انتهت الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي بفوز «بيبي» اليساري، وفي هوندوراس بفوز «بيبي» اليميني. في الأوروغواي، نجح «بيبي» موخيكا في الرسملة على إنجازات العهد اليساري المنتهي وفي تجديد الحلم. أما في هوندوراس، فأفرزت الحملة الانتخابية، التي عتّمت عليها أزمة الانقلاب، فوزاً مقنعاً لـ«بيبي» لوبو، قد يكون كافياً لإعادة وصل ما انقطع مع القارة
اعداد: بول الأشقر
دلّت النتائج النهائية في الأوروغواي على أن خوسيه «بيبي» موخيكا، زعيم التوباماروس السابق ومرشح «الجبهة العريضة» اليسارية، نال 52.5 في المئة من الأصوات، فيما نال خصمه الرئيس السابق لويس ألبرتو لاكايي عن الحزب الوطني 43.5 في المئة من الأصوات، وتقاسمت الأوراق البيض والملغاة الباقي.
أولى كلمات موخيكا، فيما كانت تنهال عليه برقيات رؤساء العالم، وخصوصاً رؤساء أميركا الجنوبية اليساريين، كانت لـ«مواطنينا الذين يشعرون بالحزن الليلة لأؤكد لهم عدم وجود فائزين وخاسرين، وكل ما في الأمر أننا اخترنا حكماً ليس بالتأكيد سيّد الحقيقة، لكنه بالتأكيد بحاجة إليكم جميعاً».
وثانية كلماته كانت للرئيس الحالي تاباري فاسكيز ـــــ أول يساري وصل إلى الرئاسة في هذا البلد الصغير ـــــ ليقول له: «فزنا بسبب أعمال حكمك، وفزنا على شعار استمرارية حكمك»، رغم أن فاسكيز كان يفضّل دانييل أستوري الذي انتخب نائباً للرئيس.
ورقيّ الفائز لم يكن وحيداً، فبعد صدور النتائج، اتصل فاسكيز بالخاسر، الذي لم يتأخر بتهنئة الفائز. وكذلك فعل مرشح حزب «كولورادو»، الذي حل ثالثاً في الدورة الاولى قبل أن ينسحب لمصلحة لاكايي. أما هذا الأخير، الذي كان أفضل خيار وجده اليمين لتمثيله والذي حاول تقديم نفسه بوصفه أفضل محارب للجريمة، فلم يخش اللجوء بين الدورتين إلى ألاعيب رخيصة لم تغير الكثير في موازين القوى، مثل اكتشاف مخزن سلاح منسوب إلى «التوباماروس» أو التركيز على عمر خصمه المتقدم، إلا أنه لم يشذّ بدوره عن اللياقة الديموقراطية بعد إسدال الستارة التنافسية.
والتقى الرئيس الجديد، أمس، مع زعيم حزب «كولورادو»، على أن يلتقي الخميس بقيادات الحزب الوطني والحزب المستقل، لتبدأ بعد ذلك مهمة تأليف الحكومة، وقد تتوسع إلى تشكيلات من خارج «الجبهة العريضة»، وخصوصاً أن موخيكا ينوي الوصول إلى توافقات تتخطى أطر الأحزاب في أربعة مجالات يراها من المصلحة العامة.
يمثّل انتصار موخيكا ثالث تجربة تجديد للقيادة اليسارية في إحدى دول أميركا الجنوبية
وتمثّل ولاية موخيكا مرحلة جديدة لترسيخ الخيار اليساري في الأوروغواي، أقرب إلى مشاعر المناضلين والناس العاديين. ولن يقوم خلالها بمغامرات في الاقتصاد الموكل إلى نائبه أستوري، إلا أن البرامج الاجتماعية ستتعمق، وقد تعرف الأوروغواي إصلاحات مجتمعية مثل إقرار قانون الإجهاض الذي أقره المجلس الحالي، ولجأ فاسكيز الاشتراكي ذو القناعات المسيحية إلى نقضه. كذلك يحلم موخيكا بنقلة نوعية في مجال التربية من خلال إيصال شبكة الإنترنت إلى جميع البيوت ومضاعفة موازنات البحوث في محاولة لتفعيل ما يعدّه رأسمال الأوروغواي الأول، وهو مستوى شعبه الثقافي. ومن المرجح أن يمثّل انتخاب موخيكا دفعاً قوياً لمجموعة «مركوسور»، وأن يؤدي إلى تحسن ملحوظ في العلاقات المتوترة مع الأرجنتين، ولا سيما أنه صديق مقرب للرئيسة الأرجنتينية كريستينا كيرشنير وزوجها.
ويمثّل انتصار موخيكا، بعد التشيلي والأرجنتين، ثالث تجربة تجديد للقيادة اليسارية في إحدى دول أميركا الجنوبية، إلا أنها هذه المرة قد تفتح آفاقاً جديدة وتكون أكثر من إعادة للنموذج الأول. وسيسيطر التشكيل المتأتي من «حركة المشاركة الشعبية»، وريثة جزء من تراث «التوباماروس»، على أكثرية المقاعد الاستراتيجية داخل حكومة «الجبهة العريضة». كذلك يمثّل وصول موخيكا خاتمة سعيدة لجرح الانقلاب العسكري الذي شوه الديموقراطية الأوروغوانية في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، مع أن «بيبي» وعد بالتزام قرار المواطنين الذين قرروا بموازاة الدورة الأولى من الانتخابات عدم المسّ بقانون العفو، مشيراً إلى أنه يتضمن ثغراً كافية لمعاقبة أبشع جرائم الحرب القذرة.
ولن يجد موخيكا صعوبات مع النظام الحزبي ـــــ بعكس اليسار في البرازيل والأرجنتين ـــــ بعدما نجحت «الجبهة العريضة» في الحفاظ على أكثريتها المطلقة في الكونغرس، إن في مجلس النواب أو في مجلس الشيوخ.
في هوندوراس، الوضع يختلف تماماً، والمعركة الجارية هي على أرقام المشاركة في غياب مراقبي منظمة الدول الأميركية والمجموعة الأوروبية الرافضين الاعتراف بشرعية انتخابات لم تسبقها عودة الرئيس مانويل زيلايا إلى السلطة. وفيما تندد «المقاومة» المؤيدة لزيلايا باعتقال أكثر من 30 من قيادييها ليلة الانتخابات، وتشير إلى أن المقاطعة تخطت 60 في المئة، يفيد المجلس الانتخابي المشرف على الاقتراع بأنّ المشاركة تخطت 60 في المئة، رغم أن التقليد في هذا البلد هو أن تدور اللعبة الديموقراطية حول نصف الجسم الانتخابي.
لكن حال التجاذب لم تترك هذه المرة حيّزاً كبيراً للحياد، ومن الممكن جداً أن تكون المشاركة قد ارتفعت بالرغم من وجود حركة مقاطعة. وتدل النتائج الرسمية في الانتخابات الرئاسية على انهيار الحزب الليبرالي، الذي يقف على مفترق جميع خيارات البلد، وهو حزب زيلايا، الذي انتفضت عليه الأكثرية من داخله، والتفت حول رئيس الأمر الواقع روبيرتو ميتشيليتي. مفترق طرق يأتي تعبيراً عن امتعاض الليبراليين من أداء زيلايا الذي ارتد على جزء من ناخبيه، وميتشيليتي الذي انقلب على الانتظام الدستوري.
وقد نال بورفيريو «بيبي» لوبو عن الحزب الوطني 56 في المئة من الأصوات، ومنافسه الليبرالي إلفين سانتوس 39 في المئة، فيما تقاسم المرشحون الثلاثة الباقون، ومنهم واحد يساري لم ينسحب، نحو 6 في المئة.
في كل الأحوال، الانتخابات النيابية أكثر تعبيراً على ما يبدو، إذ تقاسمت 5 أحزاب، ومنها حزب يساري وآخر وسطي المقاعد، بحصص تقريباً متساوية. وتدل قراءة متأنية للنتائج أن زيلايا لم يكن يتمتع بتأييد أكثرية مواطنيه لتغيير خياراته الانتخابية وإدارة ظهره للإستبلشمنت الذي أسهم في اختياره من قوى مسلحة وأحزاب وقضاة وصحافة ورجال أعمال. إستبلشمنت جعله أعزل عندما قرر التآمر عليه.
ستبقى على لوبو معالجة أزمة القطيعة التي ولّدها الانقلاب في هندوراس مع القارة
قد يحمل هذا الواقع الرئيس الجديد، الذي يتسلم مهماه بعد شهرين، إلى محاولة ربط خلال المرحلة الانتقالية كل ما تفسخ خلال الأزمة المؤسساتية. ومن المرجح أن يجعل من اتفاق سان خوسيه، الذي كان من المفترض أن يعالج الأزمة المؤسساتية، خريطة طريقه. ونص الاتفاق المذكور على تأليف حكومة وحدة وطنية قد يترجمها فعلاً في حكومته الأولى. وستبقى عليه معالجة أزمة القطيعة التي ولّدها الانقلاب مع القارة. ويرى «بيبي» لوبو أن القطيعة هي «مسألة وقت» بعد موافقة الولايات المتحدة على إجراء الانتخابات ونتائجها، وبدأ أقرب حلفائها ـــــ كوستاريكا، بناما، كولومبيا، البيرو ـــــ بالقيام بالمثل.
في المقابل، تشدد أكثرية الحكومات اليسارية، حتى الآن، على موقفها التنديدي والمبدئي بانتخابات هندوراس. وما برحت هذه الحكومات تقارن بين شفافية استحقاق الأوروغواي وزور الانتخاب الهندوري الذي وصفه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز بالـ«مهزلة إذا قورن بالانتخاب الشعبي والديموقراطي»، فيما أكد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيوس لولا دا سيلفا «أنه لا يجد سبباً لإعادة النظر بموقفه من الوضع في هندوراس».
قد تأتي منظمة الدول الأميركية بجديد في هذا الصدد، في اجتماعها المقبل نهار الخميس، وقد تظهر بوادر أولى لتطبيع ما مع لوبو، ولو بعد فترة إذا عرف هذا الأخير الابتعاد عن الانقلابيين وأرسل إشارات واضحة عن استقلاليته. قد يجري ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، التي لا تزال تحتفظ بوسائل ضغوط حاسمة ولا تستطيع أن تقفل الملف على هذا النحو من دون إلحاق ضرر لا يقدّر بصدقية الرئيس باراك أوباما. صدقية نجحت لوبيات المحافظين الجدد في تعطيلها، بعدما وجدت أصواتاً صاغية لها داخل الإدارة الأميركية، ما يراه بعض المحللين بروفة كارثية تشبه ما حصل في الملف الشرق أوسطي.
أحد عناصر هذا التطبيع سيكون من دون شك إيجاد جائزة ترضية لزيلايا، مثل تسلّم الولاية من يديه. وقال لوبو إن زيلايا «يستطيع مغادرة السفارة البرازيلية طليقاً ولن يتعرض له أحد». وراجت شائعات في تيغوسيكالبا، العاصمة الهندورية، عن أنه قد يطلب اللجوء السياسي إلى نيكاراغوا.
يبقى أن القارة ستبقى تتأمل طويلاً كيف عادت وأطلّت صورة الانقلاب في ليلة أواخر حزيران، بعدما كانت قد تصالحت مع الديموقراطية وأكدت من كل صوب أنها تخطت الصفحات السوداء إلى غير رجعة. عادت صورة الانقلاب من دون نفي الأخطاء التي ارتكبها زيلايا للوصول إلى هذه النقطة. على لوبو الآن أن يثبت أنه رجل دولة ليعود ويصل ما تفكك ولتعود هندوراس دولة عادية ومغمورة لا يعرف إلا القليل القليل مكانها على الخريطة.


بطاقتا تعريفـــــ هندوراس: ثاني بلد في أميركا الوسطى، بعد غواتيمالا، بسكانه البالغ عددهم 7.5 ملايين نسمة، وأيضاً ثاني بلد بمساحته (112 ألف كيلومتر مربع) بعد نيكاراغوا. وتُعَدّ هندوراس، وعاصمتها تيغوسيكالبا، من الدول السبع التي تحمل اسم أميركا الوسطى وتربط شمال القارة بجنوبها. وهي تُطلّ على المحيط الهادئ والبحر الكاريبي.