واشنطن ولندن وباريس تدرس الضغط لتجميد الاستيطانباريس ــ بسّام الطيارة
كل الإشارات تدل على أن الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، ماضٍ في عزمه على العزوف عن الترشّح للانتخابات المقبلة، وربما الاستقالة من رئاسة السلطة. لا يتعجب مصدر فرنسي متابع من «الاتجاه الدراماتيكي» الذي تسير فيه محاولات محمود عباس لوقف الاستيطان، وبالتالي «إنقاذ مبدأ التفاوض وإنقاذ نفسه في آن واحد»، وبالتالي لا يستبعد «خطوة كبيرة» يمكن أن تقدم عليها واشنطن وباريس ولندن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مسيرة السلام، بانتظار «توافر العوامل المؤهلة لمؤتمر سلام» أو تحضيراً لها.
مصادر متقاطعة في العواصم الأوروبية لم تعد ترى حرجاً في التحدث علناً عن «عقوبات تجاه اسرائيل» يمكن أن تقررها العواصم الثلاث لدفع تل أبيب إلى وقف الاستيطان. ولا ينفي أحد الخبراء أن «زيادة وتيرة البناء» تمثّل تحدياً يصعب القبول به، وخصوصاً في ظل تسارع انهيار السلطة الفلسطينية وانسداد كل آفاق الحلول وتزايد الضغوط على الرئيس باراك أوباما لقلب «ميزان القوى الإعلامي لمصلحته»، بعدما استطاع بنيامين نتنياهو أن يفرض شروطه على الولايات المتحدة.
ويقول أحد الخبراء الفرنسيين العاملين على هذا الملف إن الحديث عن عقوبات على اسرائيل بدأ في منتصف تموز المنصرم بعد الإعلان حينها عن مشروع بناء ٢٠ وحدة استيطانية في القدس المحتلة. وقتها، بدأ الحديث في واشنطن عن «سحب مليار دولار حزمة الضمانات المصرفية» البالغ قدرها ٩ مليارات دولار التي تقدمها الحكومة الأميركية لإسرائيل للحصول على قروض بشروط مسهلة. وهو ما يفسر تصريحات النائب الأميركي روبرت وود بضرورة «معاقبة اسرائيل»، التي «عجل» الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي إلى نفيها وتأكيدها ضمناً بقوله «من المبكر الحديث عن هذا الأمر»، قبل أن يضيف أن «ما نسعى إليه هو خلق الظروف الملائمة لعودة مسار التفاوض».
وجاء جواب تل أبيب في حينها على لسان نتنياهو الذي قال «لا نقبل بألا يكون لليهود الحق في البناء في القدس»، وهو ما شكل حتى اليوم «الرد الإعلامي» الذي يغطي عدم القبول بوقف الاستيطان. كما كشفت الصحافة يومها عن اقتراح لوزير الدولة الإسرائيلي يوسي بيليد بـ«فرض عقوبات إسرائيلية على الولايات المتحدة»، واصفاً سياسة أوباما بـ«العدائية تجاه إسرائيل». ودعا بيليد إلى «شراء طائرات من شركة إيرباص الفرنسية بدلاً من بوينغ الأميركية» واللجوء إلى «جماعات الضغط اليهودية لتغيير الأجندة السياسية لأوباما».
إلا أن «خطوة عباس» فاجأت دوائر القرار في الغرب، وخصوصاً في العواصم الثلاث، لندن باريس وواشنطن، التي رأت أن الملف الفلسطيني «المعقد أصلاً، ذاهب إلى زيادة في التعقيد»، حسب قول الخبير، الذي أشار إلى أن عدم قدرة واشنطن على فرض «وقف الاستيطان» يضع الدول المعتدلة في موقف حرج للغاية مع تصاعد التوتر في المنطقة بسبب ملفات عديدة باتت على طاولة الأحداث، منها بالطبع الملف الإيراني ومنها أيضاً حرب العصابات على تخوم السعودية في شمال اليمن ودخول مصر في «مرحلة تغيير مرتقب لرأس هرم النظام».
وحاول زعماء الدول الثلاث ثني عباس عن خطوته هذه، مع معرفتهم بأن «قدرته السياسية تتآكل يومياً مع كل إعلان عن مشروع بناء جديد». وجاء الإعلان الأخير عن بناء ٩٠٠ وحدة سكنية في القدس ليقصم ظهر التغاضي عن تصرف الدولة العبرية.
ويقول مصدر مقرّب من الملف إن «دوائر أمنية فرنسية تعمل في الخارج» دقت جرس الإنذار. وكان سبق لها أن أبلغت المسؤولين الفرنسيين بأن المخرج من المأزق الحالي لمسيرة التفاوض يكون «فقط بفرض عقوبات على إسرائيل». وأشارت هذه الدوائر إلى أن للعقوبات على الدولة العبرية «حسنتين»، فهي من جهة يمكن أن تقود تل أبيب إلى وقف الاستيطان كما يطلب المجتمع الدولي، وخصوصاً إذا جاءت جماعياً (أوروبياً أو دولياً)، ومن جهة ثانية يمكن أن تعيد الثقة بسياسة محمود عباس وتدعم موقفه في مواجهة «حماس» والدول الداعمة لها.
وبالطبع كان صعباً على باريس أن تأخذ المبادرة انفرادياً أو أن تضغط على حلفائها الأوروبيين في هذا الاتجاه. وبحسب أكثر من مصدر، فإن «الدفع في اتجاه العقوبات على اسرائيل» جاء من العاصمة البريطانية التي رأت أن «أفضل علاج هو الكي» للخروج من مأزق توقف المفاوضات. كما أن وصول البريطانية «البارونة اليسارية»، كاثرين أشتون، ممثلة عليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، قد يدفع الأمور للتسارع في هذا الاتجاه.
أما من حيث آلية التنفيذ، فتشير معظم المصادر إلى أن واشنطن سوف تكون أول من يعلن «تجميد ضمانات القروض» وتجميد شحن بعض الأسلحة التي طلبتها تل أبيب مع «استعمال مكثف إعلامياً لتعبير عقوبات» موجه إلى العالم العربي والإسلامي. وسوف تتبعها لندن وباريس بإعلان عدد من «الإجراءات المؤثرة رمزياً» وتكتفي المفوضية الأوروبية بالتذكير بأن رفع مستوى العلاقات مع إسرائيل «لا يزال معلقاً»، إذ لا توافق أوروبياً على أي إجراء ردعي ضد الدولة العبرية في ظل معارضة تشيكيا وهولندا وبولونيا وألمانيا خصوصاً، بينما من الممكن أن تلحق السويد بالمسار وتعلن إجراءات محدودة جداً.
وكشفت المصادر عن أن سلطات العواصم الغربية الثلاث تفكر في تأليف لجنة متابعة لأعمال البناء الاستيطاني في الأراضي المحتلة ترفع تقاريرها بتواتر، بينما تسعى القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، بالتوافق مع السلطة الفلسطينية، إلى تأليف لجنة مراقبة للبناء في القدس الشرقية.


برلين تهاجم توسيع المستوطناتوتزامنت هذه التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم ميركل، أولريخ فيلهلم، مع أول زيارة يقوم بها وزير خارجية ألمانيا جيدو فيسترفيله لإسرائيل. وهي تأتي رداً على موافقة إسرائيل الأسبوع الماضي على بناء 900 منزل جديد في القدس المحتلة.
وقال فيلهلم، للصحافيين خلال مؤتمر صحافي، «نأسف بشدة للقرار الأخير بالسماح ببناء منازل جديدة في القدس الشرقية». وأضاف ان «البناء الاستيطاني في القدس الشرقية حجر عثرة رئيسي على طريق تحقيق تقدم مستدام في عملية السلام في الشرق الأوسط». وأشار إلى أن ميركل ستناقش المسألة مع نتنياهو الأسبوع المقبل، حين يزور رئيس الوزراء الإسرائيلي ومجموعة من وزرائه برلين للقاء نظرائهم الألمان.
(أ ف ب)