واشنطن تقدّم أمنها القومي على الوضع في دارفور وانفصال الجنوبجمانة فرحات
مع تعدد الاستحقاقات التي يواجهها السودان خلال الأشهر المقبلة، أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجيّة جديدة للتعامل مع الخرطوم، رأى فيها البعض تراجعاً أميركياً ومكسباً سودانياً، فيما رآها البعض الآخر فرصة أخيرة لنظام الرئيس عمر البشير لتغيير سلوكه بعدما تمسّكت السياسة الجديدة بمصطلح الإبادة الجماعية وأُرفقت بتجديد للعقوبات.
وحدّدت الاستراتيجية ثلاث مشكلات سودانية للتعامل معها. أولها «إنهاء النزاع وانتهاكات حقوق الإنسان الجماعية وجرائم الحرب والإبادة في دارفور». ثانياً «تطبيق اتفاق سلام موحد يؤدي إلى سودان يسوده السلام بعد عام 2011 أو فتح طريق منظّم نحو دولتين منفصلتين تسود كل منهما السلام»، وثالثاً «وجود سودان لا يوفر ملاذاً للإرهابيين».
وأوضح أوباما أن استراتيجيته تتضمن حوافز «إذا تحركت حكومة السودان لتحسين الوضع والنهوض بالسلام»، وتقابلها ضغوط ضرورية لمنع انزلاق السودان نحو مزيد من الفوضى. إصرار أميركي بدا واضحاً بعد تجديد العقوبات على السودان لمدة عام إضافي، على اعتبار أن «تصرفات وسياسات الحكومة السودانية المعادية للمصالح الأميركية تمثّل تهديداً استثنائياً مستمراً للأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية». وانعكس تمديد العقوبات وعدم حذف مصطلح «الإبادة الجماعية» خيبة أمل وتضارباً في تصريحات المسؤولين السودانيين عن الاستراتيجية الجديدة، التي بدأت مرحّبة بتحفّظ وانتهت رافضةً لها.
أوباما: الحوافز تقابلها ضغوط لمنع انزلاق السودان نحو مزيد من الفوضى
وبعدما رأى مستشار رئيس الجمهورية غازي صلاح الدين أن الاستراتيجية الأميركية تحمل إيجابيات بعد خلوّها من الحديث عن بعض الأفكار المتطرفة، مبدياً تحفظه على استخدام وصف الإبادة الجماعية، عاد مستشار الرئيس مصطفى عثمان اسماعيل، ليعلن «رفض السودان كلياً الاستراتيجية الأميركية بشكلها الحالي».
لكن اسماعيل، المدرك لعدم وجود إمكان للقطيعة مع واشنطن، شدد على أهمية العلاقة مع الولايات المتحدة، مؤكداً أن السودان لن يتخلى عن «المبادئ الثلاثة التي تحكم علاقاته الخارجية، وهي: الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية». وأوضح أن بلاده ستعمل على صياغة استراتيجية مقابلة للتعامل مع واشنطن.
وبين الموقف الأميركي القائم على سياسة «العصا والجزرة» والشروط السودانية، يمكن التوقف عند دلالات ابقاء واشنطن على مصطلح الإبادة الجماعية. خطوة رآها البعض انتصاراً لرؤية مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، سوزان رايس، على مبعوث أوباما الخاص للسودان سكوت غريشان، الذي سبق له أن أعلن أن حكومة الخرطوم لم تعد طرفاً في حملة إبادة جماعية في دارفور.
كذلك، تظهر الاستراتيجية الجديدة أن الموقف الأميركي من السودان لم تعد تتحكم به فقط المسألة الإنسانية وما يجري في إقليم دارفور، أو مسألة انفصال الجنوب، بل إن مسألة الأمن هي من أبرز محددات الاستراتيجية. إذ إن واشنطن تدرك جيداً موقع السودان في القارة الأفريقية وطبيعة علاقاته مع «أعدائها». وهو سبق له أن استضاف زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ويمتلك علاقة قوية مع حركات المقاومة في العالم العربي، وتحديداً «حماس»، فضلاًَ عن قربه من إيران. وبالتالي، فإن واشنطن تريد أن تتفادى أي اضطرابات أمنية قد تؤدي إلى تجدد الحرب الأهلية، وإضافة منطقة أمنية ساخنة تقع إلى جوار القرن الأفريقي المشتعل. ولذلك، فإن الإدارة الأميركية في رأي البعض بدأت تتفهم ضرورة اعتماد سياسة المحفزات تجاه السودان.
وفي السياق، كشف صحيفة «الرائد» السودانية عن زيارة يقوم بها مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أندرو ناتسيوس إلى السودان حالياً، لإجراء محادثات مع الجهات المعنية بالخرطوم عن واقع المساعدات التي تقدمها الوكالة.
مصطفى اسماعيل: السودان لن يتخلى عن مبدأ عدم التدخل في شؤونه الداخلية
كذلك يلاحظ أن التطورات في الموقف الأميركي تأتي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين طرفي الحكم في السودان المزيد من التدهور، وبالتزامن مع إصدار لجنة حكماء أفريقيا توصياتها حول دارفور. فبعد المقاطعة الجزئية لجلسات البرلمان، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان، مقاطعتها إلى أجل غير مسمى للجلسات بعد تفاقم الخلافات بشأن إقرار عدد من القوانين، من بينها قانون الأمن.
من جهة ثانية، وجدت الحكومة السودانية نفسها أمام ضغط جديد من قبل لجنة حكماء أفريقيا بعدما تعهدت في وقت مبكر بقبول توصياتها، التي خلصت إلى أن السودان يجب أن ينشئ محكمة تضم قضاة أجانب لمحاكمة مرتكبي الجرائم الكبرى في إقليم دارفور، ما اضطر البشير إلى تأليف لجنة برئاسة نائبه علي عثمان محمد طه للنظر في تقرير لجنة الحكماء.
ويبقى السؤال: هل سيمهد التقرير وإمكان قبول السودان بتنفيذ توصياته إلى تسوية ما بين واشنطن والخرطوم؟ تسوية تُنجح المسار التفاوضي بين الحركات المتمردة والحكومة في دارفور، وتفضي إلى اقفال ملف البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية.


دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الأطراف السودانية إلى معالجة المشاكل التي تحول دون إحلال السلام، معتبراً أن إجراء انتخابات واستفتاءات من أهم الأسس التي تؤدي إلى إنهاء النزاع الطويل بين شمال البلاد وجنوبها.
وقال بان، في تقرير نشره مركز الأمم المتحدة، أول من أمس، إنه يتعين «تنفيذ الاتفاقية نصاً وروحاً». وأشار إلى أن الاشهر الـ 18 المقبلة تمثّل تحدياً هائلاً بالنسبة إلى شعب السودان، داعياً جميع الفرقاء في البلد إلى التعاون.