أرنست خورييواجه أركان الحكومة التركية قرار حظر حزب «المجتمع الديموقراطي»، كما واجهوا كل حروبهم الباردة مع المؤسسة العلمانية العسكرية المتشددة: حصر الأضرار بحدّها الأدنى انطلاقاً من أنّ الوقت كفيل بتهدئة الخواطر وإمرار بعض الإصلاحات «بالتقسيط». كل ذلك في انتظار الموقعة الكبرى والنهائية التي لن تُحسَم لمصلحة مشروعهم سوى مع إقرار دستور جديد للبلاد ينهي مفاعيل دستور ما بعد انقلاب عام 1980، وهو ما يبدو شبه مستحيل قبل الانتخابات التشريعية المقررة في عام 2011.
في المقابل، يدخل الطرف الآخر، أي العسكر والمعارضة عموماً، الأسبوع الثاني لمرحلة ما بعد الحظر، مع رغبة بالتصعيد لهدفين:
ـــــ ترهيب الخصم ـــــ «العدو» (أي أحزاب الأكراد) أمنياً، وهو ما تم التعبير عنه في مقتل 4 متظاهرين أكراد في تظاهرات الأيام الماضية في كل المدن الرئيسية التركية، واعتقال أكثر من مئة مواطن، مع «طمأنة» قائد الجيش إلكر باسبوغ، أمس، إلى أنّ مؤسسته لن تتهاون مع تحركات الشارع التي وضعها في إطار الإرهاب.
ـــــ ثم للحؤول دون تمكّن الحكومة من مواصلة مشروعها الإصلاحي الداخلي الذي تلقّى ضربة قاسية من خلال قرار المحكمة الدستورية.
وبين الطرفين، لا يبدو «المجتمع الديموقراطي» سابقاً، «السلام والديموقراطية» حالياً، مستعجلاً. سياسياً، اتخذ نوابه قرار استقالتهم بالإجماع، لكنّ «العدالة والتنمية» ليس في وارد قبول تلك الاستقالة في البرلمان، أولاً لأنه ليس متحمّساً لتنظيم انتخابات جزئية يُرَجَّح أن يرتفع معها منسوب التوتر في الشارع، وثانياً لأنّ رجب طيب أردوغان ورجاله يدركون أنّ اعتكاف الساسة الأكراد يعني ترك المجال أمام القتال حصراً.
كذلك ينوي النواب الأكراد الـ 21 اللجوء إلى استئناف قرار المحكمة الدستورية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنهم يعلمون جيداً أن الاتحاد الأوروبي، غير الموافق على القرار القضائي، لن يترجم عدم رضاه بأكثر من بيانات إنشائية ودعوات إلى تحسين وضع الأقليات.
وبالنسبة لهؤلاء النواب، لا تكمن خطورة الإجراء الجديد في واقع حظر حزبهم الذي ليس التنظيم الكردي الأول الذي يتم حلّه. بل يكمن الخطر في أنّ القرار يلغي مفاعيل الرياح الجديدة التي هبّت في أنقرة على وقع وعود وجهود الحكومة لحل القضية الكردية من خلال رزمة «الانفتاح الديموقراطي» التي يصرّ «العدالة والتنمية» اليوم على نيته الاستمرار فيها داخل البرلمان رغم كل الضغوط. وعند النظر إلى موقف «العدالة والتنمية» من حظر حزب الأكراد، يدرك كثيرون أنه لا يجدر الاحتكام إلى الكلام الصادر من قصر شنقايا عن الرئيس عبد الله غول، بل إلى تصريحات ومواقف رئيس الحكومة ووزرائه؛ فغول رئيس للجمهورية وملزم بخلع سترته الحزبية لحظة دخوله القصر، ولا يرتديها إلا بعد خروجه النهائي منه. من هنا لم يستغرب كثر كلامه الذي دافع فيه عن قرار المحكمة الدستورية، التي كادت تمنعه من مزاولة العمل السياسي.
أما أردوغان ورجاله، فيتمتعون بهامش أوسع من الحرية بما أنهم يؤلفون حكومة حزبية، «تعمل للأتراك كافة بالتساوي»، لكنها تنطلق من مشروع حزبي تآلفت لتنفيذه. لذلك تمكّن أردوغان من انتقاد قرار الحظر، كذلك فعل عدد من مساعديه، يتقدمهم نائبه عبد الله أرينش، الذي مرّ في مسيرته الحزبية على 3 أحزاب تعرضت للحظر: «الخلاص الوطني» و«الرفاه» و«الفضيلة».
في الأسبوع الثاني لما بعد حظر «المجتمع الديموقراطي»، يبدو كأن أردوغان ورجاله يقولون للأكراد سراً: لا ندعم قرار الحظر، لكننا عاجزون حالياً عن إزاحة العسكر نهائياً. ساعدونا ولا تستقيلوا وأوقفوا عمليات «العمال الكردستاني» وسيروا معنا في «الانفتاح الديموقراطي» واسحبوا جماهيركم من الشارع وستنالون حقوقكم كاملة... لكن بعد انتخابات 2011.