجونات المحكومات بالإعدام حالياً نسبة 2 في المئة. ومنذ 1976، 11 امرأة فقط أعدمن، أي ما يقارب نسبة 1 في المئة من مجموع الذين أعدموا.
ويستند مناهضو الإعدام إلى حجة قوية إضافية، وهي أن أميركا إحدى الدول التي ظلت تعدم أحداثاً حتى وقت قصير (إضافة إلى العراق وإيران وبنغلادش والسعودية واليمن والصين والكونغو ونيجيريا وباكستان والسودان). وفي عام 1999، أعدم 4 أحداث في الولايات المتحدة، ولا يزال 73 ينتظرون تطبيق هذه العقوبة بحقهم؛ فرغم أنّ المحكمة العليا ألغت، في مطلع آذار 2005 (5 أصوات في مقابل 4)، إعدام الأحداث، فإنّها لم تنص على مفعول رجعي. كما أن أميركا من الدول التي تجيز إعدام عناصر جيشها، إلا أنها لم تشهد بعد أي حالة إعدام بحق جندي أميركي، رغم وجود 9 أحكام بحق عناصر من هذا الجيش.


أكبر عدد جرائم وسجناء